البلاد.نت - الطاهر سهايلية - خلال زيارة قادته للجزائر، أكد نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، أحمد عمر أحمد معيتيق، في حوار حصري خص به "البلاد"، أن مدنية الدولة وبناء مؤسسات ديمقراطية ودستورية قرار لا رجعة فيه، مشيرًا إلى أن ليبيا اليوم بحاجة إلى دعم جيرانها، خاصة الجزائر التي اعتبرها طرفًا فاعلاً وديناميكيا في الأزمة الليبية، وقادرة على بعث رسائل للداخل والخارج لوضع حد للتدخلات الأجنبية نظرًا لمكانتها الإقليمية والدولية. ووصف ممثل حكومة الوفاق، اللواء المتقاعد خليفة حفتر "بالمجرم والإنقلابي"، داعيًا كل الأطراف الفاعلة إلى إبعاده عن الساحة السياسية، خاصة بعد العدوان على العاصمة طرابلس، الذي خلف عشرات القتلى. وتأسف المسؤول الليبي، لدى تطرقه للحديث عن الموقف العربي تجاه بلده، حين قال إن الجامعة العربية تنام في سبات عميق وبعيدة كل البعد على ما يحدث في ليبيا، مؤكدًا في الوقت ذاته أن بلده يعول على نفسه ثم على المغرب العربي. أما عن جهود الأممالمتحدة، فقد أكد نائب المجلس الرئاسي، أن مجلس الأمن غير قادر على اتخاذ قرارات حاسمة تجاه ليبيا، مرجعًا ذلك لسياسات ومعادلات بعض الأطراف التي تتحكم في قراراتها. أما بخصوص الموقف الفرنسي، فقد نوّه "أحمد معيتيق"، أنه أضحى من الضروري على باريس أن تزيل الغموض عن موقفها، وعليها أن تسمي الأسماء بمسمياتها، لأن حفتر لم يعد شريكًا بعد الآن.
بداية سيادة النائب نشكرك على تلبية الدعوة والقبول بمشاركتنا في هذا الحوار. حبذا لو نبدأ أولا بالحديث عن ما تمر به ليبيا في الوقت الحالي، ما هي آخر مستجدات الأزمة الليبية؟
- أحمد معيتيق: بطبيعة الحال كلنا نعرف ما قامت به منذ أكثر من أسبوعين، قوات تابعة لحفتر، بشن عدوان على العاصمة طرابلس، وفجئنا بخطاب هذا الرجل، حين قال إن العاصمة الليبية تحت سيطرة ميليشيات إرهابية. وكما تعرفون فإن حكومة الوفاق هي الحكومة الرسمية للدولة الليبية التي تكافح الإرهاب منذ تأسيسها بالتوافق بين الليبيين، وذلك لبناء المؤسسات وتوحيد الجوانب المالية والاقتصادية والعسكرية، والحمد لله، في خلال ال 3 سنوات الماضية نجحنا في هذا الموضوع إلى حد كبير جدًا، خاصة من خلال معدل نمو الاقتصاد، والدخل الأساسي في تحسن ملحوظ، والميزانية دخلت مرحلة التنمية والبناء. أما بخصوص الإرهاب أو ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية، الذي كان موجودًا في مدينة سرت فقد أصبح من الماضي، زد على ذلك أنه في فترة وجيزة، وخلال العدوان على العاصمة، كان هناك تطلع لتنظيم يوم وطني ستستضيفه مدينة غدامس. هذا المؤتمر كنا عاقدين العزم للعمل عليه لكي يصلح أمور كثيرة في ليبيا، وننتهي إلى حكومة وطنية، وتنتهي من خلالها كل الأزمات ومشاكل المرحلة الماضية، وبعض الخلافات في الكثير من الأمور التي تخص المنطقة الشرقية بالدرجة الأولى، ولكن مع الأسف قام السيد حفتر بالهجوم على مدينة طرابلس، تصدت لها قواتنا، وردت عليها الحكومة بهجومات مماثلة، وهي رسائل وجهناها لحفتر مفادها أنه لا يستطيع الدخول إلى طرابلس، بالرغم من أننا نبحث عن وفاق وطني، وهذا لا يعني ضعفًا منا، ولكن كقوة موجود في طرابلس، ومستعدون لدحره وإرجاعه من حيث أتى وفعلنا ذلك، حيث أخرجناه من جزء كبير من محيط العاصمة، لكن في الوقت نفسه كنا نريد أن يسود الوفاق بين الليبيين وأن تعود الأمور إلى مجراها، ولكن هذا الرجل يريد بعثرت كل شيء. ولهذا، فإن حفتر اليوم، أصبح عدوا، وشريكا غير مجدي، ويجب إبعاده عن الساحة السياسية والعسكرية في ليبيا.
