حققت السينما الجزائرية في الفترة الأخيرة قفزة نوعية من خلال إنجاز عشرات الأعمال التي تمكنت بعضها من حصد كبريات الجوائز في المهرجانات العالمية والعربية، بالإضافة إلى تبني قانون جديد لتنظيم القطاع اعتبره متتبعون ''تحولا جذريا''· وفي المقابل لايزال مشكل فضاءات العروض قائما في ظل تراجع عدد قاعات السينما على المستوى الوطني خلال السنوات الأخيرة لهذا السبب أو ذاك، حيث يقتصر المشهد الآن على قرابة 319 قاعة منها 227 تسيرها البلديات والجماعات المحلية وأخرى تابعة للقطاع الخاص وعددها ,26 أما وزارة الثقافة فلا تملك غير 59 قاعة من بينها 19 مخصصة للحفظ والترميم والأرشفة بعيدا عن الجانب التجاري· ويبقى المشكل المطروح في هذه القاعات هو أن غالبيتها غير مستغلة، ففي الوقت الذي هجرت كثير منها وهدمت أخرى، تظل القاعات التي تسيرها البلديات غير مستجيبة لمقاييس العرض المحترف، وأكثر من ذلك أنها حادت عن وظيفتها الأساسية لتتحول إلى ''قاعات حفلات'' أو تبث المقابلات الكروية بعيدا عن ''تقديم الفن السابع الراقي للجمهور العام''· وأحدث هذا الإشكال شبه حرب بين وزارة الثقافة التي تطالب باسترجاع تلك القاعات لإعادة تأهيلها، وبين البلديات الرافضة لفكرة التخلي عنها بالنظر إلى عائداتها المالية المعتبرة، مع عدم بذل أي جهد لتأهيلها وترميمها· وهنا، كانت وزيرة الثقافة خليدة تومي قد أعلنت قبل فترة أن قانون السينما الجديد يجبر أصحاب القاعات غير المستغلة على إرجاعها لوصايتها لتوظيفها في خدمة السينما الجزائرية واقتصاد البلاد·وفي السياق ذاته، تمثل الحالة المزرية لقاعات السينما في العاصمة، عينة بسيطة لمجموع القاعات التي تسيرها الجماعات المحلية، حيث تحول كثير منها إلى مجرد فضاءات تجارية بحتة تعرض فيها ''أفلام فيديو'' وتوفر أمكنة آمنة يلتقي فيها الشباب والعشاق والمنحرفون، وآخرون باحثون عن مكان لتمضية الوقت ليس إلا· أما باقي القاعات، فيمكن لأي زائر اكتشاف أنها تبتعد تماما عن المقاييس المتعارف عليها في دول شقيقة حتى لا نقول ''عالمية''، حيث نسجل غيابا تاما للوحات الإشهارية للأفلام، ووضعية كارثية لدورات المياه، إلى جانب نوعية الأفلام الرديئة التي تدخل بعضها منعرجات خطيرة بالنظر إلى المضمون غير الأخلاقي والفاضح الذي تحتويه، مما جعلها ''قاعات غير عائلية أو حتى فردية بامتياز''· وتتوفر العاصمة على عشرات القاعات التي تظل بعيدة عن مفهوم ''الاحترافية'' و''الرقي'' من بينها ''سينما الهلال'' التي تسجل إقبالا ضعيفا يوميا وسط حالة مزرية، و''سينما الجزائرية'' و''دنيا زاد'' و''رويشد'' التي هجرت تماما وغيرها، لتبقى قاعة ''الموفار'' التابعة لوزارة الثقافة ويسيرها الديوان الوطني للثقافة والإعلام، تصنع الاستثناء في كل هذه ''الفوضى السينمائية''، حيث تسطر باستمرار برنامجا شهريا لأرقى العروض الجزائرية والعالمية، مع اعتماد تدابير نظافة وأمن احترافية، مما جعلها مقصدا للعائلات· من ناحية أخرى، تقرر أخيرا إعادة فتح أبواب قاعة السينما ''إفريقيا'' بالعاصمة أمام الجمهور مجددا خلال الصيف القادم بعد إتمام أشغال إعادة التهيئة والترميم التي بلغت مراحل متقدمة، ورصدت لها ميزانية قدرها 17 مليار سنتيم· وتعد هذه القاعة أحد أشهر الفضاءات المخصصة للسينما بالعاصمة وأوضح رئيس المجلس الشعبي لبلدية ''سيدي امحمد'' في العاصمة مختار بوروينة، أن قاعة السينما ''إفريقيا'' ستكون جاهزة لاستقبال الجمهور خلال الصيف المقبل على أقصى تقدير بعد انتهاء كل أشغال الترميم التي تجري بها، مشيرا إلى أن هذا المرفق من شأنه أن يوفر فضاء مميزا لمحبي ''الفن السابع'' للتتبع مختلف العروض في جو من الراحة والمتعة، خصوصا مع توفر أزيد من 1700 مقعد·