دعا القادة العرب في ختام قمتهم التي استضافتها بغداد الخميس إلى حوار بين الحكومة السورية والمعارضة اللتين طالبوهما بالتجاوب مع مهمة مبعوث الأممالمتحدة والجامعة العربية كوفي أنان. ومن ناحيته، اعتبر وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري أن القمة كانت ناجحة بكل المقاييس. وأدان القادة ”الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في حق المدنيين السوريين”، واعتبروا -في البيان الختامي للقمة الذي حظي بإجماع المشاركين- “مجزرة بابا عمرو المقترفة من الأجهزة الأمنية والعسكرية السورية ضد المدنيين جريمة ترقى إلى الجرائم ضد الإنسانية”. ودعوا ”الحكومة السورية وكافة أطياف المعارضة إلى التعامل الإيجابي مع المبعوث المشترك (كوفي أنان) لبدء حوار وطني جاد يقوم على خطة الحل التي طرحتها الجامعة وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة” الخاص بذلك. وطالب القادة الحكومة السورية بالوقف الفوري “لكافة أعمال العنف والقتل”، ودعوا “إلى سحب القوات العسكرية والمظاهر المسلحة من المدن والقرى السورية، وإعادة هذه القوات إلى ثكناتها دون أي تأخير”. كما أكدوا “موقفهم الثابت في الحفاظ على وحدة سوريا واستقرارها وسلامتها الإقليمية وتجنيبها أي تدخل عسكري”. وفي مؤتمر صحفي مشترك مع الأمين العام للجامعة العربيةنبيل العربي في ختام القمة، قال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري إن القمة كانت ناجحة على مستوى الحضور والقرارات وأداء الحكومة العراقية، وإنها تمثل إنجازا كبيرا لبلاده. أما نبيل العربي فدعا لحقن الدماء ووقف العنف في سوريا، واعتبر أن الملف السوري انتقل إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وأكد أن المسار السياسي في سوريا بيد الشعب. وقد طغى موضوع سوريا والأمن على كلمات الزعماء ورؤساء الوفود المشاركة في القمة العربية ال23، التي حضرها عشرة رؤساء فقط من بين 22 رئيسا. كما تناولت هذه الكلمات قضايا أخرى، مثل القضية الفلسطينية وموضوع الصومال واليمن، والخلاف بين السودان ودولة جنوب السودان، والعمل العربي المشترك. فقد حذر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في الجلسة الافتتاحية للقمة من إمكانية أن يحصل تنظيم القاعدة على “أوكار جديدة” في دول عربية لا تزال في طور بناء مؤسساتها الأمنية، محذرا في الوقت ذاته من أن “تركب القاعدة موجة الانتفاضات العربية”. كما أعرب الرئيس اللبناني ميشال سليمان من جهته عن المخاوف “بشأن ما ظهر من تشرذم وانقسام في ظل التحولات الجارية”، داعيا -في سبيل الإصلاح والأمن- إلى تبني “الفكر القومي الجامع” و”العروبة بمفهومها الديمقراطي”. كما دعا الرئيس الصومالي شريف شيخ أحمد القادة العرب إلى مساعدة بلاده في مواجهة “حركة الشباب المجاهدين” عن طريق تدريب أجهزة الأمن والجيش لإعادة الاستقرار إلى البلاد، مؤكدا في الوقت نفسه أن “معاناتنا لم تنته وضروري أن تواصلوا دعمكم حتى تعود المياه إلى مجاريها ويعود النازحون إلى قراهم وبيوتهم”. وفي الموضوع السوري، دعا الرئيس التونسي منصف المرزوقي –الذي يحضر القمة العربية لأول مرة منذ تبوئه منصب الرئاسة- نظيره السوري بشار الأسد إلى التنحي، مطالبا بإرسال قوة سلام عربية “تحت راية الأممالمتحدة” إلى هذا البلد الذي يشهد انتفاضة شعبية عارمة منذ أكثر من عام. وقال المرزوقي إن “النظام (السوري) لا يريد شيئا قدر إطالته الصراع إلى حرب طاحنة يستطيع إدارتها إلى أطول وقت ممكن والتفاوض حول نهايتها من موقع القوة”. ودعا الرئيس التونسي إلى “تكثيف الضغط السياسي على النظام، وإقناع