رمضان واتيكي ل "البلاد": خسرت معركة استرجاع أبنائي لكني لم أخسر حرب الاعتذار المحامون الفرنسيون يرفضون الدفاع عنه والسلطات الجزائرية لا تكترث لقضيته بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية المصادف ل 18 ديسمبر من كل سنة، وقفت "البلاد" على معركة كفاح من أجل لغة الضاد بطلها رجل لم تنهكه السنون على مدار 22 سنة، بقي فيها مصرا على اعتراف الدولة الفرنسية بخطئها بعدما حرمته من حق الأبوة تجاه أبنائه الأربعة، هي حالة حقيقية للدفاع عن العربية على أرض الواقع بعيدا عن الشعارات الرنانة، أغفلتها الحكومة ولم ينتبه إليها المجلس الإسلامي الأعلى وتجاهلها المجلس الأعلى للغة العربية رغم كفاح الرجل وصرخاته عبر وسائل الإعلام المحلية والدولية على مدار 8 سنوات. عمي رمضان واتيكي ابن عم الطفلة الثائرة من أجل تحرير وطنها الجزائر أول شهيدة في مظاهرات 11 ديسمبر "صليحة واتيكي" التي حملها مجموعة من شباب بلكور بالعاصمة على أكتافهم وهي تحمل العلم الوطني ليتفطنوا لاحقا أنها فارقت الحياة لتكتب الطفلة الشهيدة ضمن نضالات الشعب الجزائري - وهي ذكرى نحتفل بها هذه الأيام قبل أسبوع فقط - كما يُعتبر عمي رمضان من مجاهدي الثورة التحريرية إلى جانب شقيقه رفيق درب الشهيد العقيد عميروش قائد الولاية الثالثة، كل هذا المسار التاريخي لم يشفع لرمضان واتيكي لينال وقفة من جانب السلطات الجزائرية في قضية الدفاع عن الإسلام والعربية وحق الأبوة، هي معركة يقول عنها محدثنا "في الوقت الحاضر خسرت المعركة ولم أخسر الحرب والمعركة ستستمر فوق التراب الفرنسي". مجاهد إبان الثورة التحريرية ومجاهد في عز الاستقلال لم يكن يعلم رمضان واتيكي الذي زار "البلاد" بخطوات متثاقلة بعدما تجاوز سن السبعين، أن كفاحه ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم سيتوقف بمجرد استرجاع السيادة الوطنية سنة 1962، ليعود إلى النضال مجددا لكن هذه المرة فوق التراب الفرنسي وضد الدولة الفرنسية التي شعارها الحرية والديمقراطية والمساواة أمام القضاء، في قضية يقول عنها محدثنا إنها لا تقل عن الجهاد من أجل الوطن لكونها جهاد لصالح الأبناء من أجل تمكينهم من اللغة العربية -اللغة الأم- والهوية وحق التعليم على المنهاج الإسلامي ضمن ما تكفله القوانين الدولية والأممية في حق ممارسة الشعائر الدينية وفقا للدين الذي يتبعه الآباء. وبعد 22 سنة من حدوث ما سماه "اختطاف" مبرمج لأبنائه من قبل والدتهم -زوجته- لا يزال عمي رمضان -وهو إطار سابق في وزارة السياحة- يواصل معركته ضد الدولة الفرنسية من أجل استرجاع حقه في الأبوة وهو الحق الذي حرمه منه القضاء الفرنسي، ويؤكد أن حقه لا يسقط بالتقادم رغم بلوغ أبناذه سن الزواج وتجاوز ابنته الصغرى صبرينة سن الوصاية (22 سنة)، فهو يوضح أنه حرم من حق الحنان، فيما حرم أبناؤه من تعلم اللغة العربية في الدرجة الأولى وحقوق أخرى تتعلق أساسا بحق التربية الدينية الإسلامية، موضحا أنه لن يتنازل عن حقوقه، التي حرمته منها السلطات الفرنسية التي انحازت إلى زوجته التي تمتلك جنسية فرنسية. الزيارة العائلية التي تحولت إلى "اختطاف مبرمج"! تعود وقائع حرمان واتيكي من أبنائه الأربعة، إلى سنة 1994، عندما كان المعني رفقة عائلته في زيارة عادية إلى أقارب زوجته، سبقتها عدة زيارات عائلية دورية لفرنسا، عادة ما تكون مرة أو مرتين في السنة، ولم يكن قبلها المعنيُ يتخوف مما حل به إطلاقا أو يتوقعه بحكم أن زوجته متحجبة وملتزمة بدين الإسلام، غير أنه في سنة 1994، أي بعد 20 سنة من الزواج، قامت الزوجة، وبناء على اتصالات كانت تربطها بزوجة أخيها القاطنة في باربينيو، حسب الزوج، بالمطالبة بالانفصال من دون سابق إخطار أو شكوى. بدأت المعاناة من محطة القطار بمدينة ليل، عندما طالبت الزوجة فجأة بالفراق، وقالت "هنا انتهى المكتوب معك؟"