خلال سنوات 2000-2013م، عرفت المدن الرئيسية لولاية غرداية عدة حركات احتجاجية مواطنية بعضها شعبي موطني حقا، وبعضها الآخر شعبوي ديماغوجي سياسوي، بعضها يعبر عن مطالب حقيقية واضحة، وبعضها مجرد تلاعب ومساومات، حتى أن جهات مافوية محلية أو حزبية وسلطوية سياسية مركزية معينة، اتخذت بعضها تبرئات، للتغطية على ملفات الفساد السياسي في إدارة الشأن العام وسوء التسيير والتلاعب بالمال العام، في غياب آليات رقابية مؤسسية منتخبة وقضائية وإعلامية ديمقراطية حقة، منصفة وفعالة. فمثلا خلال الأسبوع الأول من أفريل الأخير، تظاهر مواطنون من بلدية بنورة، للمطالبة بمطالب اجتماعية مشروعة، إحقاقا لحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والمعروفة، كسائر مواطني الولايات والمدن الجزائرية الأخرى، وهي مطالب آدمية عادية أولية كالمطالبة ب: الشغل، السكن، الصحة، النظافة، التلوث البيئي، التموين، الكهرباء، الماء الشروب، التهيئة العمرانية، قضايا حوادث وفوضى زحمة المرور الحضري... الخ وكانوا قد لجأوا - للفت أنظار المسؤولين- للأسف، إلى تعطيل حركة السير عند الطريق الوطني رقم واحد -الذي يتوقع أن يحول مساره قريبا عن وسط سهل مزاب- وذلك عند مدخل بلدية ومدينة بنورة، وهي طريقة تعبير تم اللجوء إليها بشكل متزايد خلال العقد الأخير عبر الوطن، كإشارة ملفتة إلى أن صوت المواطنين بات لا يصل بشكل فعال، إلى المسؤولين التنفيذيين القابعين وراء مكاتبهم. وعلى إثر هذه الاحتجاجات، التي لم ولن تكن الأخيرة، انقدحت في ذهني مجموعة من التساؤلات بين يدي بحثي عن أسباب لجوء المواطنين في ميزاب تحديدا لهذا الأسلوب الجديد في التعامل مع السلطات العمومية، متسائلا: لماذا ينزل مواطنو مدن ولاية غرداية - وتحديدا مواطنو قصور سهل ميزاب- إلى الشارع للتعبير عن تطلعاتهم وحقوقهم المواطنية التنموية المشروعة، منذ على الأقل عقد من الزمن، وذلك بشكل متكرر غير مسبوق - فيما أعلم- على خلاف ما عرف عن السلوك العام لسكان سهل ميزاب خلال العقود الخمسة الأولى من الاستقلال؟ ألا يدل ذلك على أن الولاة ومدراؤهم التنفيذيون المعينون مركزيا، يعيشون في كوكب الزهرة، بينما يعيش "الشارع المحلي" أو "المواطن المحلي" في كوكب المريخ، لا صلة بينهم؟ ؛ ثم أليس معظم مواطني سهل ميزاب، سليلو مجتمع معروف عنه بأنه مجتمع مهيكل مؤسسيا بطريقة فريدة من نوعها في بلاد الجزائر كلها؛ ومنه يتوقع أن تمر مطالباتهم الآدمية والمواطنية المشروعة بتيرمومتر ومرصد المؤسسات الإدارية والمنتخبة والمدنية والخدمية العمومية، لتجد طريقها العادي السلس نحو بلورة استراتيجيات حل جذرية ونهوض مؤكد؟ ولكن حتى وإن لم يكن أولئك المواطنون وغيرهم -كما في سالف العهود- شبه مستقلين في إدارة شؤونهم؛ أليسوا جزءا من مواطني الجمهورية الجزائرية؛ ومنه، من المفروض أنهم اليوم مهيكلون ضمن الأطر العمومية الإدارية والمنتخبة والمدنية للعمل المواطني السلمي المنظم الرشيد؛ ومن ثمة لا داعي لأن يلجأوا إلى أسلوب التظاهر والتجمهر وقطع الطريق العام، وربما الاشتباك مع القوة العمومية للمطالبة بالحقوق المشروعة؟؛ ثم أين المسؤولون المحليون من اتخاذ أسلوب الإصغاء والتحرك المخطط الفعال والمستدام للقضاء على أسباب ودواعي تلك الأساليب الاستثنائية في المطالبة والتغيير؟ أين رؤساء الجمعيات ومجالس الأعيان ومكاتب الأحزاب محليا، من تأطير حركة المواطنين تأطيرا فعالا مخلصا غير انتهازي ومنه إنفاذ مطالبهم وحل مشكلاتهم بحق؟ أين المجالس المنتخبة الجديدة التي جددت عهدتها منذ حوالي أربعة أشهر فقط؟ هل العمل الإداري والممارسة الديمقراطية والإعلامية محليا ووطنيا من العقم، بحيث لا تجد مطالب المواطنين العادية تلبية لها، برغم البحبوحة المالية الراهنة؟؛ أين مديريات التخطيط الولائية من وضع استراتيجية متكاملة متقاسمة للتنمية المحلية المستدامة؟؛ أين العمل المتناسق بين المديريات المختلفة لبلورة خطة استراتيجية تنموية محلية متناسقة وشاملة بآليات متابعة ومؤشرات تقييم محددة كما ونوعا وزمانا ومكانا وأشخاصا؟ بداية لن أجيب على جميع تلك التساؤلات المؤرقة للضمائر الوطنية الحية، ولكني أقول: إنه لا ميزاب بلا جزائر، بل لا جزائر بلا ميزاب، ولا جنوب بلا جزائر ولا جزائر بلا جنوب، وهو وغيره من مناطق الجزائر ضحية أداء النظام السياسي الجزائري، الذي ظل منذ الاستقلال الوطني يتسم بغلبة تقاليد سلوكية سياسية إدارية غير حضارية، منها: تكرس منطق قانون القوة على حساب قوة القانون، وبتغليب القيمة "الوحدة التنميطية" على حساب قيمة "الوحدة في التعدد" ؛ وبتكريس منطق المحسوبية والعروشية والشخصانية على حساب منطق الكفاءة وتكافؤ الفرص في أسلوب بناء وإدارة المؤسسات العمومية، وغلبة منطق اللهث العام على اقتناص الريع النفطي على حساب منطق العمل المنتج المبدع، وغلبة منطق الممارسات الفوقية الأبوية والغموض على حساب الممارسة الشفافة الديمقراطية، في تسيير الشأن العام. ومنه، غلبة الإدارة البيروقراطية للمشكلات البنيوية التنموي للمجتمع الجزائري، على حساب الإدارة الديمقراطية بأبعادها الثلاثة: النيابية والتوزيعية والتشاركية؛ وغلبة منطق الإدارة الهرمية على الشبكية المرتكزة على الاستخدام الآمن والفعال للتكنولوجيات الجديدة للإعلام والاتصال... ولنضع اليد على الجرح أكثر نؤكد على أن إحدى السمات الغالبة المميزة للقيم المهيمنة على طبيعة النظام السياسي والإداري الجزائري، هي: المركزية المتشددة والممارسة الواحدية غير التعددية وغير الديمقراطية للشأن العام، حيث يتميز الأداء الغالب للنخب الإدارية والسياسية بتغليب الممارسات الفوقية على حساب الممارسات القاعدية، وبشدة تركيز السلطات مركزيا على حساب سلطات الجماعات المحلية، وبأولوية الإدارة المركزية على الإدارة المحلية. إن هذه السمات الغالبة على أداء المنظومة الوطنية، مؤثرة على أداء المنظومة المحلية بهياكلها الحديثة والتقليدية. ومنه، نحاول أن نلخص مشهد الأزمة التنموية المحلية ومنه أزمة الدولة الجزائرية المعاصرة، من خلال متابعتنا لعينة من وقائعها في ولاية غرداية. إن تاريخ الولاية في غرداية (1984-2013م)، أي منذ حوالي ثلاثين سنة، يمثل في الحقيقة، -ويا للأسف- تاريخ دخول منطقة مدن سهل ميزاب حقبة "النظام المعقد" غير الفعال، بدل أن يدخل حقبة "النظام المركب" الفعال، ومنه دخول تاريخ الجهاز الإداري المحلي الفعال، وذلك بسبب تكريس أداء إداري وحكم غير راشد للشؤون المحلية، وهذا بشكل عام، إذ الاستثناءات لا تنقض القاعدة والاتجاه العام. وإن القيام بنظرة تقييمية موضوعية إلى أداء الإدارة العامة الجزائرية ذات الخمسين عقدا، ويا للمفارقة، يخرج بتقييم مرّ، مفاده أن الإدارة الجزائرية -ولا أقول الإداريين الجزائريين النزهاء والأكفاء في عمومهم- ما تزال تعاني من بين ما تعانيه من المركزية الشديدة على المستوى الوطني أو المحلي، فعلى