* خلال الزيارة التي قادتكم إلى الجزائر، كنتم قد التقيتم بشكل منفصل كل من رئيس الدولة عبد القادر بن صالح ووزير الخارجية صبري بوقادوم.. ما الذي تناولتموه في هذا اللقاء؟، وما هي أهم القضايا التي تطرقتم إليها سواء إقليميًا أو دوليًا؟
- طبعًا في البداية، أنا سعيد جدًا بأن أرى الجزائر في صحة وعافية من الناحية السياسية، نحن في ليبيا دولة وشعبًا نعول كثيرًا على وعي وحضارة الشعب الجزائري في التعامل مع الأزمة التي تمر بها الجزائر. صحيح أن هذه الأزمة صعبة ومرحلة حساسة وتاريخية بالنسبة للجزائر، لكنني أعتقد أن هذه الدولة تمتلك الكثير من القدرات السياسية ورجال الدولة القادرين على تسيير هذه المرحلة، ووعي الشباب الجزائري، وهذه فئة أنا شخصيًا أفتخر بالانتماء إليها، شباب هذا البلد يمتلك وعيا كبيرا، وأصبح يعي جيدًا أن بناء الدولة لا يتم عن طريق الفوضى أو تهديم البنية التحتية للدولة. الجزائر تمتلك مقومات كبيرة، وشعبها متعلم، وله تاريخ ثوري كبير، وحضارة عريقة، وليس من السهل أن ينسى كل هذه المكتسبات التاريخية. بخصوص لقاء مع السيد رئيس الدولة، تطرقنا للحديث عن الأمن في ليبيا، والاختراقات التي قام بها حفتر، عن طريق محاولة الانقلاب التي أراد القيام به مؤخرًا، بالإضافة إلى ذلك تكلمنا عن دور الجزائر المحوري والذي نتطلع إليه مع الجارة الجزائرية، والعلاقة التاريخية التي تجمع بين الشعبيين الشقيقيين. رئيس الدولة أكد لي أن الجزائر حكومة وشعبًا ورئاسة في مقدمة الداعميين لليبيا، وهي أيضا تبحث معها عن الأمن والاستقرار وتود أن تنتهي هذه الحروب والمناكفات. الجزائر داعمة للشرعية في ليبيا، وتأمل من خلال ذلك أن ترسخ ليبيا دولة الديمقراطية والمؤسسات والدستور، وهذه الأشياء لا يمكن التنازل عنها. كذلك مدنية الدولة وعدم وجود جسم عسكري فوق جسم مدني، وهذا مرفوض جملةً وتفصيلًا، وهو من رأي أيضا السيد بن صالح الذي عبّر عن دعمه لهذا الطرح المتمثل في تجسيد إجراءات مدنية الدولة ما فوق الإجراءات العسكرية. أما من جانب وزير الخارجية، السيد صبري بوقادوم، فقد أكد دعم الجزائر للشرعية في ليبيا في كل المحافل الدولية والاستقرار في ليبيا، كما شدد على عدم الانقسامات داخل ليبيا، لأن إرادة الجزائر تكمن في رؤية ليبيا دولة واحدة وموحدة وبجميع أطرافها الفاعلة. تطرقنا أيضا للحديث عن دور بعض الأطراف التي تلعب دورًا غير إيجابي على الساحة الليبية، وعلى هذه الأطراف أن تعرف بأن الجزائر حاضرة وبقوة في الملف الليبي.
* كيف تصفون الدور الذي لعبته الجزائر في ليبيا منذ بداية الأزمة، مقارنة مع أدوار إقليمية أخرى؟
- بطبيعة الحال تجمعنا بالجزائر علاقات تاريخية كبيرة، ونشترك في حدود طولها بحوالي 1000 كلم. لا يجب أن ننسى بأن الجزائر لها بعد تاريخي في ليبيا، والشيء نفسه بالنسبة لليبيا، وبالتالي الدور الجزائري محوري، وتعد من الدول القلائل التي تستطيع إعادة المشهد الليبي وفهم الشعب الليبي، وقادرة على أن تبعث برسالة بأن التدخلات الأجنبية في ليبيا غير مرحب بها، والحل يكون بين الليبيين وإبعاد الأطراف التي تريد تمديد الصراع وتعقيد الأزمة في ليبيا، وبث الفرقة بين أبناء الشعب الواحد.
* قبل زيارتكم للجزائر، كانت لديكم زيارة للشقيقة تونس، التقيتم خلالها برئيس الجمهورية التونسي ورئيس حكومته، وبعد لقائك برئيسي البلدين، هل تعتقدون أن الموقف الجزائريوالتونسي متقاربين ولهما الرؤية نفسها تجاه الأزمة في ليبيا؟
- بالفعل هناك تقارب كبير جدًا في وجهات النظر بين البلدين، التمست من خلال لقائي بالرئيس التونسي أنه كان صريحًا وواضحًا جدًا، أكدنا على مدنية الدولة وبالنسبة لعسكرة الدولة لا يمكن الرجوع للخلف إنتهى، نحن نبحث عن دولة مدنية يسودها القانون والدستور ونذهب لانتخابات حتى يكون الشعب الليبي له الحرية في اختيار من يقوده، وهي وجهة النظر نفسها بالنسبة للأخوة في الجزائر. نعرف جيدًا أن المرحلة التي تمر بها الجزائر ليس سهلة، لكن الدور الجزائري موجود، وأنا سعيد جدًا أن أرى الأمن داخل الدولة موجود وبقوة، وهذا في أحسن الظروف، وأن الدولة الجزائرية قادرة على أن تبعث برسائل للداخل والخارج في كل ما يخص ليبيا.
