لا تزال المعارضة الجزائرية تائهة بين حسابات الانتفاع ومبررات الامتناع والخوف من المغامرة، في حين بدأت الموالاة تطبق مشروعا واضحا قائما على تزكية عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رابعة، وتوظيف كل إمكانياتها لإنجاح هذا المسعى، مما يطرح أكثر من تساؤل حول مصير مشروع المعارضة الرافض لفكرة العهدة الرابعة والمطالب بتنظيم انتخابات حرة ونزيهة. لا يختلف إثنان على أن المعارضة الجزائرية تعاني من ضعف شديد باعتراف أصحابها، مما يجعلها عاجزة، ولو حاولنا التعمق في أسباب هذه الوضعية لوجدنا أنها تعود لعدة أسباب موضوعية، فهذه المعارضة في معظمها أفرغت خطابها السياسي من كل ما يمكن أن يقلق السلطة، كما أنها تخلت عن البعد النضالي الجماهيري من خلال تفضيل أسلوب نضال الصالونات بدلا من النزول إلى القاعدة والتواجد في كل مكان عبر ربوع الوطن. صحيح أن حالة الطوارئ سابقا، واستمرارها خاصة في العاصمة قلص من هامش التحرك، ولكن متى كانت الأحزاب المعارضة تنتظر أن تساعدها السلطة لتحقيق أهدافها؟ ومتى كانت ممارسة المعارضة عملية صالونات؟ إن المعارضة الحقيقية لا تنتظر التسهيلات من السلطة، فهي تسعى لأخذ كل فرصة للتعبير عن رأيها ونقد ممارسات السلطة، كما تفعل كل الأحزاب في العالم. ومن خلال الاستماتة في التواجد والنضال الصادق تستطيع الأحزاب افتكاك الاعتراف بها والحصول على ثقة الشعب، ولكن أن تكتفي بممارسة معارضة خجولة وترفض أن تغامر بذلك الجزء اليسير من المكاسب التي حققتها بفضل قبولها القيام بدور كومبارس سياسي في ديكور ديمقراطي، فذاك يضعها في المرتبة التي هي عليها اليوم، أي زخضرة فوق عشاءس كما يقول المثل الجزائري. هناك خاصية حزبية تميز المعارضة الجزائرية اليوم، وهي دليل أكيد على أنها تجهل أو تتجاهل تماما المبادئ الأساسية للديمقراطية، هذه الخاصية تتمثل في كون المعارضة تتنافس على كسب ود السلطة، خاصة رئيس الجمهورية، بدلا من أن تتسابق من أجل كسب ثقة المواطن، الذي من المفروض أنه هو من يمنحها شهادة الحياة والاستمرارية والفوز من خلال تزكيته لها، سواء أثناء الانتخابات أو أثناء الممارسة اليومية لدورها. هذه العلاقة بين السلطة والمعارضة انعكست بشكل واضح على الوضع السياسي الذي يتميز بعدم مواكبة مستوى التطور السياسي لرجل الشارع الجزائري، الذي بات يقبل على كل ما يشهده العالم من تطورات سياسية واجتماعية واقتصادية. لكن هل هذا الوضع أمر حتمي ومقدر لا يمكن تجاوزه. وما هي الطرق الكفيلة ببعث معارضة بناءة وإيجابية. هناك العديد من الوسائل التي يمكن أن تحدث التغيير نحو الأفضل، لأن وجود معارضة قوية سيؤدي حتما إلى وجود نظام قوي، ولعل أهم وسيلة هي تجند عنصر الشباب في حركات سياسية وإعلامية لإيجاد قوة ضاغطة حتى لو بقيت على مستوى العالم الافتراضي، لأن هذا المخزون الشبابي الموحد يمكن توظيفه في عملية التقويم الوطني. المفارقة العجيبة هي أن هناك العديد من الظروف التي كان يمكن للمعارضة أن تستغلها في توسيع قواعدها وتعبئة الرأي العام، ولكنها لم تفعل ذلك، مما يدعو لطرح ألف سؤال وسؤال. لقد شهدت الجزائر ولا تزال تشهد حركات احتجاجية في عمومها ذات طابع اجتماعي مطلبي، ولقد لاحظنا مؤخرا موجة الاحتجاجات التي قوبل بها الوزير الأول عبد المالك سلال خلال زياراته لعديد الولايات، ولكن مع ذلك لم تقم أحزاب المعارضة بدورها في محاولة اقتناص هكذا فرصة لاستمالة الرأي العام. المبرر الوحيد لهذا الموقف هو إدراك أحزاب المعارضة بأنها لا تملك أية مصداقية، لأنها مقصرة في أداء واجبها إزاء المواطن، مثلها مثل السلطة التي يمكن أن يقال عنها أيضا بأنها هي أيضا لا تتذكر المواطنين إلا خلال الاستعداد للاستحقاقات الانتخابية، خاصة الهامة منها مثلما هو الحال الآن من خلال الاستعدادات للرئاسيات. لو حاولنا تحليل الطريقة التي تتعامل بها المعارضة حاليا إزاء موضوع الرئاسيات لوقفنا على صدق الانتقادات التي رددت ضدها، والتي لا يكاد يختلف إثنان عليها من شدة الوضوح. طبعا الكلام هنا لا ينطبق على أحزاب الموالاة، مثل الأفلان الذي يملك رؤية واضحة وهو يطبق خارطة الطريق التي حددها لإنجاح العهدة الرابعة، الكلام هنا على أحزاب المعارضة، سواء تلك التي تنضوي تحت شعار التيار الاسلامي أو تلك التي تصف نفسها بالديمقراطية والعصرنة أو تلك التي تقف بين هؤلاء وأولئك. لقد لاحظنا ارتباكا واضحا لدى هؤلاء لمجرد ظهور الفريق المطالب بالعهدة الرابعة، حيث اقتنعت أحزاب المعارضة بأن اللعبة مغلقة وبأن بوتفليقة فائز لا محالة، هذا في حد ذاته تخاذل سياسي وتقاعس عن مبدأ النضال، فحتى لو فرضنا بأن اللعبة مغلقة لصالح بوتفليقة، فمن واجب المعارضة أن تعمل بكل جد لتجنيد الرأي العام في اتجاه رؤيتها، ولكن الاستسلام بهذا الشكل والترقب الخامل لا يمكن أن يكون من سمات المعارضة أو النضال السياسي. لحد الآن فشلت أحزاب المعارضة في الاتفاق حول ما يسمى بالمرشح التوافقي، فبعد الحديث عن بعض المبادرات التي تمت بين بعض الأحزاب كتلك التي جمعت حمس والأرسيدي في سابقة تاريخية، بقيت محاولات لم التيار الاسلامي مجرد صرخة في واد بعد أن رفضها حزب جاب الله. يكاد يجمع الملاحظون على أن المعارضة بشكلها الحالي عاجزة عن الاتفاق حول مرشح توافقي، وذلك لكون الاختلافات بين أقطاب المعارضة لا تقوم على أساس البرامج والاستراتيجيات بقدر ما هي قائمة على حرب زعامات. الآن يتحدد المشهد السياسي قبيل أشهر قليلة من الرئاسيات من خلال وجود معارضة ضعيفة مقسمة لا تملك برامج واضحة ولا تجتهد في التواجد على الساحة الجماهيرية، وهناك سلطة تملك القدرة على التحرك في كل الاتجاهات، مدعومة بأكبر الأحزاب الوطنية التي اختارت الاستمرارية الأكيدة على التغيير مجهول العواقب.