مرة آخرى ولا أحسبها ستكون الأخيرة سنحاول البحث في الأفكار والتصورات، علها تمكننا من فهم الوقائع والسلوكات. ومن جهة آخرى ستكون أزمة ''حمس'' موضوعنا ولعلنا -توخيا للدقة سنقول إن مجموعة ''الدعوة والتغيير'' هي الموضوع وقد لا حظت كما لاحظ غيري، أن التسمية هذه ''الدعوة والتغيير'' قد أثارت نوعا من التساؤل لدى كثير من المهتمين والمتابعين. وقد قرأت كما قرأ كثيرون ما نقلته الصحافة الوطنية منسوبا إلى وزير الداخلية الذي نصح القائمين على المجموعة بتقديم طلب اعتمادهم إلى وزير الشؤون الدينية وليس إلى وزارة الداخلية!! ولا تثير التسمية إشكالا إداريا وقانونيا بالنسبة لمسؤول في الدولة فحسب، بل إنها تطرح إشكالات أو إشكاليات (بتعبير الجامعيين..) حول علاقة المصطلح بالمفهوم، أو علاقة الشكل بالمعنى، أو علاقة الإسم بالفكرة. فاختيار إسم لحركة سياسية هو عمل يخضع لحسابات واعتبارات جديدة يلزم القائمون عليه أنفسهم بها. فالتسمية في النهاية هي محاولة لاختصار أفكار ومبادئ وأهداف الحركة أو التنظيم في كلمتين أو ثلاث، فهي بذلك تعبير ''صادق'' عما في عقولهم . لكن الأسماء والتسميات مثلها مثل كل كلمات أخرى قد تعبر أحيانا عن المسكوت عنه بقدر ما تعبر عن المصرح به!! ليس خافيا على أحد أن اختيار كلمة ''الدعوة'' هو تلميح ''صريح'' إلى الارتباط بدعوة الإخوان المسلمين ودغدغة هذا الوتر في نفوس مناضلي حمس. ثم إنه تعريض بحمس التي أصبحت بيانات المجموعة تسبقها دائما بكلمة ''حزب''، وبالتالي فهي ليست إلا واجهة من واجهات الجماعات. أما الجماعة الحقيقية فهي التي تمارس الدعوة بكل أبعادها التربوية والفكرية والسياسية...إلخ. المسكوت عنه هنا هو الإسلام فالمعروف أن الدعوة عادة هي الدعوة الإسلامية لكن مجموعة الدعوة والتغيير بعبوة جرأة نصف فارغة، لم تجرؤ على إضافة وصف الإسلام إلى دعوتها، لأنها لا تستطيع المجازفة بمخالفة القانون وهذا حق مفهوم ومقبول. أن يخاف الإنسان على جنين لم يولد بعد. لكن غير المقبول وغير المفهوم هو أن يزايد على غيره، ويحاسبهم بما لايجرؤ هو على القيام به. أما تناقض الصورة والمعنى فهو أن المجموعة، أقامت أول ''دعوة'' قوامها الانشقاق، فإلى أن تثبت العكس لم تدع أحد من قبلهم إلى شيء آخر سوى الانفصال عن حمس والخروج من صفوفها. كما أنها ''دعوة'' متأخرة وصلت إلى الناس بعد أن انفضت مجالسهم واختاروا وجهتهم. كان معقولا ومقبولا أن يكون الكلام حول أولوية الدعوة على السياسة، قبل انعقاد المؤتمر الربع، حينها كان من الممكن تصديق القائلين. لكن عندما تكون ''الدعوة'' بديلا لمن عجز عن السلطة، حينها تكون دعوة متأخرة بل مستفزة. ''التغيير'' في العادة مصطلح أو لفظ محايد لا يحمل معنى في ذاته. بخلاف مصطلحات محملة بمعان واضحة كالتجديد أو الإصلاح أو التقويم ... إلخ فالتغيير إذن هو عملية استبدال شيء بآخر، دون أن يكون أحدهما أحسن أو أسوء من الآخر. كلمة ''التغيير'' إذن لا تحمل معنى لاستخدامها عنوانا لحركة سياسية. هذا فهمي للموضوع، بمنطق الكلمات والمعاني والصور والمضامين. أما إذا عدنا للواقع، فلا يمكننا أيضا إلا القول إن ما تقصده مجموعة ''الدعوة'' والتغيير'' بالتغيير'' هو بالضبط المعنى اللغوي المباشر، أي استبدال شيء بآخر، أو بعبارة أوضح تغيير قيادة حمس المنبثقة عن المؤتمر الرابع أو استبدالها بقيادة جديدة. يكونون هم عمادها ونواتها. فبعد أن عجزوا عن تحقيق هذا ''التغيير'' بالمؤتمر حاولوا بوثائق لندن ورسائل لاهور، وأخيرا بتنظيم جديد هو الدعوة والتغيير احتلوا فيه المناصب التي كانت لهم في حمس سابقا وبنفس التسميات!! كما أن ''التغيير'' المزعوم لم يقدم ولو فكرة جديدة، سواء للدعوة أو السياسة أو التربية. وحتى شكل التنظيم الجديد هو نسخة طبق الأصل للهيكل التنظيمي لحمس لا تغيير فيه! من السهل على الناس صياغة العبارات، وإطلاق الكلام مرسلا، أما صناعة المعاني فهي صنعه نادرة. وإذا كانت الدعوة لا يمكن أن تبدأ بمعان سلبية كالانشقاق وإضعاف الآخر الذي كان بالأمس أخا ورفيق درب، فإن التغيير، أيا كان معناه، لا يمكن أن يتحقق بأفكار معلبة وشعارات مسطحة.