شُيع، ظهر أول أمس السبت، الجثمان الطاهر للعالم الجليل سي «عبد الحميد بوعبدلي» إلى مثواه الأخير في جنازة مهيبة لم تشهدها بلدية حاسي العش من قبل، حيث شارك الآلاف من المواطنين في نقل الجثمان الطاهر إلى المقبرة التي يرقد فيها جده العالم الجليل، «الحاج عبد القادر». كل من يعرف الفقيد أصيب بالصدمة لوفاته، ليس حزنا عليه ولا إشفاقا على عائلته الصغيرة، إنما حزنا على الأمة كلها، باعتبار أن سي عبد الحميد (قدس الله سره وطيب ثراه) كان المرجعية رقم واحد من دون كمنازع في قضايا الفقه والسيرة والحديث والتفسير، وباقي علوم الشرع، وكان يجمع كل ذلك في شخصية متواضعة، يغلب عليها الحياء، ولاعجب فذلك تطبيق لحديث النبي صلى الله عليه وسلم (إن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء). وللتاريخ نقول إن الشيخ سي عبد الحميد عاش الغربة الفكرية والروحية في بلدته (ولاعجب فقد جاء الإسلام غريبا وسيعود غريبا..فطوبي للغرباء)، حيث لم يدرك المحيطون به هذه الثورة الشرعية والفكرية والفقهية التي يملكها، حيث كان الكثيرون(للأسف الشديد) يحسبونه إماما يؤدي الصلوات الخمس ويؤم الناس في الجمعة وفقط، بينما كانت سيرته وعلمه محط إعجاب لدى العلماء والباحثين والدارسين في مختلف أصقاع الجلفة والولايات الأخرى، حيث أن عالم الجلفة الأول الشيخ سي عطية مسعودي كان يقول لسائليه ومريديه من أطراف حاسي العش وبحبح وغيرها (اذهبوا إلى الشيخ سي عبد الحميد فإنه أجدر بالفتوى)، بل إن عددا من المهتمين بالعلوم الشرعية في ولاية الجلفة من اعتبر أن الشيخ «سي عبد الحميد» يستحق مكانة بين كبار علماء الجزائر، بكل الجدارة والكفاءة، لكن الله شاء أن يرحم الفقيد في صمت، على أمل أن ينتبه الباحثون في علوم الشرع أو اