ليس التهميش وحده ُ من يقفُ بمسيرة الفنان الجزائري، بل حتى الإشاعات المُغرضة ضده، والتي من شأنها أن تفتح عليه الكثير من الأبواب، وهناك من تغلقها نهائيا . لم يتعرض أي فنان جزائري بحياته لإشاعات الوفاة مثلما تعرّض لها القدير " أعمر الزاهي " على مدار السنوات الأخيرة، أي منذ اختفائه الإرادي عن الساحة الفنية، حيث يعود آخر ظهو ر له إلى نهاية سنة 1990، عندما حضر حفل تكريم الحاج محمد العنقة ، اقتصر ظهو ره على إحياء بعض الأعراس، أوالسهرات العائلية، فرفضه القاطع للتعامل مع الإعلام، إلى جانب امتناعه عن الظهو ر بالقنوات، هي قناعة راسخة بذهن الفنان الذي قدم الكثير للأغنية الشعبية العريقة، مقابل "اللامُقابل" الذي ورغم كل شيء لم يعرقل مسيرته الفنية، ولا حب جمهو ره الكبير ومتابعته له ولكل جديده الغنائي، إضافة إلى موقفه المبدئي الرافض لجميع الدعوات الموجهة له للمشاركة في المهرجانات والتظاهرات الفنية، ما يزال "الزاهي" متمسكا بقيم عزة النفس، فقد رُوي عن إعانة قدمت له من قبل وزارة الثقافة لأنه كان بأمس الحاجة إليها، إلا أنه رفضها بشكل نهائي مبديا امتعاضه بشأنها، بل وتخاصم مع الفنان ڤروابي، على رغم من أنه لا يمتلك أي مدخول آخر عدا حفلات الأعراس التي يقيمها بين الفينة والأخرى. ورغم مسيرته الفنية الحافلة لأزيد من أربعة عقود، لم يسجّل "عمر الزاهي" سوى سبع أغنيات: ثلاث أغنيات في الإذاعة الوطنية، وأربع أغنيات في التلفزيون الجزائري. الجدير بالذكر أن الفنان من مواليد 1941 بعين الحمام، ولاية تيزي وزو، إنتقل طفلا يتيم الأبوين، للاستقرار في حي باب الوادي بالجزائر العاصمة، حيث تكفّلت عمته بتربيته، وهناك في الحي الشعبي العريق، أظهر شغفه الشديد بالأغنية الشعبية الأصيلة، من خلال محاولة ترديده أغاني كبار المطربين في الشعبي، ومحاولات العزف على مُختلف الآلات الموسيقية، خاصّة آلة المندولين، باعتبار أنه لم يدرس الموسيقى، ولم يتلق أي تكوين فيها، بعدها شرع في الغناء، مع بداية الستينيات، متأثرًا بعميد الأغنية الشعبية بوجمعة العنقيس، كان يقلده في البداية، وسرعان ما التحق بفرقته، ليشارك معه عازفا، خلال إحياء العديد من الحفلات والأعراس. كما تأثر صاحب أغنية "أنا الكاوي" بمؤسسي الفنّ الشعبي الأوائل، كإبن سهلة، العنقة، الشيخ الباجي، من خلال ترديده المتفرّد للأغاني الشعبية الأصيلة، وتعدُ السبعينيات فترة ازدهاره الفني، من خلال تعاونه خاصة، مع الفنان المرحوم محبوباتي، وهو ملحن وكاتب كلمات العديد من الأغاني الشعبية الناجحة، وانتقل بعدها لتسجيل مجموعة من الأغاني الشهيرة بصوته من بينها يا ضيف الله، الجافي، يا قاضي ناس الغرام، يالغافل توب، الحراز، يوم الخميس، أنايا براني غريب، اسمع نوصيك يا انسان.