فككت الحسابات الانتخابية للمواعيد القادمة تلاحم تنسيقية الانتقال الديمقراطي التي شكلت خلال السنوات الماضية جبهة المعارضة للسلطة، وعقب مرور قرابة الثلاث سنوات على ظهور هذه الجبهة بدأت خارطتها في التفكك يوما بعد يوم، حيث غادر حزب جيل جديد الهيئة التي يعمل تحت مظلتها، في وقت كانت حركة النهضة وهي واحدة من أكثر الأحزاب حركية ضمن التنسيقية عرفت سلسلة من الاستقالات التي تعكس توجها جديدا لقادتها، مما أدى بالتالي إلى إضعاف التنسيقية التي جمعت الآن متناقضتين، هما حمس وحزب الأرسيدي، أين يمكن للتباين الحاصل في إيديولوجيتهما أن يزيد من اتساع نطاق الشرخ داخل التنسيقية. التحالفات السياسية لأحزاب المعارضة ومذ أن قرر الرئيس بوتفليقة الترشح لعهدة رئاسية رابعة لم تتمكن من حسم رهان التعبئة لصالحها، فقد ظلت بعيدة كل البعد عن إمكانية تحقيق ذلك، وظهر الخطاب السياسي لأحزاب المعارضة غير متوافق ولا مطابق ولا حتى مشابها لما هي عليه من تأثير في الميدان، حيث فشلت في استقطاب "الجماهير" وبعكس ذلك يمكن لحزب من أحزاب الموالاة جمع ما تعجز عنه المعارضة مجتمعة في قاعة مغطاة، وهو الأمر الذي جمد فعالية العمل السياسي بداخل أحزاب المعارضة التي ظلت تركز في قصفها للسلطة على التشكيك في مصداقيتها وفي برنامجها وفي إنجازاتها، لكن ذلك التشكيك لم يغير من أمر المعارضة، ولم يحسن من وضعها تجاه الشارع ومقارنة بما يمكن للسلطة أو المولاة إنجازه، وجاءت أجندة السلطة لتزيد من حالة التفكك التي هي عليها أحزاب المعارضة، بعدما بدأت المناورات والحسابات السياسية لكل حزب تتجه نحو الانفراد بالعمل السياسي بعيدا عن كتلة المعارضة التي أصبحت هيئة معارضة دون آليات يمكن أن تتحدى بها السلطة وتضغط عليها، فالشارع وهو الأداة الوحيدة والأكثر فعالية في التأثير وفي الضغط على السلطة ليس بجنب المعارضة، وهي حقيقة يعرفها قادة أحزاب المعارضة في الجزائر، حيث المواطن يرى فيهم نتاج عملية استنساخ لما هي عليه سلبيات ما تطرحه المعارضة نفسها ضد السلطة، الأمر الذي أدى إلى إضعاف العمل السياسي وهيمنة خطاب الموالاة أمام آلة إعلامية فتاكة، لم تتمكن المعارضة من كسر طوقها داخليا وخارجيا.مستقبل تنسيقية الانتقال الديمقراطي يبدو صعبا على ضوء حالة التسلل التي باشرها حزب جيلالي سفيان، والوضع الداخلي لحركة النهضة، والتباعد بل والتناقض في الأطروحات بين حمس والأرسيدي، كلها عوامل أو وقائع لا يمكن القفز عليها، وقد تؤدي إلى وضع نهاية لتجربة التنسيقية التي حاولت أن تكون منبرا سياسيا أو قطبا للمعارضة، إلا أنه وبمجرد اقتراب الاستحقاقات الانتخابية بدأ يظهر على ملامحها التفكك الذي كانت تتوخى تجنبه منذ بداية ظهورها، كما أن مناورات قد تستهدف أعضاءها ويمكن أن تؤدي إلى تخليهم عن قطب التنسيقية مقابل امتيازات سياسية تمنحها دورا خلال المرحلة القادمة.