عجايمي.. الدراما الجزائرية تعيش مرحلة من الفتور علاوة زرماني.. نفتقر لسوق توزع أعمالنا وتشجع على الإنتاج المحلي
المُتابع لمشهدِ الإنتاج التلفزيوني، يُلاحظُ مُؤخراً بأن الدراماَ الرمضانية في الجَزائر، تتناقصُ من سنةٍ لأخرى، بالرغم من مُحاولة بعضهاَ فرض نفسها بين جميعِ النقائِصِ المُحيطةِ بهاَ، فبالكادِ تنتجُ قناة أو إثنتينِ عملاً دراميا تعكفُ على بثهِ خلال الشهر الفضيل، أما البقية فتكتفي بالشراءِ من أجل عرضهِ. لذلك، فالحديثُ عن عمل تحت مُسمَى دراماَ مُتكاملة ما يزالُ في بداياتهِ حسب العاملين بهِ. الدراما الجزائرية وفجوة "السُقوط" في انفتاح المُشاهد ولأنَ رمضان من أقوى الشُهُور مُشاهدةً للتلفزيُون جزائرياً وعربياً، فجميع المُسلسلات الاجتماعية و"السيت كُوماتِ" الكوميدية الساخرة إلى جانب برامج أخرى هي أهم ما يُحضرُ لهُ، والمُشاهدُ الجزائري لم يعُد مُنغلقاً على المادة الواحدة، بل صار بعد الانفتاحِ الإعلامي وغزارة الدراما العربية الرمضانية، يُمارسُ نوعاً من النقد الفَني، ولعلّ الكثير من التعليقات العَادية على شبكات التواصل الاجتماعي "تدليلاً" على ذلكَ. كما أن المُنحنى الجديد في وعي المُستهلك للدراما من الجمهُور قد صار يحترفُ نقداً فنياً شعبياً وبامتياز، الأمرُ الذي يجعلُ أساليب فرض "صيغ" إنتاجية ل دراما مُعينة عملية صعبةٌ، رغم الحملات الإشهارية والتمويه والمُغالطات للجمهُور، تلك المُمارسة من قِبل القنوات المُقدمة لهده الأعمال الدرامية الرمضانية، فواقعُ تقديمها قد اختصر على المُتفرج وعياً بنوعيتهاَ، فهُو يرى بأنهُ لا يمكنُ تقديم أعمالٍ بلا قصة ولا سيناريُو أو حوارٍ فحسب، فلا يُعقلُ مثلاً تقديم أي فكرةٍ برُوح تُركية الميراث والشكل في اللّباس والإكسسوارات على مُتلقي جزائري يعيشُ في مُحيط البحر الأبيض المتوسط ومُتشبع بتُراثٍ ثقافي و"حَكواتي" مُختلف تماما، هذا الاتجاه يكادُ يكونُ حصريا على الدراما الجزائرية في بعض نُصُوصِهاَ خلافاً للجيران بالدراما التُونسية والمغربية الذينَ يُقدمونَ أعمالاً نابعةً من عُمق تُراثهم ومِخيالِهم الذي يُميزُهُم. وبعيداً عن هذا المُحتوي "المُستهلك" الذي يتكررُ مع كُل موسمٍ في " قوالبَ" جاهزةٍ، نُسجلُ على مدار السنوات القليلة الماضية وُجود قلةً في الإنتاجات الدرامية الجزائرية الرمضانية، حساباً على عدد القنوات التلفزيُونية التي تفُوقُ ال 20 قناة تُعلنُ أنها جزائرية العمل واللّسان! وعليه، فاتضاخ "ضآلةُ" الإنتاج أهم ما يطبعُ أو بالأحرى يتزامنُ مع ظهُورها لدرجة أن بعضها لا تجدُ ما تبثهُ بعد الإفطار أو في "ذروةِ" المُشاهدة وهذا ما أثبتهُ واقع بعضها بكُل أسفٍ. ارتباطٌ وثيق بين قلة الدراما ونُقص شركات الإنتاج الحديث عن قلة الإنتاج الدرامي الجزائري يقُودنا مُباشرةً للحديث عن قِلة المُؤسسات الإنتاجية في مَجال السمعي البصري، القادرة حقاً على إنتاج دراما مُميزة جزائرياً، وهذا ما يُفسرُ حالة الاحتكار "الراهنِ" الذي يعكفُ عليهِ بعضُ المُغامرينَ في مجال الدراما حسب المُمثل "صايشي فوزي"، فالمعمُول به غالباً بالوسط هو أن تشتري القنوات التلفزيونية أعمالا رمضانية من خواصٍ مُنتجين لها. ونادراً جداً ما تنتجُ القناة نفسُها أعمالاً "مُسلسلاتية" أو درامية سوي القِلة منها، في مُقابل هذا مازالت الإنتاجات القسنطينية وتلك المُنجزةِ في وهران تصنعُ الفارق بغُرفِ الإنتاجِ. التموقع وراء خلفياتٍ لا تعكسُ الانتماء الفني المحلي وبعيداً عن الجوهر الفَني لها، فقد غرقت الدراما الجزائرية في "التماهي" مع المفهُوم الدرامي المصري والعربي الشرقي عُمُوماً ، وإن كانت "الاستفادة" من تجارب الآخرين الأكثر تمكُناً درامياً منا حتى الآن شيءٌ جيّد ويُحترم، لكن القيامَ بجزأرة "منظُور" درامي كامل يقُوم على مُورثات تُراثية وتاريخية للدولة برُمتها ومن ثمة إسقاطهِ على الجمهُور الجزائري في "صيغ" فبركاتٍ في كتابة السيناريُو تُرافقهُ فبركاتٌ تقنية أخرى لغوية و مكانية، وهذا بالفِعل ما يضرُ كثيراً بمُستقبل الدراما الجزائرية مهما دافع هؤُلاء عن إنتاجاتهم من بابِ الانفتاح والعصرنة وحتى التواصُل. والغريب أن هذا النوعُ من الدراما الجديدة قد أصبحَ يُقدم على أنهُ جُذور شعبية جزائرية عريقة! والأغربِ من كُل هذا هُو اعتماد أغلب المشاهد التي تعكسُ ذلك إن لم نقُل جميعها على ما يُمكنُ تسميتهُ ب"التمثيلياتِ" التي تتحركُ في مساحة متر ونصف، بإضاءة واحدة وكاميرا ثابثة، حتى يُصبح الفعل كُله "أداءٌ" مُبتذل للتكرار، حتى أنهُ يخرجُ نِهائيا من عالم الدراما ليدخل عوالم أخرى قريبة من التعليق السياسي أو حديث الملاعب والمقاهي الشعبية. عزُوف الفنانين عن الخوضِ في دراما رمضان لهذا العام.. وآخرُون يُؤكدون ضعفه بدا الأمرُ غريباً جداً بالنسبة لنا، حالة العُزوف التي أبداها أغلبُ الفنانين ممن تواصلنا معهم. ما يُؤكدُ احتشام هذا الموسمُ بأعمالٍ تعكسُ المرحلة التي تمر بها البلاد والوسط الفني على حدٍ سواء، والذي دخلت فيه قلةٌ قيد الإنتاج في بلاطُوهات التصوير بالوقت الحالي. أسماءٌ فنية كبيرة وكثيرة رفضت الخوض بموضُوع الإنتاج الدرامي الرمضاني لهذا العام، مُبررة ذلك بأنها قد أصبحت خارج اهتمام الوسط بها وأن تهميشهاَ وعدم إشراكها أو استدعائها لعمل يُحتم عليها التنحي جانباً والاكتفاء بالمُتابعة. من جهة أخرى، اكتفى البعض بالقول إن جميع نشاطاته ستكون إلى ما بعد رمضان. وعلى خلاف هؤلاء كان لنا حديثٌ مع بعض الوجوه التي اتفقت جميعها على فكرة عدم التكفل الجدي بمشاريع درامية حقيقية مُوجهة للمُشاهد الجزائري الذي يتجهُ ذوقه نحو الإنتاج العربي. الممثلة الكوميدية فربدة كريم، الشخصية الفنية الأكثر حُضورا بدور "خالتي بوعلام" تقول إنها ستكتفي بالمُتابعة هذا العام، وأن هذا الموضوع قد أصبح يُنغصُ عليها نظرتها العامة لهُ، إذ تعتبرُ بأن الدراما الجزائرية دائما نفس النص ونفس الوجوه، كما أن ظهور بعض الدُخلاء بالوسط الفني الجزائري كإشراك العديد من الأجانب في مشاريع الأعمال الدرامية والتلفزيونية، هو من وسّع الهُوة بين الفنان الجزائري ووسطهِ الذي تخلى عنهُ وأصبح لا يطلبهُ لتقديم خدماتهِ، مازلتُ أستغربُ حتى الآن نظرة المُشرفين على تنشيط هذه الأعمال من حيث خياراتهم في جلب من هب ودب إلى الوسط التمثيلي بالجزائر، وحقيقة أتساءل لماذا لا يستغلون الطاقات