، يوضح رمضان "عندها كنا متجهين إلى زيارة خالها وجدتها من أمها الفرنسية في الحدود البلجيكية الفرنسية، وفي لحظة دهشة تركتها وغادرت والأبناء كانوا معها". وفي اليوم الموالي، علم رمضان أنها في منطقة باربينيو عند أبيها، فقام بالاتصال بها، وأخذ الإمام طالبا عودتها والإنفاق عليها مع شرط مواصلة الطفلة السنة الأولى ثانوي في ثانوية حامية في القبة القديمة بالجزائر العاصمة، وعقب رفض عائلة الزوجة الاستماع إلى زوجها، تقرب المعني من القضاء الجزائري، وحاز حكما من محكمة حسين داي يقضي برجوع الأبناء، لكن الزوجة رفضت تطبيق الحكم، كما أن السلطات الفرنسية لم تعط الأهمية للاتفاقية بين البلدين رغم أن الزوجة اعترفت بالهرب. السلطات الفرنسية لا تحترم الاتفاقية بين البلدين بخصوص تنقل الأطفال وأكد رمضان واتيكي، في لقاء معه أن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي لم يحترم الاتفاقية الموقعة بين رئيسي البلدين الشاذلي بن جديد وفرانسوا ميتران في أحقية الأبناء، مشيرا إلى مختلف المراسلات العديدة التي رفعها المعني لساركوزي- وتضمّن محتوى المراسلات ضرورة تطبيق القانون- هذا الأخير الذي أبدى معه تعاطفا رفضه رمضان وقال له في مراسلاته "لا أريد تعاطفا وإنما تطبيق القانون بإنصاف". وللعلم، فإن الاتفاقية تنص على أنه من يسرق الأبناء يعيدهم من حيث أتوا، وحصلت الحادثة، سنة 1994، وراسل المعني وزارة العدالة في القضية مذكراً إياها بالاتفاقية. وقد قدَّم المعني طلباً لدى مجلس القضاء في "دوي" فقيل له "قضيتك ليست لها أهمية"، وأوضح أن زوجته ادَّعت أمام القضاء الفرنسي الغبن في الجزائر والتعرض للضرب والجوع، وأن الإسلام والحجاب فُرضا عليها، موضحا بأن "تلك التصريحات عبارة عن خطة لربح القضية لأنها كانت متحجبة وتصلي، ولكن زوجة أخيها بباربينيو هي من ورّطتها في ذلك، ودفعتها إلى نزع الحجاب، وأكدت لها أنه في حال محاكمتها بالحجاب لن يصدقوها". وما جاء في عديد المراسلات للمسؤولين في هرم السلطة الفرنسية بشأن ابنته صبرينة حينما كانت تحت الوصاية وحق الحضانة "بحكم أن ابنتي رهينة لم تهرب، أنا جلبتها لقضاء عطلة"، وأعطى واتيكي مثالا عن قضية الطفلة صوفي الجزائرية التي استحوذ عليها من ادعى أبوّتها الفرنسي جاك شاربوك، الذي أوهم السلطات الجزائرية بأنه أسلم وتدخل في قضيته الرئيس ساركوزي شخصياً، وأمثلة أخرى كقضية فرنسي متزوج من روسية تم توقيفها في المجر وتم الوقوف معها وسُمح لها برؤية ابنتها خوفا من السلطات الروسية، وقضية إنغريد بيتونكور وهي فرنسية وقفت معها السلطات الفرنسية لنصرتها من الكولومبيين، في حين لا تُبدي السلطات الجزائرية أيّ اكتراث بقضيته. "المعركة تحتاج إلى رجال مخلصين".. وطالب عمي رمضان السلطات الجزائرية بمساعدته على تعيين محام للدفاع عن قضيته، ومن الحقوقيين الجزائريين ويعتبر دعمه للتأسس في حقه "انتصاراً