لهذه الأسباب يلجأ الجزائريون إلى قاعات المحاكم باتت أروقة العدالة مسرحا لحكايات غريبة وعجيبة تجسد واقعا مريرا عن جملة لأتفه الأسباب التي باتت تفكك الرابطة الزوجية المقدسة، حيث عاشت "البلاد" أطوار مختلف المحاكمات على مدار يوم واحد داخل محكمة الشراقة بالعاصمة، حيث تبين أنه من أبرز القضايا التي تجر الجزائريين إلى قاعات المحاكم هي قضايا الأسرة. ففي ساعة واحدة تم تطليق أكثر من 20 زوجا، والبيت الذي بني، منذ سنوات، بكل تفاني ومرت عليه كل لحظات الفرح والحزن، يهدم بكلمة واحدة، ومنطوق "فك الرابطة الزوجية"، أما في قضايا الجنح فرأينا شبابا أغلبهم متهمين بقضايا المخدرات والضرب بالسلاح. زواج يتبخر بعد 40 سنة! شيخ في العقد السادس من العمر، كان جالسا في زاوية من المحكمة ومطأطأ الرأس، اقتربنا منه لنعرف مشكلته، حيث صرح لنا عمي "احمد. ب« أنه جاء ليتم إجراءات الطلاق من زوجته البالغة من العمر 60 سنة! وذلك بعد 40 سنة من الزواج الذي أثمر أولادا وبناتا، وعددا معتبرا من الأحفاد قال إنه لا يتذكره. ولما سألناه عن سبب الطلاق قال إن زوجته أرادت الخروج للعمل وهي في سن طاعنة، وأضاف "أوفر لها كل شيء أنا وأولادها لكنها أرادت العمل تقليدا لبنات اليوم، فحلفت يمينا إن خرجت للعمل طلقتها". وبعد مثول الزوج أمام القاضية التي طلبت منه إحضار الزوجة في المرة المقبلة، صرح لنا بصوت خافت أنه أعجب بابتسامة القاضية وسعة صدرها، لدرجة أنه قال لنا "أنوي طلبها للزواج بعد إتمام طلاق زوجتي"، وهكذا أدركنا أن زواج 40 سنة تبخر في لحظة! القاضي للطرفين: "لا تجعلوا أطفالكم ضحية خلافاتكم" في قضية أثرت في جميع الحاضرين، رجل ملتحي ومقصر وامرأة ترتدي جلبابا، مثلا أمام القاضي بطلب من الزوج الذي ادعى أن طليقته رفضت السماح له بزيارة ابنه، وعلى إثر أخذ ورد من سماع القاضي لأقوال المتهمين، كان واضحا أن الزوجة تتهرب من السماح للطليق، الذي قامت بخلعه منذ 4 سنوات، برؤية ابنه لأنه بدوره لم يسمح لها برؤية ابنها الأكبر، منذ 4 سنوات، أما ما كشفته مرافعة محامي الضحية والمتهم من حقائق فهي أن الابن الأكبر البالغ من العمر 11 سنة رفض رؤية والدته بحضور الهيئات القضائية! وأن الابن الأصغر يعاني بدوره من فشل كلوي بسبب تأخر إجراء العملية الجراحية له وذلك نتيجة تلاعبات ومشاحنات بين الزوجين. وأمام كل هذه الحقائق طلب القاضي من الطرفين التحلي بروح المسؤولية وخاطبهم قائلا "بحكم السلطة المخولة لي أطلب منكم أن لا تجعلوا أبناءكم ضحية خلافاتكم الشخصية، كل شخص له حق الزيارة يأخذه". الخلع ضرورة أم "بريستيج"؟ في مقابل حالات الطلاق التي يقرها الزوج، تلجأ بعض الزوجات إلى فرض الطلاق من جانبها وبإرادتها وفق ما يصطلح عليه شرعا وقانونا "الخلع". وفي السياق، قالت المحامية جوابري جميلة، في تصريح ل "البلاد"، عن تفشي ظاهرة الخلع في محاكم الأسرة، إن "الخلع سلاح ذو حدين، فبعد أن أقره قانون الأسرة في تعديله عام 2005 في المادة 54، قد ترك المشرع الجزائري ثغرة قانونية بعدم تحديده أسباب الخلع الحقيقية مثلما حدد أسباب التطليق في المادة 53". وأعابت المتحدثة على المشرع تغافله عن رضا الزوج في الخلع، موضحة "مما جعل المرأة تستسهل هذا الإجراء في بعض الأحيان". وأضافت "الخلع تحول إلى بريستيج اجتماعي، أو تعبيرا عن