يتحدّث عبد الرحمان سعيدي، رئيس مجس الشورى لحركة مجتمع السلم، في هذا الحوار الذي خصّ به "صوت الأحرار" بكثير من التفصيل عن الخلفيات التي حرّكت الأزمة التي عرفتها حمس والتي قال إنها تنظيمية حرّكتها أبعاد شخصية من خلال نفيه وجود أي شكل من الانحراف عن نهج الشيخ محفوظ نحناح، متهما في المقابل مؤسّسي حركة الدعوة والتغيير بمحاولة إيجاد مبرّرات لإيهام الرأي العام ومناضلي الحركة بمصداقيتهم خاصة من حيث إثارة قضية "استوزار" أبو جرة سلطاني التي أكد بأنه أريد عدم حسمها عنوة لإيجاد مبرّرات ومصوغات ملائمة للإقدام على الانشقاق، خاصة لما أشار إلى أن من وقفوا ضد الاستوزار كانوا وزراء في حكومات سابقة، كما يعود أيضا بالحديث إلى عدة زوايا تخص تداعيات الأزمة الداخلية للحركة. س: أنتم على رأس أعلى هيئة بين مؤتمرين وهي مجلس الشورى الوطني، نريد أن نعرف ما الذي يحدث بالضبط في بيت حركة مجتمع السلم وطبيعة الخلاف القائم مع الجماعة التي أسّست حركة الدعوة والتغيير، هل وصلت حدّة الصراع الفكري إلى درجة إعلان الطلاق عن حمس؟ ج: عندما نتحدث عن المشكل داخل حركة مجتمع السلم فقد صرّحت في عدة مناسبات بأنه لا يكتسي الطابع الفكري أو السياسي أو التصوّري لقضايا مختلفة في الساحة الوطنية والدولية، لكن المشكل تنظيمي أخذ أبعادا شخصية لأن الإخوة الذين لم يلتحقوا بمؤسسات الحركة بعد المؤتمر الرابع حملوا مطالب طابعها الاندماج بحصص معينة وبوضعيات معينة داخل مؤسسات الحركة على شاكلة عضو في المكتب الوطني أو نائب رئيس إلى جانب اقتراح مادتين في النظام الداخلي تخصّ قضية الاستوزار. إذن عندما ننظر إلى هذه المطالب نكتشف بأنها مطالب شخصية، وطبيعي أنه مع استمرار المقاطعة وعدم الالتحاق بمؤسسات الحركة بعد المؤتمر الأخير أن يكون هناك مبرّر لهذا الموقف الذي لم يكن له عنوان، وبالتالي فهذا موقف من حيث الشكل كان لا بد أن يبرّره أصحابه ببعض التبعات، وكان أحسن تبرير للخروج من الحركة ومؤسساتها وأحسن مبرّر لإقناع الذات الخارجة عن مسار الحركة هو "الانحراف" الذي كان عنوان جميع حركات الانشقاق في كل التنظيمات على اختلاف توجهاتها، فنستطيع التأكيد أن خلافنا إلى حد الساعة تنظيمي لأننا لم نسمع بأي صفة سوى هذه الصفة ذات التبعات الشخصية. س: بنت جماعة مصطفى بلمهدي خطوتها بتأسيس إطار جديد للنشاط على أساس اتهام القيادة الحالية لحركة مجتمع السلم بالانحراف عن نهج الشيخ الراحل محفوظ نحناح، بالإضافة طبعا إلى مسألة استوزار سلطاني، أتعتقدون أن هذه المبرّرات كانت فعلا كافية للإقدام على مثل هذه الخطوة؟ ج: نستطيع القول أنه منذ المؤتمر الثالث كنا موجودين في مؤسسات الحركة نتابع مساراتها وكنا مسؤولين في الهيئات التنظيمية بما في ذلك الإخوان الذين انسحبوا من الحركة، وأكثر من ذلك فقد كانت لهم أغلبية في مجلس الشورى لأكثر من ثلاث سنوات كما كانت لهم أغلبية في المكتب الوطني، وأظن من خلال هذا أنه كان باستطاعة من يقول إن الانحراف بدأ قبل ست سنوات كان باستطاعته أن يوقفه (الانحراف) إذا كان قد لاحظه أو أن يغيّر اعوجاجا يكون قد لامسه ويصحّح مسارا إذا بدأ ينحرف من خلال هذه الأغلبية. لكننا لم نسمع طيلة العهدة السابقة من 2003 إلى 2008 حديثا عن انحراف الحركة وحتى على سبيل المثال موضوع الاستوزار الذي تردّد كثيرا كمشكل داخل مؤسسات الحركة طيلة العهدة السابقة، وبالعودة إلى تلك الفترة فإنني أقول بأنه لم تكن هناك إرادة لحسم هذا الموضوع وبالتالي بقيت القضية اجترارية، وعليه فإن قضية الاستوزار كان يراد منها الضغط والمزايدات أكثر مما كان يراد منها تحديد سقفها السياسي. وعند الحديث عن الانحراف عن مسار الشيخ الراحل محفوظ نحناح نؤكد أولا أننا لا نمانع أن نجلس ونتحدث في مؤسسات الحركة بمسؤولية لنحدّد أين يكمن هذا الانحراف، ثم ثانيا أقول بأن الشيخ الراحل محفوظ نحناح هو الذي وضع هذا المنهج بمعية كل هذه القيادات التي كانت لها مشاركة في المسار السياسي، بمعنى أن ما نحن فيه من سياسات ومواقف صنعها الراحل بهؤلاء. وإلى جانب هذا لا بد أن نفهم ما قيل عن منهج الشيخ نحناح، هل هو منهج استأثر به البعض دون الآخر، هل منهجه تركة ووصية للبعض دون البعض الآخر أم أن منهج الشيخ لا بد أن يبقى في الكواليس ولا ينبغي أن يطلع عليه الناس، وهل منهج محفوظ نحناح عبارة عن طلاسم لا ينبغي أن يعرفها الناس أيضا.. وللردّ على هؤلاء أقول لا، فالشيخ منهجه قائم بيننا بدأ في السرية على مرحلة الانفتاح السياسي وهو موجود في مواثيق الحركة وأبجدياتها ونصوصها ومراجعها وخططها، كما هو موجود في خطاباته (نحناح) وتوجيهاته التي كان يلقيها كل أسبوع مخاطبا أبناء الحركة بوصفها "الحركة الواعية". وإذا أردنا الحكم على هذا الانحراف وجب أن نعود إلى كل هذه الوثائق ونبني عليها الواقع السياسي الذي نعيشه اليوم وبعد ذلك نستطيع أن نقول إن الحركة انحرفت، أما إذا كان كل يرى منهج الشيخ من وجهة نظره أو حسب ما تمليه عليه نفسيته فبهذه المعاني سنتشتت وسيظهر لنا كل مرة من يدّعي قربا ووصاية لهذا المنهج. س: بالنظر إلى أن طبيعة الخلاف تنظيمي، كما تقولون، ألا تعتقدون بأنه كان بالإمكان تفادي ما وصلت إليه الحركة الآن خصوصا وأن خصومكم داخل حمس اتهموكم بغلق أبواب الصلح وحتى إنهم قالوا إنه لم تكن لديكم أصلا النية في تحقيق الوفاق؟ ج: عندما نتحدث عن الخلاف، فإن المشكلة الأولى التي اعترضتنا بعد المؤتمر الرابع كانت فهم محل الخلاف، بمعنى أين يكمن هذا الخلاف بالتحديد، وأظن أن محل هذا الخلاف يتنوّع ويتمحور ويتحدّد في مطالب وشروط وتصوّرات، إذن لم نستطع أن نقف معهم في تحديد محل هذا الخلاف اللهم فقط بعض المطالب. لقد قلنا إن بعض مسارات تسوية الخلاف تكمن في عملية الحوار والصلح، فالقيادة كانت مستعدة وما زالت إلى الآن على استعداد لهذا الحوار ولكل مسارات الصلح وما ينتج عن هذا الصلح، وقد أبدت قيادة الحركة استعدادا كليا لحلّ الأزمة منذ أن نشأت من طرف بعض الإخوة وذلك بإنشاء لجنة الصلح، والدليل أن القيادة تعاملت مع هذه اللجنة تعاملا مسؤولا هو وجود لقاءات رسمية وكانت اللجنة المتفرّعة عن المكتب تتعامل معها لتسوية أي خلاف ورأينا في اللجنة أنها إيجابية من حيث وجودها، على أنها واسطة استماع للآخرين لأن الحوار كان من جهتهم مرفوضا فقلنا إنها ستكون السبب الذي يجعلنا نعرف بها الذريعة التي تنكشف على أساسها التناقضات والتحفظات ووجهة النظر. والأكثر من هذا، فإن مؤسسات الحركة تعاملت مع مقترحات الطرف الآخر (جماعة بلمهدي) من خلال اللجنة بإيجابية وقد صادقت على مجمل هذه النقاط في دورات مجلس الشورى، ونقصد بالنقاط تلك المطالب التنظيمية المتعلقة بالمكتب والمجلس الشوري وبعض المواد التي رفعها مؤسسو حركة الدعوة والتغيير، ولكن الذي لاحظناه من جهتهم هو وجود نوع التصعيد وتغيير في نقاط الخلاف وصولا إلى قضية "الاستوزار"، وهذا في اعتقادنا يدلّ على أن الذي يحوّل الخلاف ويريد أن يجدّده بأشكال مختلفة هو الذي يرفض الحوار وأكبر دليل على قطع وغلق باب الحوار هو التأسيس لحزب الدعوة والتغيير الذي معناها سد كل منافذ التواصل، وللأسف أن كل من يتحرّك في هذا الإطار (حركة الدعوة والتغيير) صار يتحدّث عن حركة مجتمع السلم كتاريخ وماض وشيء لا يعنيه. إذن، أقول إن هؤلاء هم من سدّوا أبواب الحوار وضيّقوا هذه الأبواب وكل المنافذ للصلح التي لا زالت قائمة عند حركة مجتمع السلم، كما عرفنا من خلال الاتصالات والمعلومات التي تم تداولها أن هناك مناضلي حركة مجتمع السلم من رفض ولا يزال يرفض خطوة تأسيس الحزب الجديد، والدليل القاطع أن مصطفى بلمهدي رئيس حركة الدعوة والتغيير أقرّ واعترف شخصيا بوجود إخوة رفضوا تغيير الغطاء، فهذا جواب على أن هناك من رفض هذا المسعى ويريد البقاء في صفوف الحركة، فالصلح والحوار قائم مع هؤلاء الذين لهم الحق أن يمارسوا حقّهم في الرأي والرأي الآخر، أما من يرفض ذلك شكلا ومضمونا فليتحمّلوا مسؤولياتهم. س: لكن هل كانت هناك مساع واتصالات فعلية وجدية لتحقيق هذا الصلح الذي تتحدّثون عنه؟ ج: لقد شكّلنا في هذا الموضوع لجان اتصال جهوية خلال دورة مجلس الشورى في شهر جانفي 2009 المنعقدة بشأن التحضير للانتخابات الرئاسية، كان هدف هذه اللجان الاتصال بأعضاء المجلس المتغيّبين أو المقاطعين لمعرفة الأسباب التي تقف وراء موقفهم المقاطع، بالإضافة إلى محاورتهم فكان هناك من تعامل معنا بإيجابية كما كان هناك من تعامل معنا بسلبية ورفض كل مساعي الحوار وعارض فكرة الجلوس والاستماع إلى