ما بقي له من حلفاء بأن هذا النظام مات في العقول والقلوب ويجب أن ينتهي على أرض الواقع”. وأضاف “علينا إقناعه بأنه لا حل غير تنحي الرئيس (الأسد) لصالح نائبه الذي سيكلف بتشكيل حكومة تدير مرحلة انتقالية تنتهي بانتخابات حرة ونزيهة تعيد للبلاد السيادة وللمواطن الكرامة”. أما الرئيس العراقي جلال الطالباني -الذي يرأس الدورة الحالية للقمة- فقال إن غياب سوريا عن هذه القمة “لا يقلل من اهتمامنا بما يجري فيها”. وأكد رفض القمة “لكافة أعمال العنف”، وتجديدها “الدعوة لإيجاد سبيل سلمي لحل الأزمة السورية في ضوء المبادرة العربية” والجهود الدولية. كما رفض أي تدخل خارجي في الأزمة السورية، داعيا في الوقت نفسه إلى الاستفادة من مبادرات الوسطاء الدوليين لحل هذه الأزمة، وعلى رأسها الخطة التي طرحها المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان. من جهته، تحدث رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل عن مشاهد “الإبادة والتعذيب” التي قال إن نظام الرئيس بشار الأسد يمارسها ضد الشعب السوري. ودعا عبد الجليل -الذي افتتح القمة بصفة ليبيا رئيسة للدورة الأخيرة التي عقدت في سرت عام 2010- إلى “اتخاذ إجراءات سريعة وناجعة” من خلال دعم جهود أنان لحل أزمة سوريا. أما الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي فقد ذكّر في كلمته بالجهود التي بذلتها الجامعة لإيجاد حل سلمي للأزمة السورية، وخصوصا مبادرتها بإرسال مراقبين تابعين لها أواخر 2011 لاحتواء الأزمة هناك. وقال العربي إن الأزمة السورية “شغلت ولا تزال تشغل حيزا في التفكير العربي”، مضيفا أنه منذ اندلاعها “وعلى مدار عام كامل، بذلت الجامعة جهودا مضنية” لإيجاد حل سلمي لها، مشيرا إلى أن الجامعة “منحت الحكومة السورية الفرصة تلو الفرصة، وناشدتها مرارا تحمل مسؤوليتها، ووقف العنف، والحوار الجدي مع المعارضة”. وبدوره، قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إن الأزمة في سوريا “تشكل خطرا على المنطقة كلها”، وأضاف أن الحكومة السورية “فشلت في حماية شعبها وفي الاضطلاع بمسؤولياتها تجاهه واستخدمت ضده القوة المفرطة”. ودعا إلى جبهة لمنع تزايد مخاطر هذه الأزمة، وقال إن الرئيس السوري “مطالب بأن يترجم كلماته إلى أفعال وينفذ المبادرة التي طرحها كوفي أنان، والتي تهدف إلى إيقاف العنف وسفك الدماء”، كما ناشد المعارضة السورية التعاون مع أنان. ودعا بان الزعماء العرب إلى الاستجابة لمطالب شعوبهم، وقال “استمعوا إلى شعوبكم، الطريق نحو الديمقراطية ليست سهلة، يمكن أن تعتمدوا على الأممالمتحدة، نحن نلتزم بقوة بدعم السلم والديمقراطية في العالم العربي، ومساعدة الدول في الانتقال السلمي إحدى مهماتنا”. وأضاف أن “الشعوب العربية تتطلع إلى الديمقراطية والكرامة والحرية”، وأن “الصحوة العربية وضعت الجامعة العربية أمام تحديات جديدة”. أمير الكويت جابر الأحمد الصباح دعا بدوره في كلمته إلى “الحفاظ على سوريا الشقيقة من الانزلاق نحو أتون حرب أهلية تؤثر على المنطقة بأكملها”. وقال إن إطالة الأزمة ستضاعف الخسائر البشرية والمادية. كما دعا الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن إلى “الاضطلاع بمسؤوليتها والمساهمة الجدية لحل هذه الأزمة”، وناشد الحكومة السورية “الاستماع لصوت العقل ووقف أشكال العنف ضد شعبها الأعزل”. أما الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو فقد قال إن “ما يحدث في سوريا من استعمال للقوة في مجابهة المسيرات السلمية يؤلمنا ويؤرق مضاجعنا”، وتأسف لكون المجتمع الدولي “عاجزا عن وضع حد لهذه الأحداث”.