الشبابية التي تبرعُ في أعمال المسرح باعتباره مدرسة عريقة للفن، وتنتجُ أشخاصاً مُؤطرين فنيا يُمكنُ الاعتماد عليهم في تغيير ما تستهلكهُ الدراما الجزائرية التي لا تُقدم أي جديد في سنواتها الأخيرة سوى التكرار". واختصارا لأزمة الفنان الجزائري تقول السيدة فريدة "لدي 53 سنة في هذا الميدان، وحالياً أعيشُ تقاعدا مُبكراً، لأنهم قتلوا كل محاولات الاستمرار نحو "العطاءِ" الفني الذي يُفترضُ أنه لا يمُوت بعُمر الفنان إلا بموتهِ". وبدوره، المُمثل الكُوميدي علاوة زرماني، يُؤكد على افتقاد الساحة الجزائرية إلى دراما فعلية تعكسُ المفهوم المُتعارف عليه عربياً، ويعلق بأنهُ "تُوجدُ دراماَ في الشارع" كافيةٌ لاختصار جميع المشاهد ، ويُضيف "سوريا بإمكانات قليلة تقدم 42 عملا سنوياً، وهنا جميعُ الشروط متوفرة لكن افتقار سوق حقيقية لتوزيع الأعمال التي بالكاد تُغطي تعطش المشاهد لإنتاجاتٍ جزائرية هي من قتلتها وجعلت البعض منها حبيسة مراحل معينة للبثِ "، كما أعاب على عدم تفاعل القنوات الجزائرية مع تبني إنتاجاتٍ محلية وتلجأ دائما إلى شراءٍ أعمالٍ من دول شقيقة. ويُضيف أن الإنتاج الجزائري سابقاً لم يكُن حكراً على رمضان فقط كما هو الآن، فحتى هذه الأخيرة تبدأ بأشهر قليلة تسبقهُ ما تساهم في التركيز على تسارع وتيرة العمل وتسليمه بالوقت الضيق على حساب نوعية تقديمه. وعلى هامش حديثه عن الإنتاجات الرمضانية سوف يكون له ظهور بعمل كُوميدي جديد تحت عُنوان "عيشة وعيّاش في المعاش" يتقاسمُ فيه البطولة مع الممثلة "نضال". ويختمُ حديثهُ معنا بأن "الدراما الجزائرية فقيرةً أكثر من اللازم بداية من الميزانية المُخصصة لها وانتهاء بطريقة الإنتاج، الديكُور، السيناريُو وصُولاً إلى الأداءِ، فأين لها أن تنافس على حُضورها في ظل غياب جميع مُكوناتها". ويتفقُ المُمثل القدير "محمد عجايمي" مع من تواصلنا معهم بأن الدراما الجزائرية تعيشُ مرحلة من "الفُتُور" الإنتاجي، فهو حتى الآن يستغربُ وجود مخرجين وممثلين يلدهم الوسط بشكل يومي والذي وصفهُم ب "الدُخلاءِ"، إذ ينحصرُ دخولهم بهذا المجال في غير محله، فالتقديم العام للأعمال لا يعكسُ احترافية تموقعهم إلى جانبه، ولا يعتبر هذا تعميماً، لكن بالنسبة إليه هُو المعيارُ الغالب الذي لم يعد يخفى على أحد. ويُضيف "الإنتاج العربي يملكُ تقاليد عريقة يتداولها فيما بينهُ، ونحن أيضاً كان مشوارنا الأول مُشابهاً لذلك، لكن حالة التراجع هذه خدمتها ظروف معينة جعلت منهُ على هذا الشكل". وعن إمكانية ظهوره برمضان، يؤكد بأنه رفض بعض الأعمال لأنها لا تعكسُ مسيرتهُ الفنية الجزائرية، وأنه حريص بالحفاظ على الذوق الفني الذي يتشاركُ به مع مُحبيهِ وجمهوره . وفي الأخير.. ودُون استباقٍ ل"المُقاربة" الدرامية لهذه السنة التي لا تستهدفُ أحداً بعينه، فجميعُ السَقطات التمثيلية والإخراجية والإنتاجية تبقَى محسُوبة على الوسط ككُل، لأنه في النهاية، المُشاهد الجزائري مازال يبحثُ دوماً عن الوصول إلي دراما جزائرية حقيقية تعكسُ حجم الإمكانات الفردية والمُؤسساتية التي تمتلكُها هذه الأخيرة، دُون الدخول في حساباتٍ ضيقة تبقيها بعيدة عن واقعها الحقيقي.