المستوى الوطني المناطق المترامية الأطراف للقطر الأول مساحة في إفريقيا والعالم العربي، تحكم من العاصمة مركز القرار الإداري والسياسي والاقتصادي، بينما على المستويات المحلية تدار الأقاليم الولائية من المركز أي من مقرات الولاية. فعندما ينصب وال جديد على رأس أي ولاية من طرف وزارة الداخلية. ألا ترون أن المواطن العادي يتحدث عن الحدث بقوله: "راهم نصبوا، جابوا والي اجديد" أو "راهم دارونا والي اجديد". وهذا يعني أن آخرين بعيدون عنهم أو مسؤوليهم المركزيين، هم الذين عينوا الوالي الجديد وليس المواطنون محليا. ولكن ماذا كان الأمر لو أن المواطنين أصبحوا يقولون بعد تسلم والي جديد لمهامه على رأس ولاياتنا الثمانية والأربعين: "لقد انتخبنا والينا الجديد" ؛ ألن يصبح الشعور بالمعنية والانتماء والمواطنية والوطنية والتواصل أرسخ، في علاقة المواطنين بواليهم المنتخب؟ واقع الحال، أن الولاة يعينون من قبل وزارة الداخلية، غالبا وفق منطق الولاء والمعريفة والزبونية والولاءات الجهوية والعائلية والحزبية الضيقة، وربما الروابط شبه المافوية، حيث يكتفي بالتقارير الأمنية عن سيرة شخصه، دون أي استشارة برلمانية أو محلية، في حين يمتلكون صلاحيات واسعة إدارية وسياسية وأمنية ومالية، مقابل صلاحيات ممنوحة هزيلة قانونيا وسياسيا وإداريا منحتها القوانين الجديدة للولاية والبلدية، لرؤساء البلديات المنتخبين عموما. ويقتطع من تلك الصلاحيات الهزيلة أصلا، رؤساء الدوائر والمديرون التنفيذيون والأمناء العامون المرتبطون بسلطة الوالي شبه المطلقة. وقد ترسخت التقاليد الإدارية المركزية في الإدارة العامة الجزائرية منذ الاستقلال عن الإدارة الفرنسية المحتلة، بل كرست حالة من المركزية المتزايدة سواء في عهد الاشتراكية والتخطيط المركزي، أو بعده في عهد التحول الرأسمالي والديمقراطي المتعثر إلى اليوم. وقد عادت المركزية بعد الأزمة الأمنية خلال التسعينيات، وتكرست خلال الحقبة البوتفليقية سنوات 1999-2013م، في ظل نظام الحكم الرئاسي - وإن شئتم حكم الفرد- المهيمن على سائر المؤسسات، حيث أصبحت مؤسسة الولاية وعلى رأسها الوالي ومؤسسة الدائرة وعلى رأسها رئيس الدائرة، تتحكم في القرار المحلي بشكل لا يتماشى مع التعليمات الشكلية الموقوتة المنادية بالمزيد من الدمقرطة في إدارة الشأن العام. وللتذكير، فقد شددت وزارة الداخلية بعد أحداث السكر والزيت بداية سنة 2011م، على الولاة بأن يتجهوا أكثر نحو ممارسة سياسة فتح الأبواب على المواطنين، ولكن اليوم بعد أزيد من عامين لا شيء تغير، من سمات أداء النظام السياسي الجزائري. ومنه، لا يتوقع تغيير العلاقة إلا بالقطع مع المنطق المركزي والمكتبي في أداء الولاة والمدراء التنفيذيين ورؤساء الدوائر لمسؤولياتهم؛ حيث ما يثير الشارع المحلي أن معظم الولاة معزولون عن القواعد المواطنية الشعبية، لا يغشون ميادين الناس وإنما يكتفون بإدارة الملفات الورقية والاتصال بمن يسمون ممثلي الناس ومنتخبيهم وأعيانهم على أهمية تلك الأعمال في الاتصال الإداري والسياسي، إن منطق إدارة التنمية المحلية من المكاتب هي سبب لجوء المواطن إلى الشارع؛ فضلا عن ضعف وهزال الأداء الديمقراطي للهيئات المنتخبة وضعف إمكانياتها، إن على القائمين على الإدارة المحلية، أن ينزلوا إلى المجتمعات المحلية خداما أمناء لها. إذا، تأكد بما لا يدع مجالا للشك، بعد النظر العميق في الأسباب الهيكلية وراء هذا الأداء