أن تتحدث عن الفُوتوغرافي كريم بوشطاطة، فأنت تتكلم عن فن التصوير السهل المُمتنع، عن صُور تجاوزت المليون صورة.. عن مُصور تواجد بأعمقٍ المناطق التي تُخفي الكثير من معالم الحياة، بدءاً من مدينته العريقة "عين الصفراء"، ووصُولاً إلى عُمق الصحراءِ الشاسعة... حيث استطاع أن يُلفت إليها أنظار العالم... كريم الذي يُعد اليوم أحد المصورين المُحترفين بالجزائر الذين لامسوا العالمية بمُجرد أنهم قدمُوا انعكاساتٍ فنية لأعمالهم الجميلة، هو كذلك خريج معهد الإعلام والاتصال، تخصص سمعي بصري من جامعة الجزائر، لم يتوان لحظة في العمل على إيصال رسالة نبيلة عن طريق هذا العمل الفني الهادف. عندماَ تمنح عينيك للصورة تذهب بك بعيداً، وكأنك تريد أن تُمسك بالأشياء، وكأن ثمة قصةٌ تتشكل بين يديك من خلال مشهد بسيط، هذا ما يمنحك إياه الفنان الفوتوغرافي كريم، عبر مجموعة من الإصدارات تعاهدها الواحد بعد الآخر جامعاً بين جمالية الإبداع والجودة والحرفية، يأنسُ بالأشياء فيصورها هكذا بكل بساطة، تعينه طبيعة الموضوع ويترصدُ الإحساس في كل شيء فيلتقط الصورة، يُعايش الناس فيلخص صوره بمقولة يفتحون لك قلوبهم فتصورهم... كما فتح لنا قلبهُ بهذا الحوار القصير.
كيف تفاعلت مع انبهار العالم بتلك المشاهد التي لم تكُن مألوفة بالنسبة لهم والتي قُمت بالعمل على التقاطها طوال فترة معينة بمدينتك؟ لا تستطيعين تصور شعوري للوهلة الأولى، وأنا أشاهد صوري تعرض في مختلف مناطق العالم عبر وسائل إعلامه المتعددة، غمرتني وقتها سعادة لا توصف، فتلك الصور التي التقطتها ببساطة، ولفرط جمالها قادتني للعالمية من خلال تناولها من قبل أغلب العناوين المشهورة، حجم الفخر الذي شعرت به وقتها لا يمكنني وصفه في مجرد جملة فحسب، ذلك الأمر لا تصفه الكلمات وأنت ترى اسم بلدك واسم مدينتك يتصدران أهم عناوين الوكالات الإخبارية. كيف وجدت طبيعة تلقي نجاحكم من قبل الآخر هنا بالجزائر وخارجها، وهل تلقيتم دعوات أو بالأحرى وعودا بتقديم الدعم من قبل مؤسسات تهتم بهذا النوع من الاحتراف؟ للأسف، لحد الساعة لا يوجد شيأ ما عدا تشجيع معالي وزير الداخلية نور الدين بدوي بعد أن قدمت له الصورة العالمية، ومع ذلك فأنا مازلتُ أطمح وأتمنى أن تكون هناك التفاتة معتبرة لهذا الإنجاز الذي أعتبره من جهتي خدمة للسياحة الجزائرية عبر العالم، التي عملت على نقل واجهات فوتوغرافية لها للعالم، في بُعد فني وترويجي بنفس الوقت، وبمناسبة الحديث عن ذلك فسفارة كل من بريطانيا وهولندا كانتا قد تناولتا الموضوع في صفحتهما الرسمية. العمل الفوتوغرافي على غرار ما يتطلبهُ من حس ذوقي وفني فهو بحاجة أيضا لوسائل مُعينة تساعد على إنجاح أي مشروع من هذا النوع، ما هي الصعوبات التي واجهتها في ظل عدم وجود أي اهتمام أو تسهيلات من طرف أية جهة كانت؟ لا يخلُ أي عمل من صعوبات وعراقيل أولية تواجهك في أول المطاف، لكن سرعان ما تتأقلم عن إرادة لإنجاح ما بدأته، وتحدياً لذلك أيضا حتى تصل إلى هدفك الذي رسمته في خطة عملك، في الحقيقة أشعر بالأسف لذلك، لكن هذا ما قوّى من عزيمتي وكسر جميع الحواجز التي وقفت بطريقي لذلك فقد عملت على بذل مجهود أكبر لإيصال عملي عبر مختلف وسائل الاتصال العالمية، وهي خطوة بنيتُ فيها توطيد علاقاتي وتكثيف شبك اتصالاتي عبرها فأصبحت مصورا ومدير علاقات لأن العصامية هي مبدئي الأول والأخير، وعنواني الأزلي. الخبر الصحافي مرتبط بالصُورة.. وكثيراً ما تكون الصورة كافية وأكثر تعبيرا عن مكان الخبر.. والمُصور اليوم يتواجدُ بين معاناة وجهود يقابلها التهميش والإهمال وأحيانأ مصادرة حقوقة، كيف ترى هذا الأمر؟ تعرضت صوري للقرصنة فنسبت لمناطق أخرى، ولدي كامل الحقوق في الخارج، هوايتي التصوير والتجوال.. لذلك فهذا الأخير تتداخل فيه الصعوبة من حيث تكاليف التنقل ووسائله التي غالبا ما تكون باهضة، وأخرى غير متوفرة لأي كان، لذلك فعملُ القرصنة يزيدك إحباطا وسط جميع هذه الظروف التي تتحدُ ضدك في بعض الأحيان. أي نوع من المشاهد تميل لها عدسة كريم؟ قبل ولوجي عالم التصوير الفوتوغرافي، كنت مسرحيا ثم مخرجا هاويا للأفلام الوثائقية، لذلك عدستي تميل إلى العمق والمعنى الحقيقي لكل محتوى أعمل عليه، والحمد لله الآن في جعبتي ما يقارب ال 3000 صورة. هل توجد هناك أفكار مُعدة مسبقاً قبل الشروع في أخذ اللّقطة؟ نعم، من المؤكد أن يكون لديك حس فني يسبق بدء أي عمل، بالإضافة إلى خطة طريق تعمل عليها قبل كل شيء من أجل بناء موقف واكتمال مشهد، أمتلك نظرة صحافي ومخرج هاوي نظراً إلى الفترة الطويلة التي قضيتها بهذا المجال، وحتى الآن لدي أربعة أفلام وثائقية وأربع مشاركات وطنية، وأعمل دائما على أن تتميز المواد التي أقدمها للمشاهد أو المتابع، وفعلاً فعين المصور هي سلاحه، حيث يقوم بمسح كامل يختار اللّقطة، ويعدل الزاوية، ومن ثمة يقتنص، ليست الآلة باهضة الثمن من تقدم صورة أفضل، بل لمسة المصور هي من تقوم بذلك، وهي لمسة كريم الخاصة وتواجده في المكان والوقت المناسبين من أوصلاه إلى العالمية. هل عمل الإعلام الجزائري على دعم ما قدمتهُ على غرار ما قام به الإعلام الأجنبي تجاهكَ... حدثنا عن ذلك؟ ليس تماماً، بكل أسف، فقد كان حضورا محتشما، بعضهم عاملني بازدراء، فيما تجاهلني البعض الآخر كلياً، فحتى المراسلين المغمورين تجاهلوني ظنا منهم أن الموضوع مجرد سحابة صيف، الآن لدي آفاق أخرى.. لدي وكيل ببريطانيا وهو الذي قام بتسويق صوري هناك في أوروبا، ورغم كل هذا فهناك استثناءات ممن تناولت ما قدمته في الآونة الأخيرة، بعض اليوميات الوطنية وضعت بورتريهات تخصني، أما العالمية فقد عملت معي بعض الروبرتاجات المصورة، على غرار إحدى القنوات المكسيكية المعروفة وأخرى فرنسية اهتمت بالموضوع. هل كان لتواجدك في منطقة سياحية غنية بالمناظر الجميلة دور في نجاحك؟ أكيد... فمنطقة جبال القصور ومدينتي العين الصفراء بوابة الصحراء، كانتا مصدر إلهامي الذي لا يفنى، فيها صخور منقوشة، قصور عتيقة، واحات، مناطق رطبة، جبال شامخة، فهي جنة في عيون السيّاح والمصورين... وكثيراً ما أبهر جمالها أصدقائي الأجانب.