ثمة وعي عالمي عام يتجه نحو هرولة معظم الشعوب، بصنفيها ”بنو جوعان وشبعان ورقدان وقطعان ونعسان”، إلى صناديق الانتخاب والانتخاب! فقد اكتشف هؤلاء أن ذلك ”البدون” له وقع عجيب أكثر من وقع صندوق العجب ”التلفزة” وليس الانترنيت، في تخدير عامة الشعب مع ما فيه تلك الأوصاف البهيمية حتى بالاستعانة بصناديق أخرى بموجب قوانين الخوصصة للاختصاص في علم التخدير الذي هو علم خطير، وقد يجر الطبيب المخدر إلى حضرة القاضي إن زاد في الجرعة للمريض، فذهب (إلى الآخرة) من دون رجعة! فهذا من شأنه أن يضغط على السلطة وتستنفر وتنفر لكي لا يتخلف ”شعب البندير” كما سماه عمّنا بوكروح، رئيس حزب التجديد الجزائري سابقا عن الركب وهو جالس على الحصير ينتخب ذلك المسمى ”مير” رئيس بلدية (وبليّة) لم يعد له فيها لوحده خبز وفير يأكله بمفرده، وينتخب أيضا ذلك الذي إذا رفع يده عاليا في السماء ”حاضر سيدي” المسمى نائب، أي من النوائب ومعناها المصائب! فقد ثبت بأن تلك الوجوه المنتخبة بصفة ذكيّة لاتقل غباء وانتهازية عن تلك المعينة!
وهذه نتيجة منطقية، لأن ذلك الفرع من تلك الشجرة (المرّة)! والمشكلة الآن أن هذا الموعد الانتخابي والذي يخيف السلطة بسبب عزوف جماعي كبير محتمل، جاء في وقت غير مناسب، فجيراننا الأقربون من السينغال وحتى مصر مرورا بتونس والمغرب أثبتوا أنهم واثقون من أن كلمتهم أصبحت مسموعة (من دون سماعات طبيب بيطري) مختص في الجبر والزبر! فذهبوا مسرعين نحو صناديق الاقتراع على غير عالدتهم من دون أن يهددهم أحد، أو يحرضهم مسؤول أو يعلقوا لهم في كل رقبة كل واحد مخلاة شعير أو حمص أو فول··· وبين قوسين هذه المواد الغذائية وغيرها مرشحة لمزيد من الارتفاع مع سقوط الدينار المنهار أصلا مرة أخرى على مؤخرته باعتراف أصحاب المالية! وبات من الصعب علاجه باعتباره مهددا بالشلل النصفي ولا سبيل إلى رده إلى حالته الأولى على الأقل، باعتبار أن ”شعب البندير” ومعه سلطته منشغلون أيما انشغال بممارسة الاستيراد المنقطع النظير، الذي يقابله إنتاج غير وفير مقارنة على الأقل مع إنتاج البشر ومعه ”تبزنيس” كبير لايستثنى منه أحد ولو كان تحت اللحد!
وبالطبع هذا مالم يحدث حتى مع السوريين وبشار الأسد في غابته وهو الذي يروع شعب الطرب ”ابعثلي جواب”، بعد أن يكون بالفعل، وكثيرون يقولون بالاسم قد وصله الجواب بأن قرابة التسعين في المائة موافقون على الدستور الجديد (بفتح حرف الداء) كما كان ينطقها رئيسنا السابق أبيض الشعر والقلب! وهذه هي النسب الحاصلة في معظم تلك الانتخابات الجارية عند الجيران··· ومعظمها لايرقى إليها شك لا من حيث أنها ذكيّة أو غبية ولا من حيث أنها منفوخة· وبالطبع، فإن إجراء أي نوع من المقارنة مع تلك الانتخابات غير جائز منطقا وقانونا، بما فيها تلك الانتخابات التي جاءت بعد ربيع (وشتاء) لاعتبارين اثنين على الأقل، الاعتبار الأول أن أمريكا وبواسطة دراسات نفسية واقتصادية ومعهم ”الجزيرة” غسلوا أيديهم بالماء والصابون من إمكانية اندلاع أي ربيع في الجزائر، يكون هؤلاء مازالوا غارقين بمختلف فئاتهم في سياسة ”أعطوني باطل” أو تحسين ”الخبزة والرفدة”!
