السؤال الأول الذي يتبادر إلى ذهن القارئ، ما سر اختفاء رئيس جماعة الدعوة والتغيير مصطفى بن مهدي، في حزبكم الوليد جبهة التغيير الوطني؟ الشيخ مصطفى بلمهدي غير غائب وهو رئيس حركة الدعوة والتغيير· أما جبهة التغيير فليس لها رئيس، بل نحن مجموعة من المؤسسين ننسق مع بعضنا البعض وما أنا إلا متحدث باسم جبهة التغيير، غير المعتمدة وننتظر الضوء الأخضر من الداخلية لنباشر نشاطنا· بعد خروجكم من حمس، قلتم إنكم لن تؤسسوا حزبا وستكتفون بالعمل في الجانب الدعوي، فما الذي تغير الآن؟ هذا لم يرد في تصريحاتنا على الإطلاق، ولم يكن عندنا خلاف حول موضوع الحزب دون الخوض في الأسباب ولكن كنا اتخذنا قرار الخروج الجماعي، وتأسيس جمعية ثم التحول إلى حزب والقرار كان قد اتخذ في اجتماع مجلس الشورى في 2009 بعد مناقشة كل البدائل· وقد أودعنا الملف منذ أشهر لمعالجة الأخطاء وإعادة صياغة المشروع وهذا ما كان متفقا عليه· يقال إن ثمة إرادتين متناقضتين حول تأسيس الأحزاب بين رغبة اعتمادها في أقرب الآجال وأخرى ترجئ ذلك لما بعد التشريعيات المقبلة، ألا يقلقكم هذا الأمر؟ قلنا مبكرا إن أحزاب التحالف تخاف المنافسة وتعارض الإصلاح وتقاومه، وقدمنا أدلة على ذلك في ندوة صحفية حتى قبل أن يظهر ما تتحدثون عنه في وسائل الإعلام، لأننا كنا ندرك أن هذه الأحزاب تريد أن تفرغ الإصلاحات من محتواها وكانت تعترض على تأسيس الأحزاب وتسوق للمنطق القائل إن الساحة السياسية مشبعة، ولكن جاءت ظروف فرضت مسار الإصلاح وألقى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة خطابه بهذا المنحى· بينما لم تكن لأحزاب التحالف الشجاعة في أن ترفض هذه الإصلاحات، بل تحولت هذه الأحزاب إلى مقاومة لتطبيق الإصلاحات التي وعد بها الرئيس· ماهي تجليات هذه المقاومة وما هو تأثيرها في تقديركم؟ نحن نقول إن الانتخابات إذا جرت بنفس الأحزاب، فما يحدث لا يمكن أن نسميه إصلاحا ولا تغييرا وبالتالي فالانتخابات ستفقد مصداقيتها والشعب لن يشارك في التصويت، وستكون هذه الأحزاب مسؤولة عن المستقبل المجهول· وهل تتحمل الأحزاب السياسية التي ذكرتها المسؤولية بمفردها؟ لا بل حتى مكتب المجلس الشعبي الوطني متواطئ مع هذه الأحزاب، وربما يأخذ تعليماته من هذه الأحزاب، بدليل أن قانون الأحزاب لايزال حبيس أدراج المجلس وقرر تأجيله وقدم المجلس على قانون الأحزاب، كل من قانون الانتخابات وتوسيع مشاركة تمثيل المرأة وحالة التنافي والآن قانون المالية، وهذه طريقة ملتوية متعمدة للتحايل على الإصلاح، ولكن في الأخير نعتقد أن إرادة الإصلاح ستنتصر لأنها مدعومة من الشعب وكل التحولات وكل المحيط يدفع لتبني الإصلاحات· أما من لا يريدون الإصلاح فلا يمثلون سوى بقايا مقاومة ونحن لسنا متخوفين، لأننا ندرك حتمية التغيير· الملاحظ أن هناك عدم تكافؤ فرص، والتساؤل متى تتأسس الأحزاب والآجال الموجودة في القانون وتحضير الرجال لقيادة هذه الأحزاب ووضع البرامج، وذلك ما يجعل الوقت ضيق جدا والظروف ليست في صالح الأحزاب الجديدة· وفي هذا الصدد يمكن القول إن إرادة الإصلاح لو كانت حقيقية فما الداعي إلى انتظار القانون الجديد ومع ما لا يدرك كله ويترك جله، الحقوق والحريات تفتك ونحاول أن نكون جزءا من الحقيقة السياسية· ألا تخشون أن يراكم المواطنون نسخة مكررة لحركة مجتمع السلم؟ نمثل النسخة البيضاء· أنت اكتفيت باستعمال عبارة نسخة وتفاديت استعمال عبارات أخرى؟ نحن الوجه الأبيض والنسخة البيضاء وليس كل من في الحركة سيء، بدليل أن الشعب انتخب على مرشحي الحركة ونحن لسنا استنساخا للحركة، بقدر ما نحن بناء على شيء موجود وتوسع لكل الكفاءات ومكونات المجتمع، لذا سميناها جبهة حرصا على أن يجد الجزائريون الذين لم تلائمهم الأحزاب السياسية الموجودة أنفسهم ممثلون في حزبنا أو الأحزاب الجديدة التي ستولد من رحم الطبقة السياسية القائمة ولا يؤتى بها من مكان آخر، والجديد سيخرج من رحم القديم وليس بالضرورة أن يكون نسخة طبق الأصل للقديم وإنما سيتكيف مع المرحلة· علما أن ثمة رفضا للأحزاب السياسية القائمة لذا سنعمل على التوسع نحو مكونات المجتمع ونضفي جانب الأخلاق على العمل السياسي والصفة التغييرية والإصلاحية، حيث لن نمارس السياسة للتواجد فقط وهذا هو البعد الجديد الذي يفترض أن تقدمه القوى الجديدة ونحن جزء منها وسنتوجه بخطابنا لعموم الشعب وبالخصوص الفئات التي لم تكن مرتبطة بالأحزاب، وهي كثيرة والرافضة للسياسات السائدة وليس السياسة في حد ذاتها، لقناعتها أن هذه السياسات لا تصلح للتغيير· كما أنها غير منسجمة معها وأن أكثر ما يهم هذه الأحزاب هو الانتخابات· أما البرامج فلا· لذا، إذا وجد هذا الشباب فرصا للتغيير، فرنه سيجدد عهده بالسياسة لتحقيق التغيير والإسهام في صناعة الجزائرالجديدة· أثير ملف الفيس، هل ترون أن هذا الحزب لايزال يشكل واقعا سياسيا؟ ما تتحدث عنه عنده أكثر من عشرين سنة، وخلال هذه المرحلة حدثت تغييرات دولية وإقليمية ووطنية، وقناعات الناس تعددت وتطورت وأنا أجزم بأنه لا يوجد شيء اسمه الفيس الآن أو مناضلين بشكل تنظيمي، هناك أشخاص كانوا سابقا في الفيس، هذا صحيح، بعضهم تحول إلى أحزاب أخرى، البعض الآخر توقف عن ممارسة السياسية، ثمة أفراد لهم احترامهم ويتمتعون بحقوقهم المدنية والسياسية، ثم هناك أمر آخر ينبغي التنبيه إليه أن عدد الناخبين تضاعف وعدد المصوتين تضاعف كذلك، لهذا لا يوجد شيء اسمه جبهة الإنقاذ· لكن الملف أثير في مجلس الوزراء، كما تناولته الصحافة؟ هناك أطراف في السلطة تثير الملف لتخويف الناس، لأنها عجزت عن إقناع الناس بما تملكه من برامج وسياسات للتسيير، كما كان يفعل بوش الذي سعى جاهدا لإقناع الأمريكين بأن ثمة خطر يهدد أمريكا· نحن دخلنا مرحلة الاستقرار والسلم فالمفروض ألا يستعمل هذا الأمر لتخويف الناس الذين يتوقون للتغيير وكان من الخطأ ذكر هذا الأمر في مشروع قانون الأحزاب الجديد، لأن قانون السلم تكفل بذلك ومن المفروض ألا تقحم مثل هذه المسائل في قانون الأحزاب، لأنها غطت على المواد الأخرى وأصبح المتتبع لا يقرأ من المشروع إلا هذه المادة، ولكن الجزائريين اليوم على وعي كبير وليسوا خائفين من أي طرف، هم يريدون فقط أن يمكنوا من حرية الاختيار· يعني لو أن دورة الزمن تعود إلى الوراء لن نقع في الأزمة التي أعقبت الانفتاح السياسي؟ أبدا لأن الجزائريين تعلموا الكثير من تجربتهم ثم الآن هناك ديمقراطيات جربت ودخلها الإسلاميون وهذا من صميم الديمقراطية، والإسلاميون راجعوا مواقفهم وأصبحوا أكثر اعتدالا ولننظر إلى مصر سنجد حتى الجهاديين الذين كانوا يتصارعون مع النظام واغتالوا السادات، هم الآن يعتبرون السادات شهيدا وأسسوا أحزابا ودخلوا المعترك الديمقراطي· السلفيون الذين كانوا لا يؤمنون بالعمل السياسي ولا يجرأون على مخالفة الحاكم، باعتبار ذالك خروج على الحاكم أسسوا أحزابا سياسية، وهذا شيئ يحسب للإسلاميين· هل هذا الأمر ينسحب على الجزائر وهل هذا يعني أن السلطة من جانبها تغير مواقفها من الديمقراطية وتقبل بقواعدها؟ بالطبع على السلطة أن تقبل هي الأخرى بقواعد الديمقراطية وتترك الانتخابات لتكون نزيهة، ولا خوف على الشعب الجزائري والمؤسسات تبقى محفوظة والطابع الجمهوري يبقى محفوظا ولا يرفض هذا إلا من يريد أن يكون وصيا على الجزائريين بعيدا عن القواعد الديمقراطية، فيخوف بهذا ويمنع هذا، وحتى هذه السياسة بصدد لفظ أنفاسها في كثير من الأقطاب والثورات التي حدثت كانت ضد هذه الأفكار والوصايات وعلينا أن نتعلم من جيراننا وما يحدث حولنا· ثمة حديث عن تنسيق بينكم وبين أحزاب أخرى لدخول الانتخابات بقوائم مشتركة، ما حقيقة هذا الأمر؟ هذا غير موجود في الواقع على الإطلاق لأن النظام الانتخابي لا يشجع على التحالفات إطلاقا، لذلك قناعتي أن النظام الانتخابي الجزائري لا يشجع على التحالفات وهذا لا يعني الخصومة الانتخابية بين الإسلاميين، بل نرتقي بالمنافسة بعيدا عن التشهير والاتهام ومع هذا فالإسلاميون يحتاجون إلى التعاون في قضايا كثيرة· التنسيق فشل في تسعينيات القرن الماضي ثم تحولت فكرة التنسيق إلى ترف وعواطف ومجاملات، هل جبهة التغيير تنوي تحويل هذه العواطف إلى واقع عملي مع الآخر المماثل؟ إذا ابتعدنا عن العواطف فممكن، لكن من البعد على العواطف كذلك الإقلاع عن فكرة التحول إلى تنظيم واحد، فهذا مستحيل وغير ممكن ولا متوقع، لأن المجال الإسلامي واسع والعمل السياسي مجال اجتهادات لكن الواقع يفرض أن ينسق الإسلاميون في السياسات العامة في إطار الدائرة الإسلامية الوطنية خدمة للإسلام والجزائر والأمة، لكن دون أن نخدع عواطف الناس بموضوع الوحدة· هناك من يرى ان المرحلة المقبلة ستكون إسلامية بامتياز؟ اعتقد أن الشعب إذا مكن من الاختيار الحر سيكون الإسلاميون الرقم الأول إلى أي درجة الله أعلم، ولكن في إطار التعددية سيكون التيار الإسلامي الأول وخيار الشعب لايزال إسلاميا صادقا ولكن ليس بالضرورة هذا الحزب أو ذاك، غير أن هذا في خيار التعددية، لكن مجموع الشعب الجزائري لايزال خياره إسلاميا، قد يغير الناخبون وجهتهم من شخص إلى شخص ومن حزب إلى حزب، لكن يبقى دائما في الإطار الإسلامي والحمد لله الإسلام في الجزائر ليس محتكرا من قبل شخص أو حزب، ومع هذا لا خوف على الجزائر من الهيمنة المطلقة التي تفقد الديمقراطية معناها ومع هذا يبقى الأول في المرتبة التيار الإسلامي وما حدث في تسعينيات القرن الماضي كان بسبب القانون الانتخابي الذي صاغت تفاصيله جبهة التحرير لصالحها، ولكن انقلب السحر على الساحر وانتخابات 91 لو تمت بالنظام الحالي لما وقعت هيمنة الفيس· لو نطرح السؤال بطريقة أخرى، هناك من يرى أن الإسلاميين استنفذوا أوراقهم في الجزائر وجربوا، وثبت بأنهم ليسوا في المستوى، ما قولكم؟ هذا رأي موجود ونحترمه في إطار تعدد الآراء ولكن هذا ليس خيار الشعب وإن كان هذا الأخير قد يغير من حزب إلى حزب ولكن لن يبتعد كثيرا عن التيار الإسلامي، والمهم أن تكون هناك انتخابات نزيهة عندئذ يختار الشعب من شاء ونحن نلتزم بحكمه وإذا عاقب الإسلاميين فمن حقه أن يقوم بهذا، ولكن في النهاية تبقى هذه القراءات واستشرافات تقديرية والأرجح أن الشعب لايزال وفيا لخيار التيار الإسلامي، ولو كان ما قلتم صحيحا لعاقب الشعب الذي اختار في 91 الاسلاميين، لعاقبهم بعد ذلك بداية من 95 إلى 97 رغم التزوير، بل حتى تقرير البرلمان آنذاك كان قد أكد أن الحركة في هذه التشريعيات المشهودة كانت الأولى في الترتيب وفي سنة 99 كذلك فالشعب قد يعاقب الأشخاص ويعاقب الأحزاب، لكن لن يعاقب نفسه ويعاقب خياراته· هل ترون أن مشروع المجتمع الجزائري يمكن أن يستقيم دون البعد الإسلامي؟ أي عملية تنمية أو تحديث أو عصرنة أو دمقرطة تكون خارج المعالم الإسلامية لن تنجح في الجزائر، ولنأخذ على سبيل المثال بداية تأسيس الدولة الوطنية في عهد الأمير عبد القادر، فهذا كان متمسكا بالإسلام·· بيان نوفمبر تحدث عن المبادئ الإسلامية ولكن الثورة الزراعية رفضها الشعب ثم غير النظام وجهته، فبناء الدولة لا يمكن أن يتم بالتناقض مع ثوابت الشعب وقيمه وتاريخه· هل ترون أن الإصلاحات يمكن أن تؤتي ثمارها دون تصفية رواسب الأزمة؟ أنا أؤمن وكنت من الذين نشّطوا الحملة من أجل العفو المدني والمصالحة الوطنية في إطار فمن عفا وأصلح، وهذا إيمان مني بأن العفو يقابله الإصلاح، فالجزائر عاشت أزمة وعرفت أخطاء، لكن هي في حاجة اليوم إلى عفو مصالحة وإصلاح ولا تزال الأسباب التي أدخلت الجزائر في أزمة وسد كل المنافذ التي يمكن أن تعيد البلاد إلى أزمة أخرى·· قد يختلف الناس في التقديرات، لكن لا يختلفوا في ضرورة العودة إلى جزائر الجميع وجزائر الحريات وتكافؤ الفرص· هل ترون أن التحالف ممكن أن يستمر بعد الرئاسيات أم أنكم ترون أن عقده سينفرط قبل الرئاسيات؟ لو تكون انتخابات نزيهة في 2012 فإن أول من سيخسر هو التحالف الرئاسي·· عندما يدعو الشعب إلى التغيير فهذا يعني أنه يريد الإصلاح على كل المستويات والإقرار بضرورة الإصلاحات إقرار بوجود وضع فاسد ومرفوض، لو يمكن الشعب من حرية الاختيار في 2012 سنشهد خريطة سياسية جديدة· ما رأيكم في تأخير تعديل الدستور؟ قناعتنا أن الإصلاح الحقيقي يبدأ بإصلاح الدستور وليس فقط تعديله، وعليه ينبني الإصلاح وجوهر هذا الإصلاح هو مناقشة طبيعة الحكم في الجزائر، بعد ذلك تأتي الإصلاحات الأخرى القانونية والتشريعية والاقتصادية· وتأجيل إصلاح الدستور لا يؤكد أن سقف الإصلاح زهيد جدا· لذا فإن القوانين المعروضة على المجلس الشعبي الوطني ليست إصلاحات، بقدر ما هي تعديلات طفيفة جدا وبعضها تحسيني وبعضها الآخر يسيء للحريات ولا يخدمها· كيف تصفون النظام الدستوري الجزائري وأي أنظمة الحكم تحبذون؟ النظام الدستوري الجزائري هو النسخة السيئة للنظام شبه الرئاسي في فرنسا، ولكن من حيث التطبيق لا هو شبه الرئاسي المعتمد في فرنسا ولا الرئاسي المعتمد في الولاياتالمتحدةالأمريكية، في الجزائر منذ 62 اعتمدنا نظام الرجل الواحد ومن ثمة فالإصلاح الدستوري أضحى مُلحا· ونحن مع النظام البرلماني والمجتمع الجزائري اليوم في حاجة إلى جمهورية ثانية في ظل نظام برلماني، باعتباره الأنسب للجزائر خاصة بعد 50 سنة من الاستقلال، حيث أصبح النظام في الجزائر باليا بهياكله ووثائقه وأشخاصه، فضلا عن العجز في التكيف مع التطورات، بدليل أن الوفرة المالية التي تتمتع بها الجزائر لم تخرجنا من التخلف، بل ما نشاهده هو سياسات لصرف الأموال أكثر منها سياسات تنموية، كل هذا عجز في السلطة وغياب انسجام مع طموحات الشعب وثقافته وقناعاته· لذا نؤكد مرة أخرى أن التحول في الجزائر صار ضرورة وطنية، كل من يقف في وجه هذا التحول الديموقرطي يكون قد ارتكب جرما في حق الجزائر