لا شك أن نجاح أي حركة سياسية أو دعوية مرتهن أساسا بدواعي ظهورها، والظروف المرافقة له، والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها؛ وبالنظر إلى كل هذا يمكن الحكم على الخطوة التي خطاها المنشقون عن حركة مجتمع السلم (حمس) بتأسيس حركة الدعوة والتغيير (حدة) بأنها ولدت ميتة! فدواعي ظهورها كما هو بين من بيانها التأسيسي الذي نشرته الصحافة الوطنية مرتبطة بوضعية حركة حمس الداخلية؛ أي أن هذه الحركة الجديدة خرجت من كوة ضيقة، ورهنت مستقبلها بماضي حمس ومستقبلها؛ فهي من حيث تسعى للتأثير على حركة حمس جعلت نفسها من حيث تشعر أو لا تشعر تحت رحمة تأثير حمس!، ثم لا ريب أن الساحة الدعوية والسياسية أوسع بكثير من ساحة حمس، إذ ما هذه الأخيرة إلا تشكيل من تشكيلاتها، ولاعب من لاعبيها، ومن غير المعقول أن تنشأ حركة ''لسد الفراغ القائم في المجتمع'' كما عبر بيانها التأسيسي كرد فعل فقط لما يحدث في تنظيم من تنظيمات هذا المجتمع! ثم إن الظروف التي جاء فيها الإعلان عن تأسيس هذه الحركة غير مساعدة البتة، فالظروف السياسية الجزائرية عامة، وظروف إسلامييها خاصة، ليست في حاجة لمزيد من الانشقاقات والشروخ بقدر ما هي في حاجة إلى توحيد الجهود، وتفعيل الطاقات، وتطوير الأداء، والعمل على الالتحام والتقارب، ولو في شكل ائتلافات وتحالفات لاستحالة وجود تنظيم جامع، لكن هذا ما لم يهتم له مؤسسو حركة الدعوة والتغيير (حدة) فزادوا انشقاقا إلى الانشقاقات، وشرخا إلى الشروخات!! هذه الصفة (صفة المنشقين) التي ستبقى ملاصقة لهم إذا قدر لهم الاستمرار، والتي ستكون مكبلا لهم عن التطور والتقدم، فالظروف الدعوية والسياسية للإسلاميين في غنى عن إنشاء تنظيم جديد يزاحم الموجود ولا يحقق المنشود!!! وهذه الحركة الجديدة (حركة حدة) بالنظر إلى كرونولوجيا الأحداث التي أدت إلى ظهورها، وتاريخ الشخصيات التي تقودها لا ينتظر منها أن تأتي بالجديد، خاصة في المجال الدعوي؛ إذ أن قادتها البارزين هم أنفسهم الذين كان لهم الدور الأكبر في تغليب الحزبي على الدعوي، والسياسي على التربوي في حركة حمس خلال السنوات الطويلة التي كانوا يتولون فيها توجيه دفتها، وحتى في المجال السياسي لا ينتظر منهم شيء؛ لأن هؤلاء القادة هم مهندسو ومنفذو سياسة المشاركة التي يعيبونها على زعيم حمس، فإذا كانوا يرون أن حمس قد ارتمت في أحضان السلطة ''وابتعدت عن المجتمع وقضاياه، وطغت عليها الأنانية والمصلحية، وتراجع سمتها التربوي''، فهم بلا أدنى شك يتحملون القسط الأكبر من المسؤولية في ذلك؛ لأن سنوات قيادتهم ل''حمس'' أطول بكثير من سنوات غيابهم عن هذه القيادة، فهم لم يتغيبوا عنها إلا بعد مؤتمر حمس الرابع. أما قبله فكانوا يحتلون مواقع قيادية هامة ومؤثرة، ويكفي أن السيد مناصرة كان نائبا لأبوجرة في العهدة السابقة ليتحمل معه نتائجها كلها سلبيات وإيجابيات، ولا ننسى أن وضع حمس الحالي ليس هو نتيجة لعهدة أبوجرة السابقة فقط، بل هو نتيجة لمسيرة حمس كلها من تأسيسها إلى يومها. ضف إلى ذلك أن حركة ''حدة'' الوليدة لا تبشر بجديد في الطرح السياسي؛ لأنه من المستبعد جدا أن تخرج عن نهج المشاركة إلى المعارضة، الأمر الذي يؤكده تصويتهم لصالح تعديل الدستور، ومساندتهم للرئيس بوتفليقة وتنشيطهم لحملته الانتخابية، فلا أدري فيما ستختلف حركة ''حدة'' عن حركة ''حمس'' سياسيا؟!!! كل هذا وغيره يجعلني أؤكد ما بدأت به من أن حركة الدعوة والتغيير(حدة) ولدت ميتة !!!!!