الاعتبار الثاني: أن إجراء أية مقارنة مع تلك التجارب الانتخابية التي يطول فيها الطابور، ويقف رئيس (الحزب) ينتظر دوره مع الناس دون أن يأتي وحده مرفوع الراس وقدامه وخلفه ومن فوقه ومن تحته الحراس والعسس، سيعد تدخلا في الشأن الداخلي، وهذه الحساسية التي تربك بعض المسؤولين، مع أن المدعو ”تدخل” يغط عندنا في نوم عميق وسحيق كنومة أهل الكهف زادت عن حدها في الآونة الأخيرة وانتهت بتضييع الطريق، فلا عاد الحمار وعادت أم عمرو فلا قمح ولا مخلاة شعير ولا كلب كان يتبعه يسير!
··· ”شعب البندير”!!
لهذا السبب، بات من الضروري البحث داخل الحالة الانتخابية الجزائرية نفسها على مستوى وزارة بن بوزيد للتربية (والتجهيل)، لاحتوائها على كافة أدوات وأساليب النفخ والتزوير والتواطؤ الجماعي بالسكوت عن الغش الممنهج في الامتحانات وفي المسابقات· وأيضا على مستوى وزارة الثقافة بقيادة الست خليدة الخالدة فيها منذ أكثر من عشر سنوات، وليس هناك مايشير إلى كون عرشها مهدد كعرش بن بوزيد، ماعدا في حالة واحدة تنتهي بتغيير النظام، وهو غير ممكن كما خلص إليه الماريكان! (بالعلم والمعرفة) وليس بقراءة الكف والفنجان! أمّا الاستنجاد بخبرة خليدة (تومي) في التهييج والتجييش والتهريج، فقد بات ضروريا في هذا الوقت بالذات، وربما تكون هذه هي المرة الأولى التي تذهب فيها السلطة برمتها (في الشمس وفي الظل) للاقتباس من خبرتها الطويلة في ميدان هز الرأس مع ضربات الطبل والبندير، وهو التخصص الوحيد الذي نجحت فيه خليدة بامتياز وهذا بعد أن حولت (الثقافة مع غيرها الصحافة و (السخافة) إلى مايشبه هز البطن بهزّ الأرجل، باعتباره أسهل أنواع الثقافات وتمتد جذورها في عمق التاريخ مع ”شعب البندير”· وبالمناسبة الذين يقولون عن الشعوب وصفاتهم كثيرون، فابن خلدون كتب عن المصريين بأنهم مع من غلب، ورد عليهم بعضهم مؤخرا بأنهم قلبوا الآية بعد ألف سنة من الصبر والانتظار حتى أنجزوا ثورتهم ضد من غلبهم، وابن باديس، رئيس جمعية العلماء المسلمين والذي قاد حربا شعواء ضد أصحاب البندير من رواد الزوايا وهم في كل بلدة ودوار كالشعراء يهيمون ويؤمنون بالخوارق والمعجزات والبركات، يقال إنه كان أول من أطلق عبارة ”يجمعهم بندير ويفرقهم بوليسي”! فما علاقة بندير خليدة تومي بالمسألة الانتخابية وحاجتنا إليها؟