الاستقلالية والحرية، وهذا لا يمنع أن بعض قضايا الخلع كانت الحل الأخير للمرأة التي عانت من ظلم زوجها". واعتبرت المتحدثة أن الرجل الجزائري عادة لا يقبل الخلع ويعتبره إهانة لرجولته مما يؤدي إلى ارتكابه جرائم قتل في بعض الحالات التي مرت على المحاكم. يذكر أن حالات الخلع التي نطقت بها القاضية والتي كانت نصف قضايا الطلاق قد أقرت بتعويض قدره 100 ألف دينار جزائري تدفعه المرأة للزوج كتعويض له، في حين لم تسقط واجب النفقة للأولاد. لم يحلق شاربه فخلعته! الكثير من النساء تتحفظ عن ذكر أسباب الخلع، لكن البعض منهن يصرحن به في المحكمة، حيث تقول فتيحة، وهي في عمر 26 سنة "تزوجنا منذ عام وطلبت منه مرارا وتكرارا نزع شاربه لأنه يشعرني بالاشمئزاز، لكنه رفض بشدة، فلم أستطع تحمل الحياة معه وطلبت الخلع". لم تفضحه طيلة سنة.. فادعى بأن جنا يسكنها وفي قصة مماثلة عن حالات الخلع حدثتنا كوثر، التي تبلغ من العمر 21 ربيعا "طلبت الخلع، ولم أصرح بالسبب الحقيقي في المحكمة، لكي لا أحرج زوجي السابق، الذي تزوجت به منذ سنة لكني اكتشفت أنه عاجز جنسيا، ورغم ذلك بقيت معه طوال هذا العام إكراما له وأملا في أن يتغير الوضع ذات يوم، وكلما صارحته بالأمر يقول لي "إن الجن الذي يسكنك هو الذي يمنعني من الاقتراب منك"، فلم يترك راقيا إلا وعرضني عليه، حتى جاء اليوم الذي صارحت أهلي بأنني متزوجة على الورق فقط. فساندوني في قرار الخلع".وتبين قضايا شؤون الأسرة وفي مقدمتها الطلاق، تعد من أبرز القضايا التي تجر الجزائريين إلى قاعات المحاكم، ففي ساعة واحدة فقط من تواجدنا داخل المحكمة تم تطليق أكثر من 20 زوجا، وبكلمة واحدة "فك الرابطة الزوجية"، يتهدم البيت الذي بني، على مدار سنوات، بكل تفاني ومرت عليه كل لحظات الفرح والحزن. "متهمي لا ناقة له ولا جمل!" أما في قضايا الجنح، فرأينا شبابا أغلبهم متهمين بقضايا المخدرات والضرب بالسلاح، وفي الصف الثاني ترى الأمهات شاحبات الوجه وفي عيونهن دمعة حسرة. وقف المتهم أمام القاضي أدلى بأقواله ثم بدأ المحامي مرافعته ليثبت أن موكله لا ناقة له ولا جمل، وذلك في حادثة طعنات وجهت للجار على الساعة الثالثة والنصف صباحا، والغريب في الأمر أن المتهم يدعى "محمد. ش« وحين وجدت الشرطة لديه وثائق باسم "أمين. ش«، قال لهم "اسمي محمد لكن في الحومة ينادوني أمين". وهذا ما تم تفسيره من طرف المحامي على أنه سذاجة من قبل المواطن، الذي ورغم تورطه في قضايا المخدرات إلا أنه أنكر أن يكون قد طعن الجار بالسلاح الأبيض، أما المحامي فشكك في شهادة زوجة الجار التي قالت إنها نزلت على الثالثة صباحا لاقتناء أغراضا (قضيان) فوجدت زوجها مطعونا بسكين. وما تلاحظه حين تحضر القضايا أن كل محامي في مرافعته يكرر عبارة "موكلي لا ناقة له ولا جمل" وهنا يطرح سؤال إذا من أين جاءت كل هذه الجمال؟ ببغاء يجر عائلتين إلى المحكمة! في حادثة غريبة من نوعها، تشاجر شابان من أجل ببغاء، وهو ما جعل عائلتين بكاملهما يحضران إلى المحكمة، حيث اتهم شاب في الثلاثينيات من العمر جاره بسرقة طائره الببغاء، فيما أنكر الجار وقال إنه اشتراه، وهو ما جعل القاضية تطلب من الشابين تقديم أوصاف الطائر فكان رد كلاهما متعلقا بالريش، فيقول الأول "إن لون ريش الببغاء أزرق وأخضر"، فيما رد الشاب الثاني أن لون الريش أزرق وأصفر. وهو ما جعل كل الحاضرين ينشغلون بألوان ريش الببغاء وعددها، وكل ذلك أمام القاضية ومحامي المتهم اللذين وجدا نفسيهما أمام قضية تتعلق بطائر ببغاء "محظوظ". وعليه، فقد أعلنت القاضية تأجيل القضية إلى جلسة أخرى. قضايا "لونساج" والشيكات دون رصيد تجر الشباب إلى المحاكم مثل العديد من الشباب أمام قاضي المحكمة بسبب قروض الأونساج، حيث صرح "محمد. ب« أنه خسر أموال القرض التي منحت له في مشروعه ولم يعد قادرا على التسديد. أما في حالات أخرى فيأتي الشباب إلى المحاكم بسبب قروض بنكية، حيث تطالب البنوك باسترداد أموالها في حال رفض أو عجز الشباب عن تسديد المبالغ المستحقة في آجالها، وفي قضايا النصب والاحتيال وخاصة تقديم "شيك دون رصيد" سجلنا عبر ملاحظتنا 10 قضايا في 3 ساعات. "التغيير يبدأ من الجذور" أكدت آمال نابتي مدربة التنمية البشرية ل«البلاد"، أن "المشكل الذي تعاني منه العائلات الجزائرية، ويؤدي إلى ارتفاع نسبة الجريمة والطلاق في المجتمع هو نقص التواصل"، وأضافت "كل طرف في العلاقة الزوجية يدخل إليها محملا بمعتقدات وأفكار ونمط حياة تعود عليه وترسخ في ذهنه، وغالبا ما يتمسك كل طرف برأيه لانعدام لغة الحوار والتواصل بين الزوج وزوجته وبين الأم وابنها". وقالت ذات المتحدثة "إذا أردنا التغيير يجب أن نبدأ بالأولياء الذين يربون أطفالهم، فإذا أردنا تجنب العنف يجب أن يكبر أطفالنا على الحوار والاحترام"، كما حذرت المختصة من عدم وعي بعض الآباء الذين أصبحوا يركزون على "التربية المادية" فهم يركزون على توفير الماديات لأطفالهم ومقابل ذلك يهملون غرس المبادئ في نفوسهم، بينما في حقيقة الأمر تلك هي المبادئ التي يكبر عليها أبناؤنا ويصبحون أزواجا وزوجات، فالتغيير يبدأ من الجذور.
إمام المسجد الكبير علي عية يحذر من مخالفة أمر الله "الكثير من الجزائريين يجهلون أحكام الطلاق" كشف إمام المسجد الكبير علي عيةعن أن العديد من الأزواج يجهلون أحكام الطلاق ويقومون بأمور مخالفة للشرع عند حدوث مشاكل أسرية تنتهي إلى الطلاق، ومن أبرز المخالفات طرد المطلقة نحو بيت ذويها أو إلى الشارع قبل انتهاء العدة التي شرعت لمحاولة الصلح بين الزوجين وتفادي تفكيك الأسر. وقال علي عية في تصريح ل«البلاد"، إن الشريعة الإسلامية تضمن للمطلقة الحاضنة نفقة ومسكنا يحفظها وأولادها بعد الطلاق، غير أن عددا معتبرا من الأزواج يلجأون إلى تقديم شهادة زور بعدم امتلاك مسكن أو عمل مستقر ولا مداخيل للتهرب من الإنفاق وهو أمر حرام مخالف لشرع الله حسب تأكيده، على غرار سلوك طرد الزوجة من بيت الزوجية في حالة الطلاق وقبل انقضاء العدة. وأضاف الإمام علي عية بالتأكيد على حرمة إهمال المطلقة وأطفالها من حيث النفقة الواجبة شرعا وتنصل الآباء من حفظ الأمانات ورعاية الرعية عملا بقوله صلى الله عليه وسلم "كلم راع وكل راع مسؤول عن رعيته". وفيما يتعلق بمقترح تنظيم حملات تحسيسية من قبل الأئمة والمرشدات لدفع الآباء المطلقين إلى الالتزام بدفع النفقة لأطفالهم، أكد علي عية أن الدروس في هذا الموضوع موجودة ولكن الجزائريين ينصرفون عنها وهو ما يتطلب تكامل الأدوار بين الإعلام والإمام لتحقيق غاية التزام المطلقين برعاية أطفالهم بعد الطلاق، معتبرا أن هذه القضايا أضحت حقيقة يؤسف لها. نسيمة. ع
مواقف طريفة في المحكمة!
