البلاد -فيصل.ح - تحدث السفير المصري في الجزائر، أيمن جمال الدين عبد الفتاح مشرفة، في هذا اللقاء الذي خص به "البلاد"، عن العلاقات المميزة والتاريخية بين البلدين، معرجا على الأزمة الليبية التي أصبحت تؤرق دول الجوار نظر للإنفلات الأمني الذي يشهده هذا البلد، والانتشار الرهيب للأسلحة، والتي وصلت حدود 20 مليون قطعة من دون مراقبة، مشيرا إلى مشاطرة القاهرة للمقاربة الجزائرية لحلحلة الأوضاع في ليبيا، كما عرج على قطاع السياحة الذي أصبح يستقطب الجزائريين بأعداد هائلة مؤخرا. البلاد: تحلون بالجزائر بصفتكم سفيرا للقاهرة، ماهي نظرتكم لتطوير العلاقات الثنائية التاريخية بين البلدين؟ سعادة السفير: تاريخ الكفاح المشترك بين البلدين أحد أهم الركائز التي بنيت على أساسها العلاقات الجزائرية المصرية، وموقف دعم الرئيس الراحل هواري بومدين لمصر من خلال إمداد مصر عقب الأزمة التي منيت بها لا يمكن إنكاره ونسيانه، ربما المحبة المشتركة ببين الشعبين التي ولدت من خلال تعاون الكبار على لم شمل العرب وتوحيدهم. مصر تعتبر أولى الدول التي اعترفت بالجزائر المستقلة، وتاريخ الجزائر جزء من تاريخ مصر، ونتيجة لذلك كانت بور سعيد المصرية هدفا لقوات فرنسا حينها، بسبب مساندة القاهرة للثورة الجزائرية.
كيف ترون العلاقات بين البلدين في الظرف الحالي؟ مصر والجزائر لديهما قواسم مشتركة، فالعلاقة الثقافية بين البلدين، والمشاركة في المهرجانات الثقافية المشتركة بين البلدين وتكثيف نشاطاتها، أحد أهم العوامل التي أركز عليها حاليا، من خلال إبرام اتفاقيات مشتركة بين خبراء مصريين وجزائريين في المجال الثقافي. والجدير بالذكر، أن الجزائر كانت ضيف شرف الصالون الدولي للكتاب بمصر، وأعمل حاليا على تكثيف الزيارات المتبادلة بين فناني البلدين، بالإضافة إلى تشجيع فن الرسم على الزيت والخزف، والذي يشتهر في مصر أيضا، على غرار مهرجان الفنون الشعبية الذي أصبح من الضروري التعريف به والتشهير به على مستوى مختلف الميادين. وعن المراكز الثقافية الاعلامية الموجودة في مختلف الدول، نأسف لإغلاق المركز الذي كان موجودا هنا في الجزائر بعد العشرية السوداء، ومن هنا يجب دعم وسائل الإعلام التي لها دور فعال في إيصال الثقافات بين القارات.
تعدّ السوق السياحية المصرية واعدة بالنسبة للجزائريين الذين اكتشفوا مؤخرا ما تزخر به بلادكم من معالم سياحية وتاريخية، ماهي خططكم لجلب المزيد من السياح الجزائريين إلى بلادكم؟ الحقيقة هناك وجهات سياحية كبيرة وجديدة بمصر، خصوصا شرم الشيخ، والآن أعمل على تكثيف الإمكانيات الجوية، أي تنويع منظومة طيران العرض، أي تنويع الرحلات ومكان انطلاقها من مختلف المطارات الدولية في الولايات الكبرى منها، وفي الوقت الحالي هناك 11 رحلة أسبوعيا نعمل على مضاعفتها، باعتبار أن المقصد السياحي المصري متنوع من سياحة دينية، رياضية، أثرية تقليدية وسياحة الصحراء، فالجزائريون يزورون الآن، شرم الشيخ ومدن أخرى، ونسعى لتكثيف الطيران بين البلدين. تونس الوجهة السياحية التقليدية بحكم الجوار، حيث يزورها الجزائريون بالسيارات، لكن الآن أصبح المنتج السياحي المصري سهل ممتنع للسائح الجزائري، نظرا رخص الأسعار وتقارب الثقافات والعادات، على غرار الطبيعة المضيافة والانسجام مع الأجانب، خصوصا السياح العرب.
ما حقيقة ما يشاع عن فرض القاهرة لقيود في منح التأشيرة للجزائريين، على غرار مواطني بلدان المغرب العربي؟ نظرا للظروف التي تمر بها المنطقة بصفة عامة، فإن الحصول على التأشيرة قد يستغرق 10 أيام، حيث أن السلطات المعنية تعكف على تسهيلها للراغبين في الحصول عليها لتشجيع حركة السياحة. ومؤخرا، تم دراسة ملف إلغاء التأشيرة بين البلدين، ونأمل في المستقبل أن يصبح للمواطن العربي المغربي فرصة السفر من وإلى مصر عبر سيارته الخاصة، مما يشجع السياحة في فضاء المغرب العربي بكامله.