الإخوان من اللجان الذين هم من أعضاء مجلس الشورى الوطني. وقد تبع هذا الإجراء نزول القيادات إلى الولايات لشرح ما تقرّر من توصيات في آخر دورة لمجلس الشورى بعد الرئاسيات، فنحن مع الصلح والحوار مع أبناء الحركة إلا من رفض. س: هناك من يقول بأن استقالة أبو جرة سلطاني من الحكومة جاءت متأخرة وكان بالإمكان تفادي وصول حمس إلى ما وصلت إليه الآن لو كانت لرئيس الحركة "الشجاعة"، كما يرى ذلك خصومكم، للاستجابة لمطالب الطرف الآخر والتفرّغ لتسيير شؤون الحركة؟ ج: كنا نعتقد، كما سبق وأن أشرت، بأن إثارة مثل هذه المسألة كان أمرا اجتراريا ليس إلا، فطلب الإعفاء ظل يثار عند الكثير من القيادات داخل مؤسسات حركة مجتمع السلم إلى أن اكتست القضية طابع المزايدات وطابع الضغط لأن الذين دعوا إلى استقالة رئيس الحركة من الحكومة نظروا إلى قرار تعيينه في الجهاز التنفيذي وزيرا للدولة من زاوية كونه مسألة ذات طابع سياسي كما اعتبروا ذلك بمثابة سابقة، فالنصوص القانونية للحركة لا تتحدث عن هذه الوضعية، والوضع التقليدي للحركة يشير إلى أن المسؤول الأول في الحزب لا يمكن أن يكون مسؤولا في جهاز تنفيذي، فهناك من يناقش ذلك (الاستوزار) على أساس أنه يؤثّر على أداء الحركة، كما أن هناك من نظر إلى المسألة على أن رئيس الحركة ليس بإمكانه متابعة وزرائه في الحكومة وتقييمهم وهو جزء منها وكل هذه أمور مقبولة. ولكن هناك رأي آخر في الاستوزار يقول بأن المرحلة تغيّرت في قضية التعاطي مع السلطة، لكن كلما جاءت فرصة للحسم في هذه القضية داخل الحركة كانت لا تحسم، وقد أريد لها ألا تحسم وتبقى مسألة اجترارية ذات ضغط وإرهاصات داخل الحركة وكأنّها تصرفنا عن الكثير من الأمور، فلم تحسم وبقيت تؤجل إلى الانتخابات التشريعية وإلى بعدها وأحيلت إلى المؤتمر الذي تعرفون ما وقع فيه وبقيت حتى إلى ما بعد المؤتمر. وبعد المؤتمر عقدنا دورتين لمجلس الشورى الوطني، الأولى كانت في شهر جويلية 2008 وحينها قرّر المجلس عدم التنافي بين منصبي رئيس الحركة ووزير الدولة، وقلنا حينها إننا سنفتح النقاش في هذه المسألة حينما يأتي وقت الرئاسيات لأن الوضع يسمح بذلك كون نتائجها تعني أننا على مشارف حكومة جديدة ووضع سياسي جديد، وبعد ثمانية أشهر من موعد أول دورة لمجلس الشورى فتح النقاش في 16 أفريل وأخذت مسألة "الاستوزار" في عين الاعتبار حيث كان النقاش مسؤولا والتمس رئيس حركة مجتمع السلم أن يسمح له بالإعفاء. وبعد أن نزل موضوع الاستقالة إلى ساحة الحركة والرأي العام وجدنا من قال إن الأمر لا يعنينا مع أن هذا الموضوع كان في لب الخلاف منذ 2005، وكانت هذه النقطة (الاستوزار) تعود وتغيب في لقاءات مؤسسات الحركة ولم يرد حلّها عمدا. *من خلال كل الذي حصل قبل وأثناء وبعد المؤتمر الرابع، ألا ترجّحون فرضية استهداف حمس من بعض الجهات التي من مصلحتها انشقاق الحركة؟ كل حركة سياسية إصلاحية مثل حركتنا التي أثبتت عبر مسيرتها عن تماسكها واستقرارها وعلى انضباطها إلى حد ما، وعلى وفائها بالتزاماتها السياسية في الساحة الوطنية، وبالتالي فإنه في هذه الحركة بقدر ما هناك أطراف كثيرة تحبّ لها الخير وتتعاون معها وتكنّ لها كل الاحترام، بقدر ما هناك طبعا بعض الأطراف في الساحة من يتمنى أن يحدث بداخلها انشقاق واحتجاجات وعدم استقرار، وهذا أمر طبيعي لأنه كما يقال "حب الناس غاية لا تدرك". لكن مع هذا يمكننا الحديث عن قضية الاستهداف من جهتين، الأولى أنه لا يمكننا أن ننفي عدم وجود أياد تقف وراء مع ما يحدث في حركتنا، كما لا يمكن إنكار أنه ليست هناك دوافع خارجية، قد يتهم البعض السلطة أو بعض الأطراف السياسية، لكن ما يحدث داخل حركة مجتمع السلم لا علاقة له بكل هذا ونحن نجزم بذلك. ومن جهة ثانية نؤكد بأن هناك بعض الأطراف في الساحة تتغذى من هذا الخلاف وتغذّيه إعلاميا وسياسيا وشعبيا وحتى دوليا وهو ما يحصل للأسف في بعض الساحات الإعلامية الدولية. وفي خضم كل هذا فإن كانت هناك مسؤولية نحمّلها لأي طرف فإننا نحمّلها لمن كان السبب في وصول الوضع في الحركة إلى ما هو عليه، هذه هي بداية المسؤولية عندنا، وإننا نحمّل كل طرف على حدة مسؤولية التبعات والهزات الارتدادية التي خلّفتها هذه المشكلة. نحن على وعي بما يجري داخل ساحات الحركة وعلى ما ينسج لها في داخل الوطن وخارجه ونتعامل مع هذا الوضع بالمسؤولية التاريخية والدعوية والحضارية لمعالجة كل القضايا ولا نستثني في ذلك أنفسنا كحركة مثل سائر الحركات الإسلامية في العالم، ولا نستثني أنفسنا عن المسارات التاريخية في قضية الانشقاقات والخلافات التي وقعت للحركة، ونقول مثلما يقول المثل "الأزمة التي لا تقتلك تقويك". س: أمام مقاطعة جماعة بلمهدي لمؤسسات حركة مجتمع السلم، الأكيد أنكم كنتم تتابعون تحرّكاتهم، هل كنتم على علم بمساعي هؤلاء من أجل تأسيس إطار جديد للنشاط اسمه "حركة الدعوة والتغيير"؟ ج: الحقيقة أننا كنا على علم بهذه المبادرة لأن بعض قيادات حركة الدعوة والتغيير تحدثت عن هذا الخيار الذي كان مدرجا ضمن المشاهد والسيناريوهات المحتملة عند هؤلاء الإخوة، ولكن في الواقع فإن هذا المشهد (تأسيس حركة الدعوة والتغيير) كان يحتاج إلى جملة من المصوغات التي كانت مفتعلة لتعطي هذا المشهد صبغة مناسبة، وكذا لتبرير الخروج بحزب الدعوة والتغيير. وقد حرصنا ألاّ نعطي لإخواننا أي ذريعة تجعلهم يحمّلوننا مسؤولية خروجهم، وأظن أنه في بيان تأسيس حركة الدعوة والتغيير قد عبّروا بوضوح عن هذه المصوغات العشرة، كما عبّروا عن صورة هذا التنظيم، وهي كلها أفكار ومصوغات كنت قد سمعتها في 2008 قبل انعقاد المؤتمر الرابع في مقالات صحفية، فالأمر إذن لم يكن وليد الصدفة. س: الآن وقد حصل ما حصل ووصل الطلاق إلى مرحلة اللارجوع، ألستم متخوّفين ومنشغلين من مستقبل الحركة خاصة وأن نشاط "حركة الدعوة والتغيير" ارتكز في مرحلته الأولى على "استنزاف" ما يمكن استنزافه من أبناء ما يمكن أن نسميه الآن "الحركة الأم" حركة مجتمع السلم؟ ج: هذا أكيد، فمجال عمل حركة الدعوة والتغيير يرتكز لحد الساعة على استقطاب أبناء وبنات حركة مجتمع السلم على عكس ما صرّحت به بأن بيان التأسيس هو نداء لكل الشعب الجزائري وكل الخيّرين، فهي لا تتجاوب مع ندائها وهي سابقة غير حضارية لأن الإنسان إذا ضاق ذرعا في مؤسسة أو هيئة أو حزب ينشئ فضاء ثم يوجّه نداء إلى الفضاء الذي كان متواجدا به ويطالب مناضلي حركة مجتمع السلم بالانسحاب منها ويلتحقوا بالحركة الجديدة. ثانيا، نحن لسنا ضد تأسيس حركة الدعوة والتغيير، فمن كانت لديه قناعات فهو حرّ لتأسيس إطار للدفاع عن هذه القناعات، لكن من باب النبل في الخلاف ومن الحضارية في الاختلاف أن الإنسان لا يتحرّك في فضاء خرج منه ويعمل على التشويش فيه والتفريق بين أبنائه وزعزعة استقراره، فهذا ليس من الحضارية في الخلاف وفي التعامل مع الاختلاف. س: المشاركة في السلطة وانتقادها في آن واحد من بين العوامل التي أفقدت حمس قواعده وحتى مصداقيته لدى الرأي العام، ومن هذا المنطلق يتهمكم خصومكم داخل الحركة وخارجها بأن مكمن الانحراف يتحدّد في أن الدعوة أصبحت في خدمة السياسة لا العكس، أي تعليق تقدّمونه في هذا الإطار؟ ج: إذا كان هذا الكلام والموقف من أبناء الحركة على أنها تشارك في الحكومة وتعارضها، أظن أننا كلنا مسؤولون عن هذه السياسة وأحسب أن الذين يخالفوننا من خصومنا كانوا وزراء وبرلمانيين وإطارات في هذه الدولة وكانوا أيضا من صناع سياسات الشيخ الراحل محفوظ نحناح وكانوا كذلك من مبرّري هذه السياسات، إذن هذا الادعاء باطل من حيث الشكل والمضمون ومن حيث الجهة التي صدرت منها كذلك، فنحن في الحركة على استعداد، وهذا هو الأساس، لأن نجلس ونناقش سياسة المشاركة ونقيّمها منذ 1991 إلى 2009، كما أننا على استعداد للنظر في الكثير من سياسات المشاركة وأن نغيّر إذا اقتضى الحال بعض الجزئيات أو في قضايا من هذه المشاركة. أما موضوع "الدعوة في خدمة السياسة" أو "السياسة في خدمة الدعوة"، فهذا الاعتراض مردود عليه من حيث أننا قلنا بأن السياسة التي نتّبعها هي سياسة إسلامية تعتمد على معاني دعوية والنفع العام وخير وإصلاح الأوضاع المختلفة حتى في المؤسسات، فالدعوة ليست وظيفة وإنما رسالة وهذه مسألة موضوعية. أما القول بأن الدعوة صارت في خدمة السياسة وهذه الأخيرة أصبحت تستغل الدعوة وتخدم باسمها الدعوة، فهذا كلام لا نقبل الرد عنه الآن، نحن كما قال الشيخ محفوظ نحناح ما زلنا نعتقد أن حركة مجتمع السلم هي حركة بين "دالين"، "دال" الدعوة و"دال" الدولة، فنحن