حسب أقاويل بعض المغرضين، فإن خليدة (الشطاحة) كلما نزلت على أرضية مطار لتدشين دار للثقافة (فارغة) أو مكتبة متنقلة أوحضرت تظاهرة راقصة، وجدت في انتظارها أصحاب البندير، فتبدأ في الدوران إيذانا بأن الثقافة بلحمها ودمها قد وصلت، وأنه قد حان الوقت لإطلاق للعنان (للكرعين) واللسان لكي يلتهم الثقافة! وهذه العلاقة البافلوفية نسبة إلى بافلوف مع كلبه الذي عوده، فسرها البعض بأن خليدة، كما أقرت هي بنفسها، بنت زاوية (مودرن)، دأبت منذ طفولتها على سماع صوت البندير ولايعاب على كل من قلد عادة الأجداد ولو كان بالسير وراء البنادرية والزرناجية (من ضاربي الطبل) والصبيان يرقصون، فهؤلاء يملكون إلى الآن القدرة على التجنيد ومخاطبة مشاعر العبيد، بما يجعلهم في حالة انقياد على طريقة الساحر والمشعوذ والراقي، وتحضرني هنا عادة فرقة بنادرية تجول الشارع الرئيسي في الدوار الكبير المسمى تجاوزا عاصمة منذ سنوات، لاتنفك عن نشر الصخب وتوزيع الضجيج، والذي مصنف عند وزير البيئة كنوع من التلوث الذي يجب محاربته، ومع ذلك لم يجرؤ ”بوليسي” واحد ممن مازالوا يفرقون على رأي ابن باديس، على نهرهم، وأكثر من ذلك لم يجرؤ مار واحد على نهيهم درءا لهذا المنكر الذي يزعج الأموات في قبورهم، فهذا معناه أن الفكرة تجد قبولا وثمة رواد لها داخل شعب البندير! ومع أنه لايمكن الجزم بأن مثل هذه الفرق الفنية والثقافية الكبيرة في تصنيف خليدة المثقفة والواعية موجودة على مستوى كل قرية ومدينة، إلا أن إمكانية بعثها في وقت قياسي أمر ممكن أسهل من بعث نحو أكثر من تسعين جريدة يومية في المدة الأخيرة، باعتبارها انفجارا إعلاميا يعكس تعددية سياسية وتعددية في الرأي والرأي الآخر!
فمصالح خليدة لابد أنها تملك قائمة وافية بجميع فرق ”البنادرية والزرناجية” وماعليه الا استدعاء هؤلاء بواسطة برقية ”أس أم اس” مستعجلة جدا لكي تلتحق كل فرقة بمركز انتخابي قبيل اليوم الموعود، وتبدأ في ضرب البندير على اليمين واليسار إيذانا بأن الحفل قد بدأ ولا حرج في المجيء ومع كل واحد بطاقة الناخب وبطاقة التعريف التي تشبه أذن بقرة سويسرية ليدخل مكتب الاقتراع (والقرعة) ويختار من ”شعب البندير” الأصلح والأكثر كفاءة في الدوران والتدوير والتزمير وليس بالضرورة في العقل وحسن التدبير···
على أن يتبع هذا إنجاز حفل كامل يليق بالمقام ويجعل معشر ”البنادرية” يحظون بالاحترام والتقدير، نظرا لمركزهم العلمي والثقافي وقدرتهم في الإبداع والتنوير فيكون هذا متبوعا بغداء، شاي أو قهوة باطل، أي بالمجان و”ساندويتش” لكل شبعان وجوعان·
وهو لا يكلف الكثير، حتى ولو دفعه بعض المترشحين من جيوبهم فستعوضهم الحكومة الدائمة خيرا وفيرا! فنحن الآن لسنا في أيام الغفلة حين خدع الفيس المحظور شعب البندير وجعل باسم ”صوتك أمانة” ”عريان” ليس له عشاء وينام على حصير، يتفوق على صاحب مليار، وإن كان من الآن وجب الأخذ بعين الاعتبار بأن بعض أصحاب البندير لا ثقة فيهم كما لا ثقة في الروس وفي أمريكا، بعد أن صدقوا ماقالوا: العشاء عند ابن فليس (الأفلاني) والفوت (أي التصويت) على الفيس (وبارك الله فيه)!