يكفي أي صوت انتخابي هاوي أن يلقي نظرة رديئة على ما عجت به الساحة السياسية من سفاسف متحرشين بسرير المرادية، حتى يقطع جازما ويقسم غير ناكث لهويته الجزائرية بأنه أمام احتمالين لا ثالث لهما، كانا السبب المباشر لما آل إليه حال وعقل هذا البلد وبين احتمال راجح على أن فيروسا غريبا تفاعل مع هوائنا ومائنا فكانت إصابتنا بأنفلونزا الجنون والمجنون الشامل قدرا محتوما، أو أن ما يجري مجرد مسرحية ضاحكة أبطالها من ورق مقوى تطوعوا عن حب مواطنة وحسن مجون لكي يشكّلوا ديكورا لبرنامج بهلواني موجه لجمهور المغبونين حتى يوفروا له حقا دستوريا في الضحك بكل شفافية وديمقراطية. بين هذا وذاك، فإن رئاسيات أفريل وأسماك ما بعد أفريل ملزمة بأن تجد لنا علاجا ولو سمكيا لتفسير خرجة من كان سند وذراع طالب الإبراهيمي الذي قرر التطبيع مع السياسة بحرق حقوله السابقة التي استزرع منها اسمه واسم زارعه الأول، ليدوس محمد السعيد في أول نطحة له على الإبراهيمي ذاته ويحاول أن يسقينا نبيذا مغشوشا عبر خطبة سياسية عرجاء، بعدما قدم نفسه على أنه وسط بين الجنة والنار وبين الكفر والإيمان وبين سعيد سعدي وبلحاج، وبعبارة أكثر سذاجة أراد زعيم حركة الحرية والعدل أن يذيع مروادا معاشر المصوتين أنه عادل مع الشيطان وعادل مع الإنسان، لينفي عنه في تصريح إعلامي شبهة تصنيفه في خانة الإسلاميين مع معرفتنا جميعا بأن محمد السعيد كان سعيد الحظ المقرب من الإبراهيمي الذي جمع قاعدة عباسي مدني تحت إبطه.. اللهم إلا إذا كانت توأمة المرشح الحالم للدكتور طالب أثناء غزواته وبعدها، لم تخرج عن دور طاهٍ أو حاجب باب وربما ساقي شاي كعادة النازلين من الجبل الذين غالبا ما يعترفون بأن دورهم في الجبل لم يتعد مهمة الغسيل ونشر الملابس وإطعام الأمراء بالإضافة إلى حراسة الكازمات. ومحمد السعيد الذي قال: أرفض تصنيفي ضمن التيار الإسلامي أو غيره من التيارات، أكد في نفس المنوال أنه ورث عرش الإبراهيمي وأن وعاء صاحبه هو وعاؤه ويقصد بالطبع قواعد عباسي وليس قواعد رضا مالك. وبين النقيضين يحق لأي أبله أن يستغرب ويستعجب ويسأل: لمن يقرأ زعيم حزب الحرية زابوره وعدالته، وإلى من يوجه رسالته التي جمع فيها نقيضين؟ يقر في أولهما بأنه بريء من قمصان الإسلاميين، ومن جهة أخرى يؤمم قاعدة إبراهيمي المعروف لون القميص الذي غطاه وزكاه ذات مقاطعة رئاسية.. مشكلة الساسة عندنا أنهم مصابون بداء النسيان أو التناسي وبين الدخول من الباب مع إظهار المفاتن والعيوب معا، أو القفز من النافذة في استغباء للمواطن الذي يملك ذاكرة الفيلة يكمن الإفلاس الكبير وتظهر المتاجرة بالمواقف والمناسبات لتسقط أوراق وتتعرى مواقف ويكتشف القابع في طابور قارورة غاز من الشتاء الفارط ومن عهد جدي وجد محمد السعيد، أنه ما يبقى في الواد غير أحجارو، وأن بعض الساسة يمكنهم أن يخدعوا بعض الناس لبعض الوقت لكنهم لن يستطيعوا أن يخدعوا كل الناس كل الوقت، والقاعدة تنطبق على المعارضة كما تنطبق على السلطة فمثلا، تابع جميع المغمورين والمكلومين والمغرمين بكيس حليب كيف جال وصال سعيد سعدي بين بقاع أمريكا وأوروبا طيلة عام كامل من البطوطية والتحليق لأجل المناداة والمرافعة لهدف واحد متمثل في فرض مطلب حضور مراقبين دوليين للرئاسيات، وحينما توافقت رغبة سعدي مع رغبة السلطة ورحبت السلطة بالفكرة وبالمراقبين جاء رد سعدي غاضبا ومقاطعا والخاسر كان سعدي ذاته، ليس لأنه قاطع الانتخابات ولكن لأن فاتورة تنقله من العاصمة إلى أمريكا مرورا بأوروبا من أجل الخواء كانت تكفي لإطعام عشرة فقراء من تيزي وز وبجاية وبريان حتى يزيد عدد المقتنعين بدكتورة الطبيب الطائر.. حال سعدي كحال محمد السعيد وحال عبد الله جاب الله الذي تزامن عفوه الرئاسي على خصومه في الإصلاح مع موعد الرئاسيات بالذات، ورغم ذلك فإن العفو كان لوجه الله وجاب الله لا يبغي منه ثوابا ولا إصلاحا والتصريح للشيخ الذي تبضع في سوق لا نعلم موقعه والهدف منه مادام غير معني بالرئاسيات، والمهم أن هؤلاء وغيرهم اغترفوا من إناء المعارضة الشرسة للسلطة مواقف وغزوات لكنهم مع كل نهاية جولة يعودون عراة بسبب حقيقتهم وتوهمهم بأن المواطن واهم وأبله ولايزال مغرما بالأفلأم الهندية وهذا طاير من باطيمة.. وهذاك طايح من طيارة.. وفي النهاية الخاسر الأكبر في المكيجة والتقنع وارتداء برانيس البطولة ليست المعارضة، والكاسب ليست السلطة التي أفلحت في تتفيه المعارضة الجادة لتجد نفسها في ورطة البحث عن منافس أو منافسين محترمين يمكنهم أن يعطوا مصداقية للانتخابات، لتبقى اللعبة الديمقراطية هي المتضررة بعدما انتهى وجودها إلى خيار ديمقراطي مغلق مفاده لو علمتم الغيب لأخترتم الواقع، وهو حال انتخابات اليوم بكل أسماكها وسلاحفها وفارس تحالفها الأوحد