القاضية للزوج: "لو كنت أنا لقبلت" قبالة رجل منفعل طلب من القاضية تطليقه فورا من زوجته، حيث رفضت القاضية هذا الطلب لعدم حضور الزوجة، ثم أضافت قائلة "اتصل بها وقل لها لقد غيرت رأيي بالطلاق، ستعود بالتأكيد، لو كنت أنا لفرحت كثيرا"، وهذا ما جعل الزوج يبتسم ويرحل، وعادة ما تتكرر مواقف طريفة متعمدة من القاضية من أجل كسر جو التوتر والقلق لبعض الأزواج في آخر محاولات منها لإنقاذ الزواج. طلاق بسبب 50 دج! من أغرب أسباب الطلاق التي روتها لنا محامية التقينا بها في رواق محكمة الأسرة أن زوجا طلق زوجته لأنها أخذت 50 دج من محفظته دون علمه، هذا السبب الذي اندهش له القاضي، وما زاد الطين بلة هو أنه طالب بحصة شهرية من راتب زوجته العاملة. الأزواج في أبهى حلة يوم الطلاق! ما لاحظناه أن النساء اللاتي جئن من أجل الطلاق لا تبدو عليهن ملامح الندم أو الحسرة بل هن في أبهى حلة يرتدين أجمل الألبسة وبمكياج واضح. قالت السيدة "هندة. ن« حين سألناها عن السبب "أريده أن يعرف أنني سأكون بخير من دونه"، أما الرجال فقد كانوا يرتدون بدلات رسمية ونظارات، ربما طمعا في اصطياد عروس المستقبل.
قانونيون يحذرون من الصعوبات التي تعترض الأطفال بعد الطلاق عيدوني: المشكل أخلاقي وليس قانونيا والمطلقون يسيرون بعقلية الثأر
اعتبر رئيس نقابة القضاة جمال عيدوني أن قضايا عدم تسديد النفقة مشكلا أخلاقيا وليس قانونيا، وذلك بالنظر إلى أن أغلب المطلقين في الجزائر يسيرون بعقلية الثأر بدءا من حرمان أبنائهم من النفقة، ليظل الأطفال الضحية الأولى والأخيرة لمثل هذه السلوكات ولسياسة تصفية الحسابات بين الوالدين. وأكد المتحدث ل«البلاد" أن الوضع يقتضي حملة لإحياء الضمائر وتشجيع الوازع الديني من خلال اهتمام الأئمة والمرشدات بإلقاء دروس وتخصيص حلقات وحملات تحسيسية في المساجد حول موضوع مسؤولية الآباء تجاه أبنائهم بعد الطلاق، على اعتبار أن المجتمع الجزائري تدهورت فيه الأخلاق وانتهكت فيه حقوق الأقربين. من جهته، دعا رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، فاروق قسنطيني، إلى تقليص المدة التي تنتظرها المطلقة لرفع قضية عدم تسديد النفقة وهي المدة المحددة قانونا بشهرين كاملين، معتبرا أن الردع بإمكانه أن يدفع الآباء إلى التحول من اللامبالاة واللامسؤولية تجاه أبنائهم بعد الطلاق إلى الالتزام بمنحهم حقهم في النفقة علاجا وغذاء وكسوة مع حقهم في الرعاية والتربية الصحيحة. وانتقد قسنطيني في تصريح ل«البلاد" اعتماد قضاة شؤون الأسرة على مبالغ زهيدة لا تسد احتياجات أسبوع واحد للحكم بها في نفقة أطفال صغار تكثر احتياجاتهم، بالإضافة إلى تحديد مبالغ غير معقولة لإيجار سكن للمطلقة الحاضنة تتراوح بين 5 آلاف و15 ألف دج وهي مبالغ لا وجود لها في سلم أسعار إيجار السكنات خاصة في المدن الكبرى. أسماء. ز