الإداري المحلي المتخلف عبر الوطن كله، وبعد الاطلاع المقارن على أداء النظم الإدارية في البلدان المختلفة، أن السبب في الوضع التسييري والإداري المحلي هو شدة المركزية التي تميز أسلوب عمل الجهاز الإداري الوطني، ودعك من القوانين والخطابات المهللة بالتوجه نحو اللامركزية خاصة بعد إصلاحات 2011-2012م لقانوني البلدية والولاية. ومنه، فإننا مع بداية، عمل "لجنة الخبراء" لاقتراح تعديلات دستورية، أشكك في إمكانية تلبية مطالب تغييرية جذرية يطالب بها جل المواطنين. إذ الأمر لا يحتاج لجنة تقنية، ولكن يحتاج بإلحاح فتح نقاش سياسي دستوري وطني مفتوح على المستويات البرلمانية والمجالس المنتخبة والهيئات الحزبية والأعيانية والجمعوية والإعلامية والجامعية للخروج بزبدة أفكار جريئة صريحة عقلانية ترسم خريطة مستقبل جزائري أكثر ديمقراطية، ومن تلك التغييرات المنشودة في تنظيم مؤسسات الدولة الجزائرية: 1)- أن يصبح منصب الوالي منصبا منتخبا لا معينا فوقيا؛ وذلك أن أحد أركان الديمقراطية المحلية المنشودة جزائريا هو اعتماد أسلوب انتخاب الولاة والإبقاء على منصب الأمين العام للولاية المعين مركزيا بصلاحيات إدارية تسييرية بحثة ؛ مع منح الوالي المنتخب والجهاز التنفيذي صفة "الحكومة المحلية" بصلاحيات تشريعية وتنفيذية وإدارية واسعة في مجالات التدخل التنموي؛ 2)- إلغاء مؤسسة "الدائرة" من الهرم الإداري الجزائري وإلحاق إمكاناتها المقراتية والمادية والبشرية والمالية والتقنية إلى البلديات الفقيرة إلى الموارد الحيوية لتحسين أدائها العام؛ أو تحول ممتلكاتها وطاقاتها البشرية إلى مؤسستين جهويتين جديدتين هما: "المحافظة" الإدارية و«مجلس الشورى" (كما سنين ذلك في النقطة الرابعة)؛ 3)- تمكين البلديات من صلاحيات تشريعية وتسييرية وتنموية أكبر، بحيث تتحول إلى كيانات إدارية سياسية تنموية، قابلة للاستدامة والنماء وقيادة قاطرة التنمية المحلية، تشريعا وتنفيذا ومداولة ومراقبة، بعيدا عن وصاية الوالي والوزير الإداري المعين، حيث أن ما يضع تحت الوصاية دائما هو العبد والقاصر، في حين أن المنتخب المفروض أنه أولى بالسيادة والاستقلالية والحرية؛ 4)- الإفراج عن حركة ترقية مجموعة من الدوائر إلى ولايات جديدة. وبالموازاة مع ذلك يقترح العمل على ربط الولايات المتجاورة جغرافيا والمتشابهة في الإمكانيات والحاجات التنموية بإدارات جهوية جديدة تسمى مثلا "المحافظة" الجهوية، يمكن أن تصل إلى عشر محافظات جهوية عبر القطر الجزائري كله، تتولى تنسيق خطة عمل الولايات والبلديات في التنمية المحلية برؤية تنموية جهوية ووطنية متكاملة غير ممركزة؛ على أن تدعم المؤسسة الإدارية التنموية الجديدة "مجالس شورى" جهوية، يبلغ عددها عدد "المحافظات"، والتي يتوقع أن لا تزيد عن "عشر محافظات - مجالس شورى جهوية"، ينتخب أعضاؤها من بين منتخبي المجالس الولائية والبلدية المعنية لكل محافظة، ومنه يتم إلغاء مؤسسة مجلس الأمة المكلفة ماليا وغير المجدية سياسيا وتشريعيا. وسيكون على تلك المجالس البرلمانية الجهوية، أن تتولى وظائف التشريع والمراقب والمساءلة وترسيخ آليات الحكم الراشد المحلي جهويا؛ وبذلك تعمق ممارسة الديمقراطية النيابية (البرلمانية) المركزية، بممارسة برلمانية محلية بلدية وولائية وجهوية. ومن بين ما سيقع على عاتقها، تثمين الرأسمال الاجتماعي والموروث الثقافي المحلي والقدرات الاقتصادية الاجتماعية خارج المحروقات؛ مع