عادة ما يقولون إن كل مايأتي من الغرب يكوي القلب··· فإن كان ريحا، فهو يلسع الجلد، وإن كان عبدا فهو كلب ابن كلب! الريح هذه المرة جاءت من الشرق وليس من الغرب··· ولايعرف إن كان سيلسع الجلد، وسيأتي معه الكلب، أو على الأقل تنتقل العادة الكلبيّة في النبح كلما نبح أحد ولم يبح··· فما هو الحل افعل مثل جارك وحول باب دارك أو تعلم منه كي لاتشتعل نارك!! برد وحرّ··· نار هذا الشتاء غير القارس على أية حال جاءت هذه المرة من تونس الخضراء··· وهي نار غير متوقعة تماما ولم تخطر على بال أحد على الأقل من قبل دول الجوار··· والجيران إلا لمن لايعرف طبيعة التونسي ولايعرف كيف أن ''بوليسي'' واحد يمكن أن يصنع دولة بعد أن تكونت في مخه فكرة داخلية مفادها أن في رأسه هو دويلة! أي دولة مصغرة، ومن حقه بناء على ذلك التصرف وفق هذه العقلية باسم القانون والمواطن غير المطحون لخدمة المغبون وكلبون! وعلى أية حال النموذج هذا شكل منارة يمكن الاهتداء بها في فرض السلم والأمن، فلا لسان ينطق ولايد تتحرك إلا بإيعاز ولا مبشر بأن ''الشاف'' العجوز ومن معه من الفئة المستفيدة من حقه أن يترشح للحكم حتى يرحل إلى الدار الآخرة· ومن يدريك لعل قطيع الأغنام الذي يرأسه يرحل قبله ويبقى هو كمسمار جحا! أما منطقيا وفي علاقة جدلية مع الطبيعة، لأبد أن الطقس البارد نسبيا يقابله جوّ ساخن اجتماعيا، ولهذا حدثت ثورة الخبز في تونس مثلا في الثمانيات في جانفي، وهاهي ثورة الحرية التي لها ثمن تقوم في نفس الساعة، وحتى قبس من الاحتجاجات الشبيهة بما يحدث في تونس تقع هذه الأيام في الجزائرالبيضاء مع فارق كبير في التنظيم والتأطير وحتى الهدف، والفئات المشاركة وبالطبع شتان مابين ثورة ''ذر'' وثورة بشر بالكامل تقريبا· لكن هذه الحالة لم تحدث في مصر رغم أنها أمّ الدنيا، لأن الطقس هناك على الدّوام وطول العام حار نسبيا، والعريان مثلا يبيت فوق السطح، وهو ينشد شعر إيليا أبو ماضي (لمن مازال يعرفه) حول الشاكي (من الحياة وملذاتها التي أفسدتها الأنظمة الفاسدة) وكل ماهناك في غير تونس حتى الآن مجرد ''زخات'' ؟؟؟ ''وهدات'' بشرية فاتحة على العفوية والارتجالية والعاطفية، لدرجة أنه يمكن تصور أن الجماعة الهائجة يمكنها أن تنقلب على نفسها من النقيض إلى النقيض بمجرد كلمة واحدة قبل أن تخلد مرة أخرى للنوم وتصاب بآفة النسيان، لأن الذاكرة قصيرة والعين غير بصيرة والذراع قصيرة! دودة الفولة!! عودة الآن إلى الكلب (العبد) الذي يأتي من الغرب ويكوي القلب والآن من الشرق وهذا أكثر خطرا، لأن دودة الفولة من جنبها، هذا الكلب أقول في مشكلة دائمة مع القط، وهذا الأخير تعود على النط فوق الجدران والسطوح ولهذا فإن فرص نجاته قائمة بنسبة عالية، وهو أيضا في مشكلة مع الذيب على الأقل في الأرياف والمداشر والقرى النائية، فهذه كانت ومازالت السباقة في تحريك ريح التغيير، ولو على شاكلة استبدال الشيخ سعدان زغيم الخضر (والزرق) بابنه الشيخ المنسوب إلى أمه شيخة! أما المعركة مع الذيب، وعكس القط فصعبة وطويلة وشاقة وتحتاج لجرأة وحكمة، ولايدرك ذلك إلا من يعرف الذيب حق المعرفة وهو يحكم بألف أحكام ملتوية ومتشعبة تحول العاقل بجنون وتنقلب القيم كما يقلب بعضنا كانون الفحم وهم لايشعرون! وهذا الحيوان الماكر، كما يرى مكره في عينيه، له على الأقل ثلاث روايات أو نوادر تضرب بها