مهددون بالسيدا والكبد الفيروسي يرفعون التحدي لرفع 800 ألف طن سنويا وشعارهم تحقيق جزائر نظيفة المتجول في شوارع العاصمة بمختلف أحيائها قد يلفت انتباهه في هذا الشهر على وجه الخصوص مشهد مشترك يرسمه ديكور أكوام متراصة من الأوساخ المنتشرة والموزعة في كل جانب أوشارع، هي صور بعيدة كل البعد عن مشهد حضاري نظيف· وغالبا ما توجه أصابع الاتهام إلى مؤسسة ”نات كوم” التي تتهم بالتقصير ومعها عمالها بصفتهم حسب عامة الشعب المسؤولين عن الأوساخ رغم أن الواقع يؤكد أن المسؤول الأول هوالمواطن بالدرجة الأولى، وإن كانت مؤسسة ”نات كوم” التي تغطي 28 بلدية ب5700 عون نظافة رفعت شعار التحدي من أجل الوصول إلى هدف الجزائر نظيفة، فإن معاناة أعوانها المهددين بالموت بسبب أمراض وأوبئة تنقل إليهم عبر أكياس النفايات تبقى بعيدة عن أعين السلطة التي مازالت تهمش هذه الفئة رغم أهمية عملها· تخيلوا إن توقفت عملية رفع الفضلات يوما أويومين، إنها الكارثة إذ ستغرق العاصمة بما فيها الأحياء الشعبية والراقية في النفايات· هذا الافتراض يؤكد على أهمية الدور الذي يقوم به 5700 عون نظافة تابعين لمؤسسة ”نات كوم” عبر 28 بلدية، شعارها خبزة حلال وتحدٍ من أجل تنظيف شوارع العاصمة· غير أن المهمة ليست سهلة حسب ما أكده لنا العديد من أعوان النظافة الذين التقيناهم خلال جولتنا الاستطلاعية هذه ، قررنا الدخول في عالمهم· عمال ”نات كوم” يضحون بعطلهم ··· ويفطرون وسط القمامات في وقت تجتمع فيه أغلب العائلات الجزائرية حول مائدة الإفطار ساعة أوأقل تشتم رائحة أشهى الأطباق التي حضرت، نجد بعيدا عن هذه الأجواء رجالا مجندين للسهر على راحة الناس وتأمين محيطهم من روائح كريهة ومناظر مشمئزة· إنهم عمال ”نات كوم” الذين يشتمون قبل الإفطار روائح كريهة ويفطرون أحيانا وسط القمامات لأن تكليفهم بمناوبات خاصة خلال الشهر الكريم وتحديد وقت خروج دوريات النظافة من الساعة الخامسة والنصف مساء إلى انتهاء المهمة يجعل أغلبهم يفطرون وسط النفايات لعدم الانتهاء من رفع القمامات قبل ذلك، خاصة بالنسبة للعمال الذين يقطنون بعيدا عن أماكن العمل، فالمهمة ليست بالسهلة ورفع ما يزيد على 300 طن يوميا ليس بالأمر الهين· ورغم جهود إدارة المؤسسة بتوزيع 2000 وجبة ساخنة يوميا لعمّالها المتواجدين في الميدان وقت الإفطار، إلا أن هذا لا يكفيهم الشعور بطعم الإفطار بين أحضان العائلة وهوأهم ما يميز إفطار رمضان· هذه التضحية قد لا تظهر للمواطن الذي لا يعبء باستعمال أكياس خاصة لحمل النفايات ويلقيها في أكياس تجارية تزيد من صعوبة مهمة عمال ”نات كوم” بالنظر لسهولة إتلافها وانتشار قاذوراتها دون التفكير فيما يزيد من عنائه رغم أن مهمته حسب القانون رفع النفايات وليس تجميعها من هنا وهناك ناهيك عن مشكل الرمي العشوائي للفضلات وعدم احترام الأوقات المحددة لتسهيل عمل أعوان ”نات كوم” وضمان بقاء الأحياء والشوارع نظيفة خصوصا في فترات النهار· يقول مدير وحدة سيدي امحمد في هذا السياق إن وعي المواطنين يشكل 50 بالمائة من عمل أعوان ”نات كوم”· وغير بعيد عن التضحية بجوالعائلة في رمضان فإن تأمين شوارع نظيفة استلزم من عمال ”نات كوم” من أعوان وإدارة التخلي عن العطلة السنوية التي قررت الإدارة أن تبقيها مفتوحة على مدار السنة من أجل ضمان سيرورة العمل دون تذبذب، بل إن جل العمال أجلوا عطلتهم إلى ما بعد رمضان تحسبا لعدم تسجيل أي خلل خلال موسم الاصطياف وفي شهر رمضان باعتبارها الفصول الأكثر كثافة من ناحية رفع النفايات المنزلية· بعد الإفطار مهمة أخرى في شوارع العاصمة ساعات قليلة بعد الإفطار تعلن شاحنات ”نات كوم” حالة