لا يبدوأن السلطة في الجزائر تسعى لإصلاحات عميقة حقيقية تترجم آمال الجزائريين، بل إنها تجري وراء تشكيل وهْم أشبه بالحمل الكاذب، وهذا ما بدا واضحا من خلال حزمة المشاريع التي كرّست التراجع والدوران حول المحور القديم نفسه، والرأي للمعارضة بكافة ألوانها· السلطة تحاور نفسها وتقنع نفسها بنفسها في سعيها لإثبات أن الكرة الأرضية تدور حول نفسها، وهي بذلك تمدد من عمر الانسداد السياسي والجمود الحاصل بفعل احتكار الساحة السياسية لسنوات، دون أن تترك للآخر منفذا للظهور، بل عملت على تخوين الرأي الآخر وهي بذلك لم تختلف عن باقي النظم التي لا تجد أسهل من أن ترمي بالتهم على كل من يختلف معها· وهي في ذلك تستعمل أدوات أكثر نعومة في قمع الإصلاح ودعاته· ما الذي يهدد البلد لو فتحنا المجال السياسي لكافة الحساسيات التي تلتزم بالدستور والطابع الجمهوري؟ ما الذي يهدد استقرارنا لو فتحت السلطة أبواب الإعلام الثقيل وفق قواعد سليمة؟ لا يريد الكثير الخوض في تصورات سيريالية لما ستكون عليه الانتخابات التشريعية القادمة، كما لا يمكن الجزم بما إذا ستكون شفافة كما كانت عليه في تونس ومصر والمغرب بدرجة متفاوتة أم ستكون نسخة مكررة لما هي عليه الانتخابات عندنا، مزورة، مطعونا في مصداقيتها، بينما يطل علينا وزير الداخلية ملتحفا جلابة جزائرية· مثلما عودنا عليه الوزير السابق يزيد زرهوني لتلاوة تقرير إداري عن شعبية الحزب الحاكم محبوب الجماهير الذي يحصد غالبية المقاعد، تماما كما كانت الداخلية المصرية ونظيرتها التونسية تلقي بفقه التزوير المقنن على الرأي العام في الداخل والخارج· وإذا ما سارت الإصلاحات على النحو غير المقبول لدى غالبية المواطنين، تلك الإصلاحات التي لا تجد القبول إلا في رجع الصدى لصوت السلطة ممثلا في دوائر حزبية غير قادرة على استيعاب حتمية التغيير وترك الخيار للشعب وحده، إذا ما سارت هذه الإصلاحات على هذا النحو الانتحاري، فإننا لن نحصل إلا على نسخة تقليدية من طبعة مركبة أساسها التزوير والوصاية على المواطنين بواسطة صناديق زجاجية لا تختلف عن سحرة فرعون الذين انقلب سحرهم عليهم· ومهما أطنب المطنبون والمطبلون في رسم صورة عذرية لتلك النصوص التي يقال إنها إصلاح، فإن الواقع يؤكد عكس ذلك، لسبب بسيط جدا هو أن المواطن لا يخطئ· واتجهات الرياح تؤكد أن حزمة الإصلاحات تعرضت للتزوير والتحريف، وأن المواطن ينتظر بالفعل قرارا مسؤولا ينقذ البلد ومستقبله من هذا التلاعب السياسي الذي لا يخدم غير فئة متحزبة وضعت استمراريتها في الاغتراف من ريع المكاسب والمغانم قبل أي اعتبار، تماما مثلما يضع كل متعصب مصلحة فريقه فوق كل اعتبار· ويبدو أن حوادث زمننا لم تشكل لدى هؤلاء أي نقطة توقف لمراجعة الذات، ألم يحن وقت التغيير بواسطة الاصلاحات الهادئة؟ أليست الجزائر بحاجة إلى إصلاحات عميقة في هذا الظرف بالذات؟ أم أن ما يدور بجوارنا مجرد ألعاب نارية ليلة عيد الميلاد؟ ثم ألا يستحق هذا الشعب الذي ضحى على مدار كل العقود ما قبل الاستقلال وما بعده بلحظات الاختيار الحر ونسمات الحرية والديموقراطية؟ أم أن البعض مازال يعتبر الشعب مجرد غاشي قاصر؟ أسئلة كثيرة تطرح هنا وهناك على أن الإجابة عنها بدأت تتشكل يوما بعد يوم، فهنالك من يحاول إيهام الرأي العام بفكرة أن التغيير مجرد مؤامرة خارجية، وأن المطالبة بالإصلاح أمر يمكن أن يجلب الناتو مستدلين بتجربة ليبيا· لكن أليس الأجدر بهؤلاء تمكين الناس من حقهم في الاختيار الحر بدلا من اجترار هذا الخطاب البائس الذي لن يقنع أحدا؟