لم تنجح الدراما الجزائرية و البرامج الفكاهية في استقطاب المشاهد الجزائري الذي دخل في حالة من اليأس والتذمر جراء أعمال رديئة و برامج ركيكة نجحت في اللعب على أعصابه واستغبائه بشكل كبير ومباشر، فبعد مرور النصف الأول من شهر رمضان إلا أن التقهقر الدرامي لا يزال في أوجّه وهشاشة النصوص لا تزال مستمرة رغم الانتقادات اللاذعة التي وُجّهت إلى المخرجين خلال المواسم السابقة ، لكن يبدو أن التوجيهات لم تجد آذانا صاغية و إرادة قوية من شأنها أن تنتشل الإنتاج الجزائري من مستنقع الفشل والتدهور وتنهض به نحو العصرنة والتطور من أجل مواكبة ركب الإحترافية و الإتقان ، هذه المعضلة التي باتت تواجهها الدراما الجزائرية سببها ذلك الخلل الواضح في عناصر البناء الدرامي و غياب الحبكة والتشويق ، و الأهم من ذلك غياب ضوابط المهنية التي لم نلمسها بتاتا في هذه الأعمال حتى خُيل لنا أننا نشاهد برامج هواة عنوانها " التنفير " وليس " الترغيب " . ضعف المحتوى فرغم بعض المحاولات الجادّة في الخروج من قوقعة الروتين إلا أن الكثير من المسلسلات و الحصص الترفيهية بأنواعها لا تزال بعيدة عن الاحترافية و الإمتاع و كأنها أُنتجت لتملأ فراغا في البرمجة وليس لإرضاء المشاهد الجزائري الذي تاه في غياهب الملل و اليأس ، فتلك النصوص الدرامية المفككة والأفكار السطحية الخالية من التشويق و التميز جعلها تكتفي بالمقاعد الاحتياطية ضمن المشهد الدرامي العربي، ما جعل عشاق المسلسلات و الفكاهة يتجهون نحو فضائيات أخرى ضاربين عرض الحائط أعمالا لا تسمن ولا تغني من جوع ، وهذا ما أكده الناقد والمخرج الحاج بن صالح الذي لم يخف استياءه من نوعية هذه البرامج الرمضانية التي اعتبرها " كارثية " ، حيث قال في تصريحه للجمهورية أن الكاميرا الخفية صارت مبينة على الدم والعنف والترهيب ، الأمر الذي نفّر المشاهد الجزائري و أدخل الرعب إلى قلبه، ففي الماضي كانت العائلات الجزائرية تستمتع بالسكاتشات الفكاهية وتنتظر موعد بثها بفارغ الصبر نظرا لأفكارها الكوميدية الهادفة وطريقة تقديمها ووصولها بشكل مباشر إلى قلب المشاهد ، أما الآن فالأمر اختلف تماما – يضيف بن صالح- الذي أعطى بعض النماذج عن هذه الحصص مثل سلسلة " بوضو " و سيت كوم " سلطان عاشر العاشور " وغيرها من الإنتاجات الأخرى التي لم يرض عنها بسبب ضعف المحتوى في حد ذاته ،حيث أوضح بن صالح أن طريقة الاخراج كانت مقبولة نوعا ما وحتى عملية تصوير المشاهد التي اعتمدت على التقنيات الحديثة والمتطورة ،لكن المشكل الحقيقي كامن في المحتوى ،إذا لا يوجد ذكاء في اقتناء الأفكار و تقديمها بطريقة احترافية الأمر الذي بعث الكثير من الملل في نفسية المشاهدين . جُعجُعة ولا طحين ... ورغم أن جل القنوات الجزائرية قد خصصت مساحات أكبر للإشهار والإعلان عن منتوجها الرمضاني من حصص ومسلسلات ، ورغم الوعود الزائفة التي قدمها المنتجون والمخرجون فيما يخص جودة أعمالهم و برامجهم ، إلا أن الرياح تسير بما لا تشتهيه السفن، فبمجرد عرض الحلقات الأولى لهذه الأعمال الرمضانية حتى دق المشاهد الجزائري ناقوس الخطر وحمل جهاز التحكم التلفزيوني ليغيّر وجهته نحو الفضائيات العربية علّ وعسى أن تثلج صدره و تلبي رغبته ، كيف لا يفعل ذلك ؟ وقد يأس من ترقب الجديد والنوعية التي طالما انتظرها خصوصا سلسلة " السلطان عاشور العاشر" التي نالت حصة كبيرة من الترويج قبل بدء الحلقات كونها أضخم عمل درامي جزائري نظرا للملابس الفاخرة التي استعملت فيه و الديكور وطريقة التصوير وغيرها من التقيات الحديثة والمتطورة التي استنزفت مبالغ مالية ضخمة ، لكن يبدو أن المخرج "جعفر قاسم " لم يستطع أن يقنع المشاهد الجزائري بفكرته ولا برؤيته الفنية التي ربما كانت جديدة نوعا ما في الدراما الجزائرية ، فالبعض من النقاد وجد أن غياب عناصر التشويق والاحترافية كان العامل الأكبر في عزوف الكثيرين عنه، كما اعتبر آخرون أن ضعف الفكرة والحبكة الفنية هو السبب الرئيسي في التأثير السلبي ل " السيت كوم " على نفسية المتفرج ، ونفس الشيء بالنسبة لسلسة " فاطمة وفطيمة وفطومة " التي اعتمدت على مشاهد جامدة تقدم ثلاث مضيفات من جنسيات مغاربية ، تتحدثن عن أمور جد عادية و سطحية ، و أيضا سلسلة " قويدر و الطيب" التي يقدمها " عبد القادر السيكتور"وبرنامج "بعيد الشر عليك" دون أن ننسى الكاميرا المخفية التي تحولت من الفكاهة إلى الرعب بعد تريكزها على الدم والعنف ، أما سلسلة " بوضو " التي ربما كانت الوحيدة التي حفظت ماء وجه البرامج الفكاهية في رمضان رغم بعض الانتقادات التي وجهت إليها ، لكن هذا لا يمنعنا من الإقرار أنها سجّلت بعض ردود الفعل الايجابية تجلت على شبكات التواصل الاجتماعي . الدراما في مأزق يبدو أن الكثير من المشاهدين قد راهنوا على مسلسل " حب في قفص الاتهام " للمخرج بشير سلامي ، نظرا للكوكبة الهامة من النجوم التي تألقت في مشاهده من خلال تجسيدها لشخوص العمل الدرامي ،ورغم أننا نعترف باحترافية هؤلاء الفنانين الكبار على غرار " محمد عجايمي " والسيدة " بهية راشدي " إلا أننا لا يمكن تجاهل التأخر الملحوظ الذي لا تزال تشهده أعمالنا الدرامية ، سواء من ناحية الحبكة الفنية أو النصوص ، المسلسل الذي يعالج قضايا اجتماعية راهنة لم يستقطب الجمهور الجزائري كما كان متوقعا والسبب أن العمل لم يأت بالجديد ولم يبهر المتفرج بمشاهد فريدة تجعله يتعلق بحلقات المسلسل رغم الجهد الواضح الذي بذله طاقم العمل لاسيما كاتبة السيناريو "زهرة عجايمي " والمؤلف " سفيان بن زرارة "، ونفس الشيء بالنسبة لمسلسلات أخرى مثل "شتاء بارد " و "بساتين البرتقال"وغيرها من الأعمال الدرامي التي ظهرت بمستوى لم يكن يطمح إليه المشاهد ما يجعلها في مأزق كبير أمام تطور الانتاج الدرامي العربي و حتى المغاربي .