لقضية تهم الجميع وتعتبر انتصار لدين الله"، موضحا "المعركة تحتاج إلى رجال مخلصين ومسلمين يساعدونني لتكليف محام يقف إلى جانبي، وحاليا أنا وحدي وأحتاج إلى السند". وأفاد المتحدث "ليس لدي إمكانات وقد كبر سني غير أن معركتي أعتبرها معركة الجميع ممن لديهم غيرة على الإسلام واللغة العربية، لمواصلة كفاحي ضد الدولة الفرنسية التي لا تريد الاعتراف بخطئها على مدار 22 سنة"، مضيفا أن السلطات الفرنسية تسببت في "جريمة إنسانية"، قائلا "لقد رفضت تصليح ذلك الخطأ الخطير الذي يمس التركيبة الأسرية وأحد أركان الحقوق الإنسانية"، معلنا "المعركة تتواصل مهما كانت التضحيات، لا رجوع ولا صمت عن قضيتي التي أريد أن تصل كافة أرجاء المعمورة قاطبة". وأوضح واتيكي أنه سيواصل معركته على التراب الفرنسي من أجل تحسيس الرأي العام الفرنسي والمجتمع المدني بقضيته، خاصة أن المحامين الفرنسيين رفضوا التأسيس لقضيته بحجة أنها "قضية مسلم مع امرأة فرنسية"، كما أن السلطات الرسمية حرمته من حق استرجاع أبنائه، علما أن زوجته من أم فرنسية وأب جزائري، وتم زواجُه بها بناء على عقد في تيزي وزو سنة 1975. وقال رمضان واتيكي "بقيت طول هده المدة أحرص على العيش مع أبنائي المولودين بالجزائر، وتدريسهم العربية، بحكم أنهم مسلمون ومن حقي تربيتهم على دين الإسلام"، موضحا "أول كلمة في القرآن الكريم خاطب بها الخالق عز وجل سيد الخلق رسول الله هي كلمة اقرأ"، وأضاف "كل جنس يدافع عن لغته، غير أن الفرنسيين حرموا أبنائي الجزائريين منها"، وقال "بعد مرور هذه الفترة أجد نفسي محروما من كل شيء فابتسامة أبنائي ليس لديها ثمن، ولو طبق القانون لم نصل إلى هذا الوضع، لذلك لن أتنازل عن قضيتي دون اعتراف واعتذار. مساندة من الأجانب في غياب المسلمين! المعركة التي يخوضها واتيكي تجري فصولها على أرض الواقع وليست خطابات رنانة ومقالات فقط عبر الصحف، فقد قام المعني باعتصامات في كل من مدن: ليل، باربينييو، مونبولي ودانكارك، وطرح سؤالا "أين المسلمون؟ رغم بقاء أبنائي رهينة لدى الدولة الفرنسية منذ 22 سنة"، مستغربا مساندة المواطنين الفرنسيين له وعدم مساعدة المسلمين لإنصافه. وأفاد واتيكي "لم أطلب المستحيل من السلطات الفرنسية فقط النظر لأبنائي وليس لي لعدم تضييع حقوقهم، كان لديهم دروس خاصة وفق اللغة الأم، وهو ما تكفله حقوق الطفل الدولية المادة 18، كل دولة تحترم حق الأبناء وعدم اختيار المستقبل، ففي سنة 1994 قالوا سنقوم بتحقيق لتمكينهم من العودة لكن السيدة طوماس ساسيي المكلفة بالشؤون الاجتماعية بوزارة العدل الفرنسية قالت حسب التحقيق- الأبناء لا يرجعون إليك بحجة: أنك إسلامي متعصب وتضرب الأبناء- فهذا كله كذب لكنه الأسطوانة المشروخة التي ساعدتهم". وقال المتحدث "أجبتها لماذا وبأي حق لا يرجعون؟ ومادمت لديكم الديمقراطية فإنكم تعتبرون أن الكذب عادي دون بيان حقيقي أنني ضربتها؟ رغم أن العدالة تستند إلى بيان وليس القول". وختم "مجاهد الأبوة" لقاءنا معه بأن القضاء الفرنسي مزق شمل أسرة مسلمة بتغليب الطلاق ثم حرمان الأب من الأبناء وحرمانهم من العلم والمعرفة وفق أصولهم، مضيفا "لست ضد اللغة الفرنسية ولكن لغة العربية هي اللغة الأولى ولغة الدين وتليها بقية اللغات، ومن حق الأبناء الأبرياء أولا إكمال دروسهم في اللغة العربية ". وعليه، أضاف "معركتي ستتواصل ولن أتوقف".