نتحدث كثيرا منذ سنوات عن انسحاب الجزائريين من السياسة، من خلال العزوف الانتخابي و عدم الانخراط في الأحزاب ، ويرجع كثيرون هذا للرداءة التي أصبحت تسيطر على المشهد وللمستوى الهزيل للمسؤوليين أو القيادات السياسية. لكن كيف نفسر الاهتمام الشعبي بكل حركة ولاة يقدم عليها رئيس الجمهورية ، والنقاشات الكبيرة بين سكان الولاية في مواقع التواصل الاجتماعي حول أداء الوالي بين مدافع ومهاجم ، أليس هذا من صميم العمل السياسي ويدحض كل الاتهامات أن الشعب سلبي ومنسحب ، لماذا لا يهتم الناس بالانتخابات التشريعية والمحلية وبأداء النواب والمنتخبين وبالانخراط في الأحزاب ، بينما ، نجد العكس في حركات الولاة او الانتخابات الرئاسية ،كل هذا يظهر أن الجزائري ذكي سياسيا ويستطيع أن يميز بين الاستحقاقات المهمة التي تؤثر في حياته وبين المواعيد السياسية التي لا معنى لها ، ولا تقدم أو تؤخر شيئا في تفاصيل حياته اليومية . كان المشهد في ولاية ميلة معبرا بخروج الناس رافضة لقرار نقل الوالي إلى بومرداس ، وهو أمر نادر في الجزائر ،لأن المسوؤل عادة هو موضع اتهام وانتقاد من السكان بفعل الفشل في التسيير والفساد ، والمحسوبية ، الآن نرى العكس في ولاية على الأقل ، فلماذا إذا نحرم الناس من انتخاب من يرتضونه لأنفسهم ، لماذا نفرض عليهم والي معين يعمل من أجل إرضاء مسؤوله، بينما يكون في منأى عن غضب الناس إذا أخطأ وفشل فيعزلونه بالانتخاب ،أو عن مكافئته بتجديد الثقة فيه إذا أصاب ونجح. أغلب المشاكل التي تواجه الناس نابعة من البلدية والولاية ، وهنا يغيب الصراع الايدولوجي والاصطفاف السياسي بشكل كبير ، ويكون التحدي هو الإنماء وخدمة الناس ، وهي فرصة للممارسة الديمقراطية حتى يتحمل المواطن مسؤولية اختياره ، ومن خلال ولايات ديمقراطية وشفافة تسود فيها العدالة وتنعم بالازدهار والتطور ، نحصل في الأخير على جزائر ديمقراطية ومزدهرة ، وعلى مواطن واعي سياسيا يستطيع أن يميز بين المسؤول الذي قدم له خدمات إنمائية ومسؤول زاده الكذب والوعود الزائفة . قد يكون مبرر السلطات العليا في احتكار صلاحية تعيين الولاة ، أن افساح المجال لانتخابهم قد يفرز ولاة يهددون الوحدة الوطنية أو الآمن القومي بحكم الصلاحيات الأمنية للوالي ، أو حتى يعطلون مشاريع الدولة وخططها في الولاية لاعتبارات سياسية وايديولوجية ، قد يكون هذا الكلام صحيحا بدرجة كبيرة، لكن بهذا المنطق لن ندخل أبدا عهد الديمقراطية الحقيقية التي تتجسد في القاعدة وسيبقى الإحباط يسيطر على الناس ، ونحكم على أغلب الولايات بالفشل الإداري والرداءة التي تعيشها الآن فقط خشية وقوع مشاكل في ولايتين أو ثلاث ،فيما يمكن أن نضع قواعد قانونية تقي من هذه الأخطار كصلاحية عزل الوالي المنتخب من قبل رئيس الجمهورية إذا كان يهدد الأمن العام والمصالح العليا للدولة .
للتواصل مع الكاتب من خلال صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك": https://www.facebook.com/anes87 أو من خلال البريد الإلكتروني: [email protected]