الأمثال، ولابد من طرح السؤال كيف يخرج وهو دائما في أحسن الأحوال! الحكاية الأولى أن الذيب يتسوق (سابقا) حين كان ينادى عليه الأخ الرئيس والأخ الوزير، وليس الفخامة والمعالي، فقد يشاهده البعض يمشي في الأسواق مع الماشين مشية زرهوني (الوزير الأول والثاني) وهو مرفوع الراس تطبيقا لشعار ارفع راسك يا أباه! وتصوروا معي أنه كان يتسوق لأنه يعتقد أنه في مأمن ولا أحد يمكنه أن يضره (أو ينفعه) أو يؤذيه أو حتى يسأله عما فعلت وعما لم تفعله ولماذا فالسياسة واضحة، والبلاد منذ أن دخلت ''الأوتورت'' وهي سائرة في إطار الإصلاحات والإسلاخات، إلى أن يظهر العظم من اللحم ولايبقى إلا 12 قطا كما عددهم أحدهم ينهشوننا نهشا· الحكاية الثانية حول الذيب عرفت تطورت نوعية باتجاه التشكيك في نزاهته وكفاءته، وخاصة في المحيطين معه فهؤلاء إما يغالطونه فتذهب حساباته في مهب الريح، وإما أنهم يتصرفون وفق ما يحب الذيب نفسه ووفق هواه، فالذيب في هذه المرة طلع عليه النهار ولم يلتحق بعد بالمغارة قرب الدوار·· وهذا معناه أنه عاد مكشوفا كوجه الخروف الذي يرصده ويطمع في أكله حيا أو ميتا أو وهو يخرج الروح!! وكم هي وثائق ويلكيلكس التي عرّت الحكام العرب هذه الأيام بالصورة والصوت وحتى بأرقام الأرصدة الموجودة في الخارج والغنائم المحصل عليها باسم الخصخصة والاحتكار· الحكاية الثالثة خلاصتها كيف تتعامل مع الذيب ليصلح نفسه ويتوب وربما يعود لعادته الأولى وإن كان الماضي لاينسى وقد لايغتفر إن هو كفر فيه بالنعمة وظن أنه لايقهر أمام قطعان الأغنام، بعد أن تتحد وتتوحد طلبا للحياة والكرامة بعيدا عن عصا البوليسي الذي كون دولة في مخه! أخرج يامجنون؟! بعض الأجوبة يمكن أن نرصدها في الأحداث الأخيرة التي تجرى وقائعها في تونس مع الضغط الجماهيري المتزايد على رموز السلطة لكي ترحل أو تستجيب على طريقة الذيب المحاصر بين الكلاب! وهذا ماحرك الآخرين من نفس الطينة لكي تتقي شر مايحدث في عمل استباقي لم يكن متوقعا قبل هذه الأيام، لأن الحكومة المغاربية خاوية الوفاض، ويطاردها نحس الأزمات الاقتصادية العالمية والفقر والإرهاب، وتبحث في كل مرة عن مخرج وصواب فلاترى غير السراب! والمهم الآن في لغة السياسة بعد أن اعترف رمزهم المغاربي بأنهم ''غلطوه'' وفهم الرسالة أن الباقين سبقوه في فهمها! ولهذا جاء إجراء ثوري طلابي في إطار تشغيل الشباب يقضي بأن يحصل كل طالب جامعي بطال على نصيبه من الثروة الوطنية وهي مقدرة شهريا ب 2500 دج تكفل له العيش الكريم في ميدان القهوة وفارو وشمة تزيل عنه الغمة وتطرد عنه أشباح الانتحار (العفوي)! وغير بعيد عن الدار التي تحترق بانتظام وفوضى خلاقة، أطل زعيم على قومه غير المسكين بفرمان دعا فيه الى تخفيض الأسعار ''كل يا زوالي'' ولاتبالي وطز في أمريكا ومن يدري لعل تلك الأنظمة التي تتغذى من قيم الذئاب تخرج علينا بخرجة آخرى مفادها أن حالة الطوارئ لم يعد لها جدوى، وأن الأحزاب المفبركة والنائمة مطالبة بأن تنهض، وأن تشحذ الأقلام لكي تقول ما لايقال من دون سؤال··· فالموعد الآن للتنفيس عن الكرب وبعد تضيق طويل بطول الليل في الشتاء والذي حرك الفقراء والمحرومين ونبه الغافلين بأن الساعة آتية لاريب فيها إن ظل الذيب لايذهب للسوق كعادته فيطلع عليه الصبح ويلاقى بالعض والنبح··· أخرج منها أيها الملعون كما كتب أحدهم وهو غير مجنون!!