يستعد عام 2011 لحزم حقائبه بعد ساعات لاستقبال عام جديد يعيد طرح السؤال نفسه ”كيف كانت الثقافة الجزائرية في العام الماضي؟”·· قد تبدو الإجابة صعبة وسهلة في الوقت نفسه، فالقطاع في عام 2011 شهد إطلاق عشرات المشاريع الهيكلية التي وصفت ب”الطموحة”، وبعث عشرات الملتقيات والمهرجانات التي تعنى بمجالات الإبداع والفكر المختلفة·· وبين هذا وذاك، تبقى احتفالية ”تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية ,”2011 أهم وأبرز ما ميز قطاع الثقافة في الجزائر خلال السنة التي تبقى لها هذا اليوم لتصير ”ماضية”· لقد تميزت الساحة الثقافية الجزائرية في 2011 بالعديد من المظاهر لم تختلف كثيرا عن الأعوام السابقة، كانت سنة الوعود والقوانين الجديدة، غير أنها أبقت على السؤال نفسه ”ما الذي تغير·· أو ما الذي سيتغير؟”، فقطاع واسع من المثقفين والفنانين لا يزالون يشتكون من أشياء كثيرة من بينها، كما يقولون ”التهميش” و”الإقصاء” و”الانتقائية” وغياب دعم المبدعين، واقتصار الثقافة ككل على طابع ”الاحتفالية” و”الفلكلور” و”المهرجانات” التي لم تقدم شيئا للناس· وهنا، يبرز صوت آخر يضع كل ما سبق في إطار ”التحامل” و”التهجم المجاني” على أداء السيدة وزيرة الثقافة خليدة تومي، التي بذلت قصارى جهدها هذا العام في إعادة الاعتبار للمثقف الجزائري سواء كان فنانا أو مسرحيا أو سينمائيا أو كاتبا، وذلك من خلال تقديم الدعم في شتى أشكاله، وتكريم رموز الثقافة والتراث الجزائري الذين طواهم النسيان· ومن هنا، يمكن القول إن أداء السيدة تومي، بما له وعليه، كان لافتا، فالقطاع استفاد من قانون جديد للسينما وصفه المختصون ب”الطموح” ومن شأنه إعادة الاعتبار للقطاع الذي سيطرت عليه ”مافيا قاعات السينما”، وجعل من حق وزارة الثقافة استرجاع عشرات القاعات المهملة وغير المستغلة من الجماعات المحلية· وألزم هذا القانون المشتغلين في قاعات السينما بأداء اليمين، لقطع الطريق عن أي محاولات لاستغلال فضاءات ثقافية ل”أغراض مشبوهة”· وبالمقابل، يعيب البعض على هذا القانون أنه يفرض رقابة رسمية على الأعمال السينمائية التي تتناول التاريخ الجزائري وثورة التحرير· الكتاب·· معرض مثير للجدل وناشرون في حرب
لا يزال قطاع الكتاب في الجزائر يعاني هو الآخر، فرغم إطلاق مشاريع نشر مهمة سنة ,2011 خصوصا في إطار احتفالية ”تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية”، يعتقد متتبعون أن النشر سقط في أيدي ”مافيا” لا علاقة لها بالثقافة تحاول في كل مناسبة السطو على الدعم الذي تقدمه وزارة الثقافة للناشرين الذين دخل كثير منهم هذا العام في حرب حقيقية للظفر بكرسي ”نقابة”· وإلى جانب هذا يبقى الحديث في كل مرة عن المركز الوطني للكتاب الذي أعلن عنه السيد رئيس الجمهورية في ماي 2009 بمرسوم، ليتم لاحقا تعيين حسان بن ضيف رئيسا له دون إطلاقه إلى غاية الآن لأسباب عديدة تحصرها وزيرة الثقافة في عدم جاهزية الأمور بعد· وبين هذا وذاك، نظم المعرض الدولي للكتاب الذي ناقشت طبعته السادسة عشرة موضوع ”الربيع العربي” في ملتقى دولي تحت عنوان ”العالم العربي في غليان انتفاضة أم ثورات؟”· وشهدت التظاهرة مشاركة دور النشر العربية والأجنبية منها روسيا لأول مرة· وقال المنظمون إن المعرض شهد توافد مليون زائر·
تلمسان تستفيد من أضخم المشاريع منذ الاستقلال·· فماذا تغيّر؟
تحولت مدينة تلمسان على مدار سنة ,2011 إلى عاصمة للثقافة الإسلامية، حيث شهدت في إطار التظاهرة الدولية إنجاز برنامج ثقافي ثري بالنشاطات الفكرية والعلمية والفنية قدمتها وفود من داخل وخارج الجزائر· وأعادت هذه التظاهرة ل”عاصمة الزيانيين” مكانتها، حيث ساهمت في إعادة الاعتبار للتراث المادي وغير المادي الذي تزخر به المدينة من خلال أفلام وثائقية وندوات وملتقيات وطنية ودولية ومعارض مختلفة· وتشكل الأفلام التي أنتجت في إطار الاحتفالية، وعددها ثلاثون تقريبا، ”ثروة سينمائية”، وفق الرواية الرسمية، حيث عرفت الجمهور على شخصيات مهمة في تاريخ تلمسان وما جاورها في مختلف المجالات· وتناول المسرح هو الآخر جوانب من تاريخ المنطقة والعلماء الذين صنعوه أمثال سيدي بومدين الغوث وسيدي الحلوي، إلى جانب أحداث تاريخية أبرزت تراثا وتاريخا زاخرا ومتنوعا من خلال 17 مسرحية من بين 19 مبرمجة قدمت للجمهور· واستقطبت متاحف تلمسان، وخاصة تلك التي أنشئت حديثا مثل متحف الفن والتاريخ والتي استقبلت زخما من معارض الفن الإسلامي والتراث اللامادي للعالم الإسلامي جمهورا كبيرا· وسمحت تلك المعارض بالتعرف على ثقافات شعوب إسلامية أخرى على غرار ما قدم خلال الأسابيع الثقافية الدولية التي شكلت منصة وقفت عليها العديد من الدول الإسلامية الشقيقة· ولم تترك النشاطات العلمية جانبا في برنامج هذه التظاهرة، حيث برمج 12 ملتقى دوليا نظم منها 10 شاركت فيها أسماء بارزة في ميدان التاريخ والبحث العلمي من مختلف أقطار العالم· واستفادت ”عاصمة الزيانيين” هذا العام، من أضخم المشاريع الهيكلية الثقافية منذ الاستقلال، حيث أنجزت عدة مرافق منها قصر الثقافة الجديد بحي ”إمامة” ومسرح الهواء الطلق وبهو المعارض ببلدة ”كدية” و”متحف الفن والتاريخ” لتلمسان و”القصر الملكي” بحي ”المشور” وقاعة السينما ”كوليزي” و”مركز الدراسات الأندلسية” وهي إنجازات ستجعل من تلمسان قطبا للإشعاع الثقافي بعد اختتام التظاهرة الدولية· وتضاف إلى هذه المرافق عمليات الترميم التي مست مجموعة هامة من المعالم الأثرية والتي سجلت توافدا كبيرا للزوار خلال هذه السنة مما يجعل تلمسان تدخل قائمة المناطق التي يستوجب تطويرها لجعلها قطبا للسياحة الثقافية· واللافت هنا أن وزيرة الثقافة خليدة تومي، قادت ”حربا” لاسترجاع العديد من الهياكل في المدينة، وقام قطاعها ب”تأميم” مقاه تاريخية وأفران وحمامات في إطار احتفالية ”عاصمة الثقافة الإسلامية”·