الشعوب لا تخطئ، وأخطاء الهمج ليست أخطاء الشعوب، والصورة الحضارية التي نراها اليوم في تونس الخضراء هي ما يجب أن تكون عليه ثمرة ثورة الشعب التونسي، الذي عرف كيف يستثمر جيدا في تضحيات الشباب· ومثلما نبذ العراقيون طوائف الأمريكان التي قتلت صدام حسين ليلة عيد الأضحى، فإن الشعب الليبي سينبذ أيضا الذين تورطوا في جريمة تعذيب معمر القذافي والتمثيل به وقتله، لأن الشر ليس من طبيعة الشعوب، ولأن ليبيا ليست مجموعة من المسلحين تتقاتل على فريستها مثلما تنهش الكلاب بعضها بعضا للظفر بقطعة لحم من جيفتها، فإن الأمل قائم على قدرة الشعب الليبي على استرداد ثورته من جماعة الناتو· لن يكون بمقدور الرئيس الهارب زين العابدين بن علي بعد اليوم أن يأمل في حرب مفتوحة بين التونسيين، تماما مثلما بدأ الرئيس المخلوع حسني مبارك يفقد الأمل في قيام فتنة طائفية بين أفراد الشعب المصري الذي يسير على خطى جيراننا في تونس· لكن في ليبيا إن واصل الرعاع والإرهابيون والمتطرفون والحشاشون والانتهازيون التحكم في دفة سفينة الانتفاضة الشعبية على النحو الذي رأيناه في تعامل المسلحين مع القذافي وابنه المعتصم ومساعديهما، فإن تضحيات الشباب الليبي من أجل الحرية ستكون مجرد حالات انتحار ينبذها الناس في المجالس العامة والخاصة، هذا إن لم يكن الوقت قد فات، بعدما حطمت صور التمثيل بالقذافي وقتله هو وابنه قدسية الأهداف النبيلة التي نفترض أن انتفاضة الشعب الليبي قامت من أجلها··· وقبل هذا أقدم ”الثوار” على اغتيال الرقم واحد في القوات المناهضة للقذافي، وفي عز أيام الثورة·· قتلوه·· ثم أحرقوا جثمانه ببرودة أعصاب مطلقة·· وخلال حفل إعلان ما يسمى بالتحرير لم نسمع اسم عبد الفتاح يونس·· نفترض أن هؤلاء ليسوا من الليبيين ولا من ثورتهم، لذلك لم يبق أمام حكام طرابلس الجدد غير إثبات حسن النوايا بمحاسبة كل من أجرم أو أخطأ·· لأنه جرم ألحق أضرارا بالشعب الليبي وبصورة الثورات العربية عموما·