أثبتت الثورات الشعبية التي اهتزت لها العديد من الدول العربية في الفترة الأخيرة، أن دور الهاتف الخلوي أو النقال لا يقتصر على إجراء المكالمات الهاتفية فحسب، بل تعدى ذلك و صار بلا منازع قائدا للثورات الشعبية ضد الأنظمة، بل ووضعت العديد من شركات الهاتف النقال والمتعاملين أمام تحد كبير، سواء من طرف الحكومات أو الشعوب. بل وأصبحت بين نارين، فإما إرضاء الحكومات التي فرضت عليها ضغطا رهيبا في قطع الاتصالات وتوقيف خدمات الرسائل النصية القصيرة حفاظا على النظام، على حد تعبيرها، أو طمسا لحريات التعبير وإجهاض عملية التشويش على السلطة أو العمل في الجهة المقابلة على إرضاء الجماهير من خلال تطوير الخدمة وتدعيم الأجهزة بالوسائط التي حولت من الهواتف النقالة إلى فضائيات متنقلة وأنترنيت مفتوحة على طول الزمان والمكان. أبو الانتفاضات الشعبية كان يعيش بروح الجوال أطلق محللون سياسيون ومهتمون بتكنولوجيا الاعلام والاتصال اسم ''أبو الانتفاضات الشعبية'' على الموقع الاجتماعي التفاعلي ''فيسبوك'' لما له من دور في تحريك عقول الشباب وتيسير عملية التواصل بين مشارق الأرض ومغاربها، لكن المتتبع لخطوات تطور هذا الموقع الذي يضاف إلى مثيلاته ك''التويتر'' و''تيغت''، سيتأكد أن للهاتف الجوال لمسته السحرية في إنجاح كل صفحاته من خلال إدراج مقاطع فيديو وصور يتم التقاطها من مختلف مسارح الأحداث قبل أن يتم تثبيتها في الصفحة الشخصية والتي تتحول في سرعة البرق إلى عشرات الآلاف من الجماهير وفي كل أنحاء العالم. وبفضل هذا الجهاز الخلوي، استطاع سكان المعمورة الاطلاع عن قرب على جميع ما كان يحدث في قلب الثورات الشعبية، بل وحول النقال هذه المواقع التفاعلية إلى مصادر إخبارية اتسمت بالمصداقية واعتمدت عليها العديد من المؤسسات الإعلامية كمادة دسمة لاستخراج مختلف الأنباء والتحليلات والتعليقات. وتتوجه أنظار عشرات الآلاف من الجماهير إلى مختلف المحطات التلفزيونية، لا سيما منها الإخبارية التي وجدت ضالتها هذه الأيام أمام انقلاب الشعوب على حكوماتها لمتابعة آخر التطورات، قبل أن تنقلب الحكومات على بعض هذه الفضائيات التي أغلقت مكاتبها وصودرت اعتمادات مراسليها، بعد كشفها لنقاط حساسة لها حلقتها في الانتفاضة، ولم تجد تلك المؤسسات الاعلامية من سبيل لمواصلة تغطيتها لمختلف الأحداث سوى ''التوسل'' إلى الهواتف المحمولة التي أنقضتها من ''الإفلاس'' الإخباري، وكانت 70 بالمئة من الأخبار الواردة في هذه الشاشات يصلها عن طريق الهاتف النقال أو باستعمال كامرات رقمية مصغرة من طرف بعض الأشخاص الذين يتعاملون مع هذه القنوات بسرية لتكسير حاجز التطويق، فقناة الجزيرة مثلا أعلنتها مباشرة بعد سقوط بن علي''.....حاجي انت من اليوم مراسلنا من تونس.. وعليك من اليوم استعمال الكاميرا والميكروفون ....أتعبناك معنا في تغطية الأخبار باستعمال هاتفك..''. كما أن كل تدخلات المحللين السياسيين والفاعلين الحزبيين وشهود العيان كانت عبر أثيريات الهاتف النقال، وكم كانت المهمة صعبة لدى الفضائيات في توصيل المعلومة في حالة تدخل الحكومات وقطعها للاتصالات في الدول التي كانت تشهد توترا داخليا. صراع الإعلام القديم والحديث وتحديات الجوال برزت منذ طوفان تونس ومصر وبعدها اليمن، البحرين، فليبيا، جدلية جديدة عن الرئيس في إسقاط الأنظمة بين طرفي الإعلام القديم متمثلا في الفضائيات والإذاعات الدولية، أو الاعلام الحديث بزعامة المدونات والمواقع الاجتماعية التفاعلية عبر شبكة الانترنيت، ففي الوقت الذي انقادت فيه طائفة إلى رأي الفضائيات التي كانت عاملا أساسيا في إسقاط الأنظمة، اتجهت آراء أخرى صوب تحميل الانفتاح على الأنترنيت والدور الكبير الذي لعبته المدونات والمواقع الاجتماعية التفاعلية في تنوير الرأي العام ودعوتهم للتغيير، وتجاذب الصراع بين فرض كلا القرارين ونسي البعض، إن لم نقل الأغلبية، أن هناك تكنولوجيا أخرى خدمت الإعلام والاتصال بحجر واحد وكان يخدم الفضائيات والأنترنيت في آن واحد، بل إنها كانت الروح التي تتغذى منها الاعلاميون والمدونون وحتى المراسلون والمحللون، ألا وهي تيكنولوجيا الهواتف النقالة التي باتت في خضم الثورات الشعبية عبارة عن مؤسسات إعلامية متنقلة، وكانت بحق شاملة للإعلامين القديم والجديد، لا سيما بعد تدعيم الهواتف النقالة بخدمات افتراضية للتلفزيون والأنترنيت، بل وكان وسيطا استطاع نقل ما عجزت عنه عقول المدونين