نرى التكامل بين الدعوة والسياسة. نعم، نحن في حاجة إلى إعادة النظر في قضايا معينة، لكن أليس من الدعوة إنكار الإرهاب، أليس من الدعوة إلى الله المصالحة بين الجزائريين وإصلاح أوضاع البلاد وتصحيح المفاهيم داخل المجتمع ومحاربة الآفات الأخلاقية.. أظن أن حركة مجتمع السلم ما زالت في هذا الإطار، ولا ينبغي أن نجعل موضوع الانحراف عن المنهج هو كل شيء، وأن نضع عنوانا آخر للدعوة، وأنا شخصيا كنت أتمنى من مؤسسي حركة الدعوة والتغيير أن يكون بينهم دعاة، وأن تحتوي على مجموعة كبيرة من الدعاة، ولكان ذلك دليلا على أن هذه الحركة فعلا من مقاصدها الدعوة. س: هل نفهم من هذا الكلام أنه لا يوجد دعاة في حركة الدعوة والتغيير؟ لا، أنا لم أقل ذلك، وإنما قلت أن الإنسان لمّا يرفع شعار الدعوة لا بد أن يكون لدى بعض رافعي هذا الشعار من يشتغل في هذا المجال، فحركة مجتمع السلم تحتوي على كل أصناف المجتمع بما في ذلك الدعاة والأئمة ومن يشتغلون في مجال الإصلاح الديني، فأنا مثلا إمام خطيب وأنشط في هذا المجال ولم ألمس تناقضا ولا اعتراضا.. أظن أنه عند الحديث عن الدعوة والسياسة فإن الميدان هو الذي يجيب وليس الادعاء. س: حركة مجتمع السلم لم تخسر فقط عددا كبيرا من أبنائها ولكنها أيضا فقدت غطاء تمثيل حركة الإخوان المسلمين التي قال مرشدها العام قبل فترة بأن لا أحد من الطرفين أصبح يمثل الحركة الإخوانية.. ما هو موقفكم من هذه القضية؟ ج: حركة مجتمع السلم هي حركة إسلامية داخل المجتمع حرصت على أن تبقي وتحافظ على علاقتها قوية مع بقية الحركات الإسلامية الأخرى بما فيها حركة الإخوان المسلمين، ونحن لا ننكر فضل هذه الأخيرة على الساحة الإسلامية، فهي ساهمت في تنمية الاعتدال والسيادة الوطنية للأوطان والاستقلال وعرفنا كيف كانت تتعامل مع الحركات التحرّرية في العالم الإسلامي خاصة، فحركة الإخوان كانت مبنية على دعم حركات التحرّر. فنحن في حركة مجتمع السلم لم نبدع في علاقتنا مع حركة الإخوان المسلمين، والأستاذ المرشد العام للحركة مثله مثل كل الشخصيات في العالم الإسلامي له وزنه ومكانته واحترامه كونه سعى للصلح بيننا بعد أن خرج مشكل حركة مجتمع السلم إلى الساحة الدولية. ومن خلال تعاملنا مع هذا الخلاف حرصنا في قيادة الحركة على العمل بقدر المستطاع بتوجيهات الخيّرين والمصلحين بما لا يتعارض مع وضعنا في الجزائر لأنه لا يجب أن ننسى بأننا حركة إسلامية وطنية ديمقراطية ذات سيادة يحكمها القانون ودستور الدولة، وبالتالي فإننا لم ننظر إلى هذه الوساطات ومساعي الصلح من باب التدخل ولكن من باب الخير، لكن في المقابل لو نرى أن أي أمر يأتينا من باب التدخل وتجاوز حدود سيادة الحركة فإن موقفنا معروف للرد على ذلك، فالقضية في نهاية المطاف جزائرية والمشكل جزائري وحله لا يمكن أن يكون سوى في الجزائر، هذا هو منطقنا في التعاطي مع هذه العلاقات خارج الجزائر. س: قيادة حمس سعت بكل الوسائل لإعطاء الانطباع بأن الأمور داخل الحركة على ما يرام ودخلت في حرب الأرقام عندما أعلن سلطاني في آخر دورة لمجلس الشورى بأن المناضلين الذين قرّروا الالتحاق بحركة الدعوة والتغيير لا تتعدى نسبتهم 3 بالمائة، هل هذا صحيح أم أنكن تريدون من خلال هذا التقليل من هون الأزمة؟ عندما تحدث رئيس حركة مجتمع السلم عن نسبة 3 بالمائة فإنه لم يقدمها من الخيال أو واقع غير موضوعي وإنما قدّم هذا الرقم بعد اجتماع مع هياكل الحزب بالولايات في لقاء حضره 1050 مسؤول، فالمقياس لهذا الرقم كان بطاقية المنخرطين التي رجعنا إليها في مرحلة ما قبل المؤتمر للتأكد من صحة ما يشاع. أما بشأن الاستقالات التي تقدّم على أعمدة الجرائد فإننا لا ننفي بأنها وصلت إليها بتوقيعات تحمل أسماء المستقيلين، لكن الأمر الذي يجب أن يحدّد ويؤكد أن هذه الاستقالات قانونية ومثبّتة هي الجهة النظامية في الحزب، وإلى حد الآن لم تصل إلى هياكل الحركة وقيادتها لا استقالات النساء المناضلات ولا المنتخبين في بعض الولايات ولا حتى النواب. وعندما نتحدث مع عدد من الذين وردت أسماؤهم في قوائم الاستقالات ينفون أنهم أمضوا على شيء من هذا القبيل فمعنى ذلك أن هناك خللا إما أن هناك من وقّع باسمهم أو أنهم وقّعوا في أشكال أخرى غير الاستقالة وإما أنهم وقعوا على الاستقالة ثم تراجعوا عنها. وما حصل بخصوص التوقيعات والاستقالات ما هو سوى محاولة للتأثير على الرأي والعام وفرض الضغط النفسي على مناضلي حركة مجتمع السلم، كما أنها تعد بمثابة رسائل تقدّم إلى جهات وطنية وأخرى خارجية لكن نحن نقول بأن الحقيقة توجد في الميدان. إننا حريصون على كل فرد في الحركة أن يعود إلى مؤسسته، وهذا حرص عاطفي ووفاء ومسؤولية كذلك، ونحن حريصون أيضا على ألا نخسر أي مناضل كان في الحركة لسنوات وننشغل أيما انشغال لانصرافه، وهذا الانشغال ليس لما هو قائم لأننا في الحركة بخير والحمد لله، فالرابطة التي هي بيننا هي رابطة محبة. إذن نحن الآن في حركة مجتمع السلم نشهد تعاقب أجيال وقيادات جديدة وهذا يدلّ على أن الحركة ما زالت في علو، إننا لسنا إطلاقا مع استقرار القيادات وهذا ما هو مجسد لأن هناك تداولا في الوظائف داخل مؤسسات الحركة، ونريد لكل من يسعى إلى محاربة الاستبداد أن يسير على هذا النهج. 12- هل معنى هذا أن حركة مجتمع السلم بخير؟ نحن بخير والحمد لله، لكننا آسفون وأصابنا نوع من الحزن لذهاب كثير من أبناء الحركة الذين كانوا معنا، لكن من الجهة النضالية ومن زاوية أداء مؤسسات الحركة نحن بخير، واعتقادنا أن كل من يتابع ما يجري في الحركة يكتشف أنها لم تهتزّ أركانها وكل ما مررنا به هو في حكم التجربة والعبرة، ونحن الآن وضعنا السكة للمستقبل بعد كل الذي حدث.