* بخصوص الاتهامات التي وجهتموها لباريس، وذلك بعد تدعيمها لحفتر عسكريا، قمت بعدها بتوقيف التعاون الأمني معها. هل تعتقدون بأن هذه الخطوة من شأنها أن تضع حدًا لتدخل الإليزيه في ليبيا؟
- بالتأكيد هناك نوع من الغموض في وجهة النظر الفرنسية فيما يخص حفتر، ورأينا كيف كانت باريس تعمل على خلق نوع من التقارب بين المجلس الرئاسي وحفتر، نحن من جهتنا لا نرى أن هذا الدور بإمكانه أن يستمر إيجابيًا، لأن حفتر الآن أصبح مجرمًا، وعلى باريس أن تسمي الأسماء بمسمياتها، هناك جسم معتدي على حكومة شرعية في طرابلس.
*هل نفهم من كلامكم هذا أن باريس تقف كعقبة أمام حلحلة الأزمة الليبية؟
- أنا لا أعتقد أن باريس تتعامل مع الأزمة الليبية بحيادية، هذه هي المشكلة.
* كيف تقرؤون المواقف العربية تجاه الملف الليبي؟
-شخصيًا لا أرى هناك موقف عربي، ما أراه أن الجامعة العربية في سبات عميق، هل يعقل أن الاتحاد الأوروبي يصدر بيانات يندد فيها بالهجوم على طرابلس، في المقابل نرى الجامعة العربية غير قادرة حتى على تنظيم اجتماع، هذا الكلام غير معقول. نحن يجب أن نعول على المغرب العربي، نعول على أنفسنا، أما الجامعة العربية ندعها في اجتماعاتها الخاوية وهي لا تنفع بشيء.
* ماذا عن المواقف الغربية، بالرغم من تدخلاتها الواضحة في المنطقة، هل لعبت دورًا في إيجاد حلول للأزمة، أم أن مواقفها أزّمت الوضع في الداخل خاصة بعد تضارب مصالحها؟
- نحن نرى أن بعض الدول الغربية أصبح لها موقف واضح تجاه الأزمة، على غرار ألمانيا التي طالبت بموقف وأدانت العدوان، كذلك بريطانيا وإيطاليا، وبالتالي هناك تجمع أوروبي جيد جدًا، ويرى الأمور من منظور واقعي وحقيقي أفضل منه عربي، الفرنسيون أيضا لهم موقف وقد أشرنا له في السابق، ولكن نحن نعوّل على قدرتنا كليبيين، وقدرة الشعب الليبي على حلحلة أزمته وقضيته. أعتقد أن المجتمع الدولي خذل الليبيين في بداية الأزمة، ويجب علينا عدم الاعتماد عليه كثيرًا في حل أزمتنا.
* كيف تقيّمون القرارات التي تتخذها الأممالمتحدة تجاه بلدكم؟
- هناك عدم رؤية واضحة لما يصدره مجلس الأمن، هناك وضع ما بين الأطراف السياسية ومعادلات سياسية تحكمها مواقف مجلس الأمن وليس ملف ليبيا فقط، وإنما هناك الكثير من الملفات، إلا أن ليبيا أصبحت جزءا من مجموعة مواضيع أخرى يبت فيها الشد والجذب والنقاش. أعتقد أن مجلس الأمن حاليًا غير قادر على اتخاذ مواقف واضحة فيما يخص ليبيا.
* هل نفهم من حديثكم أن سبب فشل 5 مبعوثين أمميين لليبيا هي قرارات الأممالمتحدة؟
المبعوث الدولي ليس وظيفته أن يحل الملف الليبي أبدًا، المبعوث الأممي هو مساند للحكومة في ليبيا، وهناك فرق كبير بخصوص هذا الجانب، هناك بعض الأطراف تحاول أن تسوق أن المبعوث الدولي هو وسيط أو هو الطرف الذي يحاول حلحلة الملف، إلا أن مهمته الرئيسية مساندة الحكومة الشرعية في ليبيا. وعليه، أود أن أنوه هنا. إلى أننا ضد التدخلات الأجنبية، كما أود أن أشير إلى أن هناك أطراف تبحث عن حل في ليبيا بالطرح الداخلي، أي اتفاق الليبيين فيما بينهم دون تدخل أي طرف، وهناك أطراف تريد إدخال نفسها وتتدخل في التفاصيل في ليبيا، وهذا بطبيعة الحال غير مرحب به.
* كلمة أخيرة؟
نشكر الدولة الجزائرية حكومة وشعبًا على دعمها ومساندتها للحكومة الشرعية في ليبيا، ونثمن دورها الفعال في المنطقة ككل، ونأمل أن نتوصل عن طريق جهودها المبذولة لحل سياسي يمكنه أن يخرج ليبيا كلها من دوامة الحرب وعودة الأمن والاستقرار لكل المنطقة، والشروع في بناء مغرب عربي قوي.