وكاميرات المصورين، وبالتالي نستطيع وضع نقطة لكل هذا الجدل بأن الهاتف جاء ليجمع شمل الانترنيت والفضائيات ومختلف أدوات الاعلام الأخرى. الثورات الأخيرة ''فوضى خلاقة في نظر شركات الهاتف النقال'' من قلب الفوضى الخلاقة، كما يقولون، يأتي الإبداع والتميز وهي المقولة التي تصلح هذه الأيام في العلاقة المبنية بين أحداث الثورات الشعبية وشركات إنتاج الهواتف النقالة، حيث كانت كل من تونس ومصر ولبيا حاليا أرض خصبة لدراسة الخدمات المقدمة والمرفقة من على الهواتف النقالة، وإذا كانت هناك بعض الشركات قد اقتنعت بطبيعة الخدمات المقدمة، فإن الشركات الأخرى قررت تطوير البرمجيات والوسائط القادرة على مواكبة مثل هذه الأحداث وإرضاء أكبر قدر ممكن من الزبائن، وعملت على تسريع وتيرة الابتكار في الصناعة، والزمن المستغرق للوصول إلى الأسواق لمجموعة كبيرة من التطبيقات والخدمات والاستخدامات الجديدة المرتكزة على الإنترنت، لتحقيق قفزة تقارب كبيرة بين وسائل الاتصال والكومبيوترات، ومن المتوقع أن يشجع النظام ابتكار مجموعة أوسع من الاستخدامات في الحوسبة واتصالات الإنترنت للمستهلكين، وتقديم نوع جديد من الأجهزة المحمولة، وتقديم التواصل السلس بين الأجهزة الكومبيوترية في المنزل والسيارة والمكتب والجيب، وهو بداية عصر جديد لإعلام ليكون أكثر دقة وتطورا ستساهم في بروز جيل جديد يكون قائده الهاتف النقال، وعملت هذه الشركات على تطوير الخدمة باستخدام أنظمة تشغيل آندرويد 1,2 والتركيز على تطوير في الميغابيكسل، زيادة على توسيع نطاق التخزين والتركيز على سعة البطاريات، وقد خلق كل هذا صراعا وتنافسا كبيرا بين هذه الشركات من أجل إرضاء أكبر سعة ممكنة من الجماهيير. الصين، الهند، الإمارات والسعودية تركت بركان الهاتف خامدا اتجه البعض مؤخرا للهواتف التي تتميز بتقنيات حديثة مثل هاتف شركة آبل الآي فون وهاتف شركة بلاك بيري الذي تصنعه الشركة الكندية َُىُُّح َى وكْفمَّمز منذ عشر سنوات، وبات انتشار هاتف البلاك بيري في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ملحوظاً خلال السنتين الأخيرتين، نظراً لمميزات عديدة في هذا الجيل من الهواتف، لعل أهمها خدمة الرسائل الفورية او ال هَىهفَ مح ُّالتي تتيح لمستخدمي الهاتف التراسل مع بعضهم خلال هذا البرنامج والخدمة من دون مرور المعلومات المتناقلة عبر خوادم الاتصالات مس التابعة لشركات الاتصالات المحلية، وأيضاً فتلك الخدمة أكثر جذباً لسرعة الانتقال وسهولتها ورخصها أكثر من نظيرتها من الرسائل النصية أو الرسائل المتعددة الوسائط. هذا وقد عزمت شركة البلاك بيري على الحفاظ على خصوصية مستخدميها، فلا يوجد خادم لشركات البلاك بيري إلا في الشركة الكندية نفسها، أي الرسائل المتناقلة لا يمكن الوصول إليها إلا في الشركة الكندية التي في حالة وصول البيانات تلك تصل مشفرة للحفاظ على خصوصية بيانات المستخدم والحفاظ على طريقة تشفير بيانات الشركة التي تعد من أقوى طرق وأساليب التشفير في الوقت الحالي. وقد دقت العديد من الدول، لا سيما منها الأسيوية ناقوس الخطر حول هذه الأجهزة النقالة فعلى غرار هاجس التجسس والعمالة والتدخل في القضايا الشخصية والدولية، كانت هذه الدول حسب محللين تعي خطورة الوضع في ظل انتشاره بين المواطنين لدقتها في التواصل وسرعتها في تحريك الرأي العام، زيادة على معاملاتها الوطيدة مع المؤسسات التلفزيونية والمواقع الإخبارية وقد عملت الصين والهند والإمارات العربية المتحدة والعربية السعودية على منع توغل هذه التكنولوجيا في أوساط المواطنين، وكأن هذه الدول كانت تشم رائحة التحركات الشعبية. الفضائيات تغطي أحداث الجزائر بهواتف مواطنين إن المتتبع للساحة الإعلامية بالجزائر، خلال الأحداث الأخيرة، يتأكد أن معظم ما تداولته القنوات الفضائية والمواقع الاخبارية كان مصدره الهاتف النقال. وكشفت أعمال الشغب الاخيرة أن الجزائريين يستخدمون أنواعا متطورة من الهاتف الجوال وهذا بتصريح مشتركين بالموقع التفاعلي بالفايس بوك بعد ملاحظتهم لجودة الصورة والصوت الواردين من عمق الأحداث الجزائرية، السلطات في الدولة لم تمنع استعمال أنواع محددة من الهواتف النقالة، بالرغم من أن هناك قوانين تمنع استعمال هذه الأجهزة في مناطق محددة كالمؤسسات العسكرية والأمنية والجهات القضائية والهيئات الرسمية السامية، خاصة ما تعلق باستخدام التصوير أكان تصويرا فوتوغرافيا أو تصوير بالفيديو.