الأخ عبد المجيد مناصرة، المحترم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.. أعذرني بداية إذا لم أذكر منصبك، وإذا اكتفيت بصفة الأخ، فأنت اليوم رجل دعوة قبل كل شيء، ولا تهمك الألقاب والصفات، بل إنك من زهدك فيها تركتها تغرق مع سفينة حمس. الأخ المحترم، دعني، إذن، أحدثك حديثا مع داعية، لا مع مسؤول حزبي. لأن البلاء الذي أصاب الحركات الإسلامية، وحمس تحديدا، وقع- حسب الأخ المحترم مصطفى بلمهدي - عندما تحولت الدعوة إلى خدمة السياسة! وأسألك، أخي العزيز، ما هو منهج الدعوة والدعاة في التعامل مع الإعلام؟! وما هي أخلاق الدعاة في مقاطعة الناس المخالفين، بل حتى المشركين والكفار؟! وأسأل فيك الداعية دائما.. هل الغضب للنفس والانتصار لها والانتقام من الخصوم أخلاق الدعاة والداعية؟ لقد قمت، أخي المحترم، قبل يومين، بنزع الورقة من يد صحفي بعينه (هو صحفي ''البلاد'') وشطبت ما كتبه!! هل هذا تعبير عن احتجاجك على ''البلاد'' لأنها تختلف معك وتكتب بخلاف ما تحب وتتمنى! هذا حقك.. بل ربما يكون واجبك. ولكن أجبني بصدق الداعية.. كم مرة تعاملت بهذه الطريقة مع جرائد سبت الإسلام وسخرت من ذات الله عزّ وجلّ وتهجمت على النبيّ صلّى الله عليه وسلم؟ كم مرة قاطعتها ورفضت التصريح لها؟! أم أنك تعتقد أن ''البلاد'' أضر بالدعوة من كل هؤلاء؟! أم ترى الداعية نام في أعماقك للحظات، واستيقظ المسؤول الحزبي، المتعصب لجماعته الرافض للنقد والاختلاف؟! وقد يكون هذا مقبولا ومفهوما، لكن عندما يصدر عن مسؤول في حزب أو تنظيم آخر، لكنك أيها الأخ المحترم مزقت حركتك القديمة ودخلت حربا شعواء ضد قيادتها، وبنيت حركة جديدة، جاهرا بملء صوتك أن هدفك هو الحفاظ على منهج الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله، فإذا بك تخالف المنهج وتحيد عنه عند أبسط معضلة! كان الشيخ نحناح، رحمة الله عليه، يرمي شاتميه بالحلوى التي يملأ بها جيوبه استعدادا لتلقي هجمات بعض المتعصبين والجهلة من أتباع جبهة الإنقاذ! ولم يسمعه الناس يوما يتجاوز في كلامه عن خصومه بمن في ذلك الإرهابيون الذين استحلوا دمه وعرضه! أما علاقته بالإعلام.. كل الإعلام، فيشهد الجميع بأنها كانت من أرقى العلاقات التي ربطت بين السياسة والإعلام في الجزائر. هل نسيت كل هذا أخي المحترم، أم ترى أننا آذينا مجموعتك بأكثر مما أذى المتعصبون والتكفيريون والجاهلون والإرهابيون الشيخ نحناح وحركته! عذرا، أخي الكريم، إن كنا أذنبنا في حقك إلى هذه الدرجة! لكننا كنا نتوقع فيك سلوك الداعية الذي يبدأ بالنصيحة قبل القطيعة، فما بالك بدأت بالأخيرة، أم تراه منطق الحزبية وتعصبها؟ قلنا إن هذا لا يتوقّع من ورثة الشيخ نحناح، بل إن كثيرا من المسؤولين الحزبيين ''العلمانيين'' و''التغريبيين'' لم يعاملونا بمثل ما عاملتنا به. وأذكر على سبيل المثال لا الحصر، السيدة لويزة حنون، والدكتور سعيد سعدي، وعمارة بن يونس، وحتى الهاشمي شريف رحمه الله وبلعيد أبريكا.. وغيرهم.. كانوا خصوما في السياسة والفكر، لكنهم خصوم بروح رياضية عالية. وكذلك حال مسؤولين كبار ونافذين في الدولة. انتقدناهم واختلفنا معهم وهاجمناهم بعنف أحيانا، وظلت علاقتنا بهم في قمة الاحترام المتبادل ومازال التواصل دائما، والتعاون قائما، بل نتلقى من بعضهم العون أحيانا. ولا أذكر أنه في مسار جريدتنا (الصغيرة)، شخصية قاطعتنا لأننا اختلفنا معها أو نقدناها إلا.. المونسنيور ''تيسييه'' كاردينال الجزائر!! لكل ما سبق، لم أستطع فعلا أن أجد تفسيرا لسلوكك أيها الأخ المحترم! اللهمّ إلا أن تكون ''حفرة''، يمارسها مسؤول كبير تجاه جريدة يحسبها صغيرة! .. لكني أرفض هذا التفسير أيضا، لأني لا أعتقد أنه قد يخطر على بال داعية تربى في مدرسة الراحل محفوظ نحناح رحمه الله كما أني أعلم أنك شاوي أصيل لا يقبل الحفرة، كما أعلم أنك تحفظ جيدا المثل الشائع القاتل ''العود اللي تحفرو يعميك''. وهذا ليس تهديدا أو تلويحا بتهديد..معاذ الله، فنحن في ''البلاد'' عاهدنا أنفسنا وعاهدنا الله عزّ وجلّ أن نجتهد في عدم التعرض للأشخاص أو التجريح في الهيئات. وتعامُلنا معك ومع مجموعتك محكوم بهذا المبدأ، مضبوط بهذا التعهد، فلن ننساق في جملة الفضائح والملفات. فلسنا من هواة الروائح القذرة، كما لا تهمنا الملفات الشخصية.. فنحن نتعامل مع الأفكار والمواقف العامة.. والخيارات المعلنة. كما أتمنى أخي الكريم، ألاّ يكون سلوكك تعبيرا عن إيمان بقدرة جرة قلم على إسكات صوت معارض، لأن ظني حينها قد يخيب فيك، وسيكون إحباطي شديدا!! فأنت ''المتمرس'' في دهاليز السياسة وأروقة الحكم، تعلم جيدا كم هي هزيلة جرّات القلم المتسلط في مواجهة الرأي المخالف، ولو كان رأيا خطأ. لن أطيل عليك أكثر أخي المحترم. وإلى لقاء قريب آمل أن يكون بعيدا عن الغضب والحفرة. وأوهام ''جرة القلم''!!