ضرورة التمسك بالمرجعية التشريعية الوطنية للبرلمان الجزائري، بحيث تجمع النصوص التشريعية الجهوية والولائية والبلدية بين ضرورات الوحدة الوطنية ومتطلبات التنوع الخصوصياتي المحلي، ومنه تمكين المجتمعات أو الجماعات المحلية من النماء بثقة وتجذر في الأنا الجزائرية الخلاقة المبدعة في تنوع وتناغم وتكامل واعتراف واحترام متبادلين ؛ 5)- تعزيز صلاحيات الأجهزة الرقابية المتخصصة مالية وقضائية وإعلامية ومواطنية ومنتخبة، بحيث تصبح المؤسسات الإدارية والتشريعية المنتخبة الجهوية والولائية والبلدية، تعمل تحت الرقابة والمساءلة المتعددة الأشكال، ومن خلال تعدد آليات التحكيم، تلافيا لتركز السلطات وتوسع دائرة الفساد الإداري والمالي والسياسي محليا ومركزيا. 6)- القطع النهائي مع سياسة التوظيف غير الفعال، والجارية منذ التسعينيات، فقط لأجل الامتصاص الظاهري للبطالة المزمنة وللترضية الفئوية والسياسوية للأجيال الجديدة من الشباب البطال؛ ومنه التوقف النهائي عن إدخال البؤس إلى الإدارات المحلية لكل القطاعات، من خلال إيقاف العمل بنظام التشغيل عبر آلية الشبكة الاجتماعية وعقود الإدماج... وغيرها من الصيغ غير الإنسانية وغير الكفأة، التي تديم العمل الهش الاستعبادي غير الإنساني، وتجعل الأداء الإداري العمومي يسقط في فخ الرداءة والمؤقتية والتجريب العبثي، الذي تشهد على عدم نجاعته، حالة عدم الاستقرار ونقص الكفاءة وضعف الاحترافية والمهنية المطلوبة في أداء الخدمة العامة على مستوى مصالح الولاية والدائرة والبلدية وغيرها من المؤسسات الخدمية العمومية عامة. 7)- تفعيل الفصل المرن بين السلطات مركزيا ومحليا، والعمل باستقلالية حقيقية للقضاء وتفعيل القضاء الإداري للحسم السريع في الملفات المتعلقة بالخصومات بين المواطنين وبين الإدارات والإدارات. وتمكين القضاء الإداري من مزيد من الكفاءات للمعالجة القياسية زمانيا والكفأة نوعيا للملفات الثقيلة للتعفن الإداري والتسييري والإجرام المختلف الأشكال. 8)- الإسراع بإقامة البنيات التحتية الإلكترونية للإدارة والحكومة والمؤسسات المنتخبة ديمقراطيا. ومنه تطوير الإدارة المحلية لتتحول نحو الشبكية والرقمية، بما يمكن من التقليل التدريجي من نمط الإدارة والديمقراطية الهرمية والدخول في الجيل الإداري والديمقراطي الإلكتروني في ممارسة أنشطة الوظيفة والخدمة العامتين ؛ 9)- توجيه السياسة التنموية الوطنية استراتيجيا وعلى المدى الطويل، نحو تنمية القطاعات غير النفطية بواسطة المداخيل الزائلة للقطاع النفطي، بحيث تنشأ مصادر عديدة للريوع والثروة ومنه تنشأ حالة ديمقراطية متعددة بالفعل عن تعدد المصالح والفئات الاجتماعية المنتجة المتنافسة، لا أن يظل الريع النفطي مصدرا وحيدا للثروة الوطنية ومنه مصدرا لاستتباع واستحمار الشعب الجزائري كله للسلطة السياسية، أيا كان توجهها الإيديولوجي - السياسي؛ ومنه نخلص إلى أنه من منظور أدبيات التنمية السياسية ومتطلباتها، لا يمكن لأحد أن يتوقع أن تصبح التنمية الوطنية الشاملة، وطنية بحق، إلا إذا كانت بداية نهاية محلية المنطلق والغاية والوسيلة ؛ كما أنه لن تكون الديمقراطية الوطنية، وطنية فعلا، إلا إن كانت محلية المنطلق والغاية والوسيلة ؛ وأخيرا لن تكون الديمقراطية شاملة ومتكاملة إلا إن كانت مثلثة الأضلاع(نيابية - توزيعية - تشاركية)، وإلا كانت عرجاء، منقوصة، شكلية، فوقية وغير عملية. * أستاذ - باحث في العلوم السياسية