وماذا عن العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وكيف يرى المستثمرون المصريون قاعدة 49/51؟ العلاقات الاقتصادية بين البلدين جيدة جدا، على الرغم الركود الذي حصل مؤخرا، نتيجة القوائم السلبية التي سيتم تداركها. الجزائر دولة ذات سيادة، ولها الحق في فرض ما يخدم اقتصادها الوطني، وجلب المستثمر الأجنبي وفقا لقوانين معينة، وهذا ليس مفروضا فقط على المصريين، وهناك العديد من الشركات المصرية التي تعمل هنا بالجزائر .
ماهي أهم المجالات التي تستقطب المستثمر المصري في الجزائر؟ أغلب الاستثمارات المصرية في الجزائر تخص مجال الاتصالات والكابلات الكهربائية، يعني تمس مختلف المجالات هنا في الجزائر، ويمكن أن تلجأ مصر إلى التعاون في المجال الفلاحي، خصوصا في أبحاث النخيل، واستنباط أفضل الشتلات والأنواع لدفع إنتاج التمور في كلا البلدين، خصوصا وأن مصر تعاني من مشكلة الدودة التي تهلك النخيل هناك، والجزائر تتمتع بتربة خصبة صالحة لمختلف النشاطات وبأنواع شديدة التميز والجودة، مثل دقلة النور.
ماذا تحمل الأجندة السياسية بين البلدين لسنة 2019؟ الأجندة السياسية بين الجزائر ومصر للسنة الحالية 2019، تتضمن لقاءات شبه دورية بين وزيرا خارجية البلدين، على هامش القمم العربية، كما تتضمن مشاورات مستمرة فيما يخص الملف الليبي ومكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل والصحراء الغربية والجامعة العربية ومنظومة إصلاح الاتحاد الإفريقي، وتشاور مستمر في مختلف القضايا الدولية والتنسيق في المحافل الدولية في البعثات الأوروبية جنيف، فيينا ونيويورك، المنظومات المنضوية تحت لواء الأممالمتحدة، وهناك تعاون غير مرئي على أمل أن تعقد لجنة المتابعة التجارية في 2019 الخاصة باللجنتين العليتين، وسيتم فتح فرص لالتقاء رجال أعمال البلدين، وتحرك القطاع الخاص.
التعاون الأمني وتبادل المعلومات بشأن ظاهرة الإرهاب أمل أساسي بالنسبة للبلدين، كيف ترون ذلك؟، ألا تعتقدون أن التحديات الراهنة وانتشار الإرهاب يستدعي هذا التعاون؟ ظاهرة الإرهاب ظاهرة عابرة للحدود وليست محلية، والجزائر عانت الأمرين خلال العشرية السوداء، وحاربت ودفعت الثمن غاليا، مصر عانت الأمرين سنة 2013، لكن الدولة نجحت وتمكنت من القضاء على الإرهاب، وهناك مقاربة ليست فقط أمنية، بل اقتصادية واجتماعية في الملف الإرهابي. وتعدّ التنمية الاجتماعية أحد أهم الركائز للقضاء على الإرهاب، على غرار الحرب الفكرية والفضاءات الإلكترونية، ولابد من التعاون الدولي لمكافحة الفكر الإرهابي عن طريق انتهاج الوسطية في ذلك بعيدا عن التعصب، ومنح الصورة الصحيحة للدين الصحيح لمكافحة التطرف. هناك تعاون في تبادل المعلومات تسير على قدم وساق عبر قنوات خاصة للتعاون في المجال الأمني، وليبيا أصبحت تهدد أمن واستقرار البلدين، وأصبحت مقصد للتدريب الإرهابي والمخدرات والهجرة غير الشرعية.
يعني هذا أنكم توافقون الطرح الجزائري لحلحلة الوضع في ليبيا؟ الوضع في ليبيا أصبح مقلقا، فهو يهدد الاستقرار في المنطقة ككل، خاصة مع الانتشار الكبير للأسلحة، فحوالي 20 مليون قطعة سلاح خارج السيطرة. نتفق مع الجزائر، لذلك ندعم المجهودات لإعاة بناء الجيش الليبي ورفض التدخل الأجنبي للتحكم في أساسيات الدولة في إطار الحوار الوطني، ونوافق الجزائر في بناء وحدة الدولة الليبية واستقرارها، ودعم الحوار السياسي الليبي، وبناء مؤسسات الدولة الليبية. الانهيار الليبي يقلق الدول العربية والأوروبية، وبالتالي فالقاهرة لن تقبل ب "صوملة ليبيا" وتنادي بضرورة وحدة الأراضي الليبية، ونبذ فكرة التدخل الأجنبي، وضرورة إيجاد حل ليبي للأزمة الحالية دون تدخلات بعض القوى الإقليمية التي لها أجندتها الخاصة.