توقّع أحمد الدان، أحد الأعضاء المؤسسين لما يعرف ب "حركة الدعوة والتغيير"، وفاة حركة مجتمع السلم سياسيا إذا أبقت القيادة الحالية على ممارساتها التي أفقدت، وفق تقديره، حركة الشيخ محفوظ نحناح روحها بعد أن تحوّل الارتباط بها من ارتباط مبادئ إلى ارتباط مصالح، ونال أبو جرة سلطاني قسطا وفيرا من الاتهامات التي وجّهها له الدان في هذا الحوار الذي خص به "صوت الأحرار" عندما قال إنه تحوّل إلى مجرد موظف لدى الدولة وحاد عن الطريق الذي رسمه المؤسسون للحركة، مؤكدا في المقابل بأن ظهور حركة الدعوة والتغيير الذي يترأسها مصطفى بلمهدي جاءت بعد استنفذت كل مساعي الصلح وإصرار القيادة الحالية على ممارساتها. س: أحمد الدان من الوجوه المعروفة في حركة مجتمع السلم بمواقفها ضد رئيس حمس أبو جرة سلطاني، وقد أعلنتم في أكثر من مناسبة وقوفكم صراحة إلى جانب عبد المجيد مناصرة، لكن لماذا حركة الدعوة والتغيير في هذا الظرف بالذات؟ ج: قبل الخوض في الإجابة على هذا السؤال على السؤال، دعني أبدأ من زاوية أخرى أراها أكثر أهمية وهي: لماذا حركة الدعوة والتغيير؟، وعليه فإنني أقول بأنها حركة جزائرية أسّسها رفقاء الشيخ الراحل محفوظ نحناح على أساس مرجعيته ورؤيته للإسلام وللمواطن وللجزائر والأمة الإسلامية من منظور الواقعية والتدرج في عملية التغيير وعلى رأس هؤلاء المؤسسين يوجد الشيخ مصطفى بلمهدي الذي يعتبر الرجل الثالث بعد الشيخين الراحلين محفوظ نحناح وبوسليماني في تأسيس حركة الموحدين في الستينيات من القرن الماضي والتي تحوّلت فيما بعد إلى حركة المجتمع الإسلامي وإلى حركة مجتمع السلم حاليا، ولما انحرفت حمس عن مسار الشيخ نحناح أعيد تأسيس حركة الدعوة والتغيير. لقد اخترناها حركة الدعوة لأن الشيخ نحناح أقام كل العمل الإسلامي من خلال واجهات ومواضيع سياسية وفكرية واجتماعية وثقافية على أساس الدعوة لأنه كان داعية وأردنا بذلك أن تستمر رسالة الدعوة والدعاة كونها مرتبطة بالبعد الإسلامي والوطني والديمقراطي، وهذا ما يعني ممارسة العمل السياسي ضمن رؤية أخلاقية قيمية وإسلامية. أما فيما يتعلق بموضوع التغيير فقد وقع اختيارنا عليه لأن الحياة يجب أن تتغير وتتجدد نحو الأحسن فإذا لم تتغير نحو الأحسن فهي حتما ستتجه نحو الأسوأ كما حدث تماما في مؤسسات وأحزاب لم تستطع تغيير نفسها، وعلى هذا الأساس فإننا رأينا منكرا داخل حركة مجتمع السلم فأردنا تغييره، والمنكر الذي رأيناه له مراتب من خلال وجود تقصير في حق القيم التي تركها الشيخ الراحل محفوظ نحناح وتقصير في خدم المواطن وتقصير في الحفاظ على هيبة الحركة، ولهذا فبمجرد أن أعلنا التغيير سار وراءنا الآلاف من الثابتين على خط الشيخ الراحل. س: لكن ألا تعتقدون بأنكم تسرّعتم في إعلان الطلاق نهائيا مع الحركة التي خدمتموها لسنوات، أملم تكن هناك خيارات أخرى غير هذه من قبيل المصالحة أو إحداث التغيير من الداخل؟ ج: لا، نحن لم نستعجل البتة بدليل أننا لم نجعل خطوة الانفصال هي الأولى، فقد حاولنا الإصلاح من الداخل لأكثر من خمس سنوات، ثم كرّرنا الأمر لسنة أخرى بعد المؤتمر الرابع حيث تدخلت الكثير من الجهات المحبة للإصلاح والخير من الداخل والخارج ولكن رئاسة حركة مجتمع السلم (سلطاني) كانت تتلاعب وتعطي الوعود بالإصلاح ثم تخلف وعودها، بل أكثر من ذلك فإن القيادة الحالية ذهبت إلى حد تغيير القانون الأساسي للحركة الذي أطّره المؤتمر ولا يمكن تغييره سوى في المؤتمر وبالتالي فإن التلاعب وصل حتى النصوص التي تسيّر الحركة. لقد انتظرنا كثيرا ولما جاء الوقت اللازم لإعلان تأسيس الحركة أسّسنا حركة الدعوة والتغيير التي تقوم على قيم الشيخ محفوظ نحناح وننتظر أن تتطوّر هذه الحركة لتكون في مستوى الأداء الذي كان يؤديه الشيخ الراحل في الجزائر، وإجابة على سؤالكم أقول بأننا فعلا تأخّرنا في تأسيس هذا الإطار قبل هذا التاريخ. س: هناك قراءات تشير إلى أن فرصة ما يسمى ب "تيار التغيير" الذي كان يقوده مناصرة قد ضاعت خلال المؤتمر الرابع عندما تراجع في نهاية المطاق وتنازل عن الترشح فاسحا الطريق أمام سلطاني للبقاء في رئاسة حمس، ألم ينتبكم الندم بعد ما حصل مباشرة عقب هذا المؤتمر؟ ج: قد نندم فعلا عندما نعطي أشياء ثمينة لمن لا يستحقها وهو ما حدث في المؤتمر الرابع للحركة لأننا تنازلنا في نهاية المطاف وهو ما تحوّل في ذهن البعض إلى قراءته على أنه ضعف، وهناك من يبالغ ويقول بأن أنصار التغيير بهذه الخطوة قد قرّروا الاستسلام، وبالتالي لم نندم على التنازل الذي قدمناه وقد شهد إخواننا المناضلون بأن التعطيل الذي حصل في المؤتمر كان بسبب تجاوزات كثيرة مارسها رئيس الحركة ففتح الطريق أمام المؤتمر لإنهاء الأشغال. س: ماذا لو أتيحت لمؤسسي حركة الدعوة والتغيير فرصة أخرى للمصالحة والعودة إلى صفوف حركة مجتمع السلم، ما هي الحدود التي تقبل بها جماعة بلمهدي إن كانت هناك نية طبعا للعودة خاصة وأن جماعة سلطاني اتهمتكم بعرقلة مساعي الصلح والخروج عن بيت الطاعة؟ ج: نعتقد أن المصالحة والتصالح كان لهما فرصة لمدة سنة كاملة لم تستغل خلالها مبادرات المصالحة الداخلية والخارجية وذلك لاعتقاد هذا الطرف (جماعة سلطاني) بأنه بتحكمه في الأختام والأوراق يستطيع التحكم في القلوب والأشخاص، ولاعتقاده أيضا بأن المساحة أمام التغيير ضئيلة أو قليلة وهذا هو الخطأ الكبير الذي وقعت فيه القيادة الحالية لحركة مجتمع السلم، وأكثر من ذلك فإنها وقعت في أخطاء أخرى عندما جمّدت مكتبين ولائيين في أدرار وباتنة لمجرد اختلاف في وجهات النظر في وقت كانت القيادات الميدانية بالولايات تؤدي واجبها كما ينبغي تجاه الحركة ولم يكن من حق أي كان خاصة في فترة الادعاء بالمصالحة أن يجمّد مكاتب ولايات كبرى وتفصل كتلة برلمانية فيها 30 نائبا، ولهذا فإن من يتحدث عن الخير ليس بالضرورة يفعل الخير ومن يتحدث عن المصالحة ليس بالضرورة أيضا بأنه يمارس المصالحة. والواقع أنه في حركة مجتمع السلم أصبحت كل الأبواب تغلق أمام المبادرات التي تخدم مصلحة ووحدة الحركة، واتجهت القيادة الحالية نحو الاستحواذ والاستغلال غير المشروع وغير النضالي للقيمة التاريخية للحركة التي تركها الشيخ محفوظ نحناح باسمه ومرجعيته، وهذا ما معناه أن هذه القيادة ورثت جوهرا نفيسا من القيم ولم تستطع الحفاظ عليه، ولذلك فإن الحديث عن المصالحة الآن يعتبر مثل بكاء آخر ملوك بني الأحمر عند خروجه من غرناطة. س: الغريب في مطالبكم أنها غالبا ما انحصرت على الحقيبة الوزارية التي يشغلها أبو جرة سلطاني منذ حوالي ثلاث سنوات، هل لذلك علاقة بسياسة حمس في المشاركة في السلطة وكذا التحالف الرئاسي، رغم أن الشيخ الراحل محفوظ نحناح هو من قرّر المشاركة في السلطة؟ ج: مشاركة حمس في السلطة هي مشاركة سياسية صنعها الإطارات الموجودون حاليا في حركة الدعوة والتغيير، ولكن ما لم نتفق عليه هو تشويه الدولة الجزائرية واستغلال المنصب لأغراض أخرى غير خدمة المواطن وأهداف الحركة، وتحوّل رئيس حركة مجتمع السلم إلى موظف في حكومة يرأسها رئيس حزب آخر، بالإضافة إلى عدم وجود مرجعية الشيخ الراحل محفوظ نحناح في المشاركة التي تقوم على أساس القول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت. لقد غاب البعد الإسلامي في العمل السياسي لحركة مجتمع السلم، وتطور الأمر إلى حد ظهور عقلية الصراع على المناصب وشراء الذمم، كل هذه العوامل دفتنا إلى أن ننتفض ضد واقع يختلف تماما مع واقع أسس له الشيخ نحناح عليه رحمة الله. س: انطلاقا من هذه النقطة، ما هي قراءتكم لاستقالة سلطاني من الحكومة وهل تعتقدون بأنها جاءت بعد فوات الأوان؟ ج: استقالة سلطاني من الحكومة هي بالنسبة لنا لا حدث، بل إنها مثل من يقوم بأداء العمرة في موسم الحج أو لنقل إنها كمن يصلي النافلة بعد قيام صلاة الفريضة، ولتقريب الصورة أكثر نقول إنها مثل الذي يصوم التطوع في شهر رمضان، وهو ما يبطل فيه التطوع كما يبطل الصيام. س: الأكيد أن الخطوة المقبلة لمؤسسي حركة الدعوة والتغيير هي الذهاب نحو تأسيس حزب سياسي، وبالمقاييس الجزائرية الحالية من المستبعد الحصول على اعتماد من وزارة الداخلية، هل قدّمت لكم ضمانات في هذا الإطار؟ ج: هناك ضمان أول يتعلق بحرية وحق المشاركة في العمل النضالي وخدمة التنمية الوطنية المكفولة لكل المواطنين، أما الضمان الثاني فهو انتشارنا في 48 ولاية من الوطن وفي الجالية، ولدينا مؤسسات منتخبة محلية ووطنية تمثل واقعا ملموسا لا يستطيع أحد أن يتجاوزه، وقد بدأنا في تأسيس هياكل ولائية وفي كل البلديات ونعتقد بأن الواقع هو الذي سيثبت أحقية ودور حركة الدعوة والتغيير في المساهمة الإيجابية في التكفل بانشغالات المواطنين وترقية المصالحة الوطنية والفعل السياسي والاجتماعي، وفي هذا الأمر نمتلك رصيدا كبيرا من النضال حيث يقودنا بلمهدي الذي بدأ ممارسة النضال الإسلامي منذ 1964 وأسّس حركة المجتمع الإسلامي ثم حمس على أساس لبنة بلبنة وهي الحركة التي لم يلتحق بها سلطاني إلا في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي. نحن الآن لسنا حزبا سياسيا كما أننا لسنا جمعية خيرية وإنما حركة تحمل روح القيم الإسلامية في تطوير وترقية الممارسة النضالية والدعوية في المجتمع، فالنضال ليس سياسيا فقط ولكن الهدف من هذه الحركة هو إعادة تفعيل البعد الدعوي وتغيير أخطاء الفعل السياسي الموروث خلال العشرين سنة الأخيرة، وسنتعاون مع كل الخيّرين والمخلصين في هذا الوطن لأن حركتنا مفتوحة لكل المواطنين. فأغلب إطاراتنا شباب كما تمثل المرأة نسبة محترمة من مناضلينا وقيادتنا، وبالتالي فإننا نمتلك الشريحتين القويتين في المجتمع، وعليه هدفنا لا يستهدف العملية السياسية فسحب ولكن هناك صورة دعوية تغييرية تمس المواطن الجزائري، فنحن نريد التحرك داخل المجتمع وليس داخل أجهزة السلطة فحسب لأننا نريد أن نمارس السياسة الطاهرة وليس السياسة التي تكون فيها الوعود الكاذبة. س: تقديرات القيادة الحالية لحركة مجتمع السلم حصرت نسبة المنضمين إليكم من مناضلي حمس في 3 بالمائة، ما تعليقكم على ذلك؟ ج: إذا كنا حقيقة لا نمثل سوى 3 بالمائة من مناضلي حمس كما يقولون فلماذا ينزعجون منا، وإذا كان عددنا بالآلاف ولا نمثل سوى 3 بالمائة وهم لهم 97 بالمائة فإننا لم نشاهد ذلك في القاعات خلال التجمعات التي نشطها أبو جرة سلطاني في الرئاسيات الأخيرة وهذا في حد ذاته مؤشر على أن 97 بالمائة الباقية غير راضية على القيادة الحالية لحركة مجتمع السلم. ودعوني هنا أن أكذّب بشكل قطعي وجازم الرقم الذي قدمه سلطاني الذي أعتبره دليلا آخر على عدم الصدق في نية المصالحة لأن أكثر من 50 بالمائة من نواب الحركة في البرلمان استقالوا واليوم (أمس) بدأت حملة الاستقالات للمنتخبين المحليين، فإذا كان 30 نائبا هم 3 بالمائة التي يتحدث عنها سلطاني فإن ذلك يعني بأن الحركة تمتلك البرلمان بكامله..، وأؤكد بالمناسبة بأننا تجاوزنا في المرحلة الأولى عتبة 50 بالمائة من أبناء الحركة وخلال الأيام القادمة ستفتح حركة الدعوة والتغيير أمام المواطن الذي نريد أن نعيد له شرف الحركة التي تركها الشيخ محفوظ نحناح، هذه الحركة التي أحبّها كل الجزائريين. س: في الأخير، ما هي القراءة التي تقدمونها بشأن مستقبل حركة مجتمع السلم في خضم الظروف الحالية التي تمرّ بها، وأي مستقبل ترونه لرئيس الحركة الذي يبقى خصمكم اللدود؟ * إن حمس فيها الكثير من الرجال الصادقين الذي سيلتحقون بحركة الدعوة والتغيير بعد أن فقد جسم حركة مجتمع السلم روحه المتمثلة في مرجعية الشيخ نحناح، فالحركة الآن ماتت سياسيا إذا استمرت في نفس السير الذي يرى بموجبه بعض قيادات حمس الأخطاء واضحة ويقرّون بها ثم لا يصحّحونها ولا يغادرونها، وهذا يعني بأن الارتباط بها أصبح ارتباط مصالح وليس ارتباط مبادئ.