الطوارئ، عمالها يرفعون شعار المؤسسة من أجل ضمان جزائر نظيفة ويجندون لضمان راحة مواطنين يرغبون في سهرة هنيئة أو مصلين يبحثون بعد التراويح عن أجواء نقية· يتجند عمال ”نات كوم” في حدود الساعة العاشرة والنصف ليلا حتى الثانية صباحا في فرق ليلية بحثا عن فضلات وأكياس قمامة موزعة في مناطق عشوائية، بالإضافة إلى المساحات والشوارع التي كان أعوان ”نات كوم” مكلفين بتنظيفها في الأيام العادية سيقومون خلال شهر رمضان بتنظيف المناطق المحيطة بالمساجد والأسواق ثلاث مرات في اليوم، ناهيك عن المناطق السياحية والأماكن العمومية التي غالبا ما تكون بعد الإفطار· الأسواق الفوضيية نقاط سوداء بالنسبة إلى ”نات كوم” تشكل فضلات الأسواق الفوضوية أو تجار الأرصفة أكبر هاجس لدى عمال”نات كوم” الذين يرفعون فيها ما يزيد على 20 طنا يوميا، ويبقى الرمي العشوائي أكبر من الجهود التي تبذلها مؤسسة فنات كومف وإمكانياتها وكذا الأمر نفسه بالنسبة للمصالح البلدية· فالمشكل يكمن في فالعقلياتف وتصرف بعض التجار الذين يهتمون فقط ببيع منتوجاتهم والتخلص من فضلاتهم بدل جمعها في مكان واحد لتسهيل عمل أعوان النظافة خاصة العلب الكبيرة وأكياس الملابس، ناهيك عن فضلات الخضر والفواكه التي كثيرا ما تتعفن نظرا لدرجة الحرارة· ويجد أعوان النظافة صعوبة كبيرة في اختراق هذه الأسواق وتنظيفها· وقد أوضح المدير التقني لمؤسسة ”نات كوم” في هذا السياق أن من بين الأسواق التي تشكل نقاطا سوداء في عملهم هي سوق باش جراح والجرف وسوريكال وميسوني ··· إذ أجبرت مؤسسة ”نات كوم” بالنظر لحجم النفايات التي ترمى هناك إلى مضاعفة جهودها وتكثيف عملها 3 مرات يوميا حسب خصوصية السوق والاعتماد على وحدات دعم تضم 1200 عون، إضافة إلى رفع عدد المناوبات الليلية· مع العلم أن تغطية مؤسسة ”نات كوم” في هذه المناطق بلغت 80 بالمائة، حسب المتحدث الذي أضاف أن تغطية المؤسسة تكون وفق دراسة تقنية دقيقة لعدد السكان والمناطق السوداء الأكثر انتشارا للفضلات، وبناء على ذلك تحدد إستراتيجية العمل· أطنان النفايات تنقل مرض الكبد الفيروسي والسيدا وبول الفئران قاتل حقن ترمى عشوائيا تتسبب في حوالي 20 بالمائة من الإصابات، رغم تأكيد المدير التقني، ميشاب رشيد، على أن المؤسسة تضمن كافة الوسائل المتاحة للعمل من قفازات وألبسة خاصة توزع ثلاث مرات في السنة، غير أن الواقع يعكس غير ذلك إذ إن جل عمال ”نات كوم” يرفعون أطنانا من القمامات قدرت حسب المدير القتني بما يزيد على 2 طن يوميا دون قفازات واقية من مخاطر ما تحمله أكياس القمامات التي لا يراعي فيها المواطنون خطورة رمي زجاج مكسر، أو ألواح خشبية وحتى حجارة في بعض الأحيان· وأرجع العمال عدم استخدام هذه القفازات الإجبارية لعدم ملاءمتها فهي تسبب حرارة شديدة في الصيف، الأمر الذي اضطر بعضهم إلى شرائها من جيوبهم الخاصة بمبلغ 1500 دج، وعن المخاطر الصحية التي تهدد أعوان ”نات كوم” تقول السيدة مهدي ليلى مكونة في الوقاية من الأخطار المهنية ومكلفة بطب العمل، إن مخاطر صحية وأمراضا جلدية وتنفسية تنقل إليهم عبر سلل الفضلات فالموبوءةف ويتصدرها خطر الإصابات بالسيدا والكبد الفيروسي نتيجة رمي مواد طبية ترمى بطريقة غير قانونية في المزابل، وأحيانا ينقلها العامل عبر قارورات الدم أو حتى الحقن، إذ إن حوالي 20 بالمائة من العمال يصابون نتيجة تعرضهم لحقن مسمومة، كما أن نسبة بين 15 إلى 20 في المائة تهدد العمال بالإصابة بمرض الكزاس· وحذرت المتحدثة من تجاوزات بعض العيادات الخاصة التي ترمي بمواد طبية خطيرة، إذ سبق أن سجلت إصابة 3 حالات نتيجة حملها أكياسا بها حقن بإحدى العيادات الطبية الخاصة في باب الوادي· وأوضحت المكلفة بطب العمل أن أعوان ”نات كوم” غير معنيين بحمل النفايات الطبية التي يعمد بعض الأطباء الخواص إلى دمجها مع نفايات منزلية، تهربا من دفع الضرائب الخاصة بضرورة حرق النفايات الطبية التي تهدد حياة أعوان النظافة· كما ذكرت محدثتنا أن أمراضا أخرى نقلت إليهم عبر قمامات غير مصنفة تحمل مختلف المواد الخاصة بالبناء والخشب·· جعلت العمال تحت رحمة أمراض نقلت إليهم عبر مسامير وزجاج مكسر وبقايا حمولات ثقلية تسببت في اعوجاج وآلام في الظهر··· كما أن الأخطر في كل هذا هو خطر الإصابة ب”ليبتوسبيروز” الذي يكون مآل صاحبه الموت وينقل إليه بسبب بول الفئران فوق النفايات، فإذا أقدم العامل بعد لمسه هذه الأماكن على الأكل أو الشرب أو التدخين فسيموت مباشرة· أعوان يدخلون الشوارع لتنظيفها فيخرجون موتى أو مكسورين يتعرض أعوان النظافة الذين يدخلون آمنين لتنظيف الشوارع لجملة من المخاطر التي يتسبب فيها المواطنون، فعدم الوعي والشعور بالمسؤولية تجاه عمال يسهرون على حماية وجه العاصمة ينتهي بمآسٍ· وكشفت السيدة مهدي ليلى أن عددا من العمال يواجهون مشاكل جمة أثناء أداء مهامهم إذ يتعرضون للضرب من قبل بعض المواطنين وهو ما حدث مع أحد الأعوان الذي تعرض لكسر في الرجل نتيجة الضرب بالحجارة من قبل صاحب ورشة صغيرة لبيع الكوكاو والحلويات الذي أجبر عامل ”نات كوم” على رفع أطنان من مادة الكاوكا ومن مصنع رغم أنها لا تدخل ضمن تصنيف نفايات منزلية، ولأن العامل رفض الأمر فقد تعرض للضرب فكسرت رجله، في حين أصيب آخر بحي أول ماي بكسر على مستوى اليد نتيجة ضربه من الشرفة بقارورة عصير زجاجية رميت بشكل عشوائي من شرفة العمارة· والأخطر من ذلك أن بعض الأعوان توفوا أثناء ممارسة مهامهم حيث توفي بين سنة 2002 و2009 حوالي 4 أعوان نتيجة حوادث مميتة وهو ما حدث مع أحد العمال الذي توفي ليلة عيد الفطر العام الماضي بعد أن صدمته سيارة من الخلف· وسجلت حالات مماثلة كالذي قطعت رجله بحي ديدوش مراد· نصف راتب عامل النظافة يذهب للأدوية يمثل عمال النظافة 30 بالمائة من مجموع عمال البلديات، وهي الفئة الأدنى أجرا والأسوأ وضعية، يواجهون الأخطار والأمراض ولم تتحرك الوصاية رغم النداءات المتكررة لتحسين وضعيتهم، وهم الذين يلعبون دورا محوريا في الحفاظ على البيئة· يتلقى عون النظافة أجرا قاعديا ب19000 دج مع زيادة للبعض بمنح العدوى والملابس·· غير أن هذا الراتب الزهيد قد لا يكفي إذ إن عامل ”نات كوم” يزور المستشفي 3 مرات شهريا نتيجة تعرضه للأخطار أثناء ممارسة المهنة، وتكلف الأدوية مبالغ باهظة· وأكد أحد العمال في هذا السياق التقيناه قرب سوق ميسوني أن نصف الشهرية تذهب لشراء أدوية متعلقة بالحساسية أو الإيكزيما·· التي تنقل إليهم نتيجة الاحتكاك الدائم بأكياس القمامة، مضيفا أن الراتب الذي يتلقاه عامل النظافة لا يساوي ربع الإهانة التي يتعرض لها ولا الأمراض التي تهدده· ما نقلناه هو جزء بسيط من معاناة 5700 عامل يتحملون الروائح الكريهة ويتحدون ثقل الحمولة لأن هدفهم الحفاظ على جمال المحيط· فالمواطنون يساهمون بنسبة 80 بالمائة من العمل في حال احترام أساليب رمي القمامات والاعتماد على أكياس بلاستيكية مهيأة دون التجارية مع تصنيف القمامات أو حتى الإشارة إلى وجود فضلات خطيرة أو ثقيلة بوضعها في أكياس خاصة، زيادة على الحفاظ على سلات رمي القمامات الموزعة واحترام أوقات رمي النفايات المنزلية التي تعد عاملا هاما في الحفاظ على نظافة الأحياء· كما يتعبر احترام عون النظافة للإجراءات الوقائية التي تعمل المدرسة التابعة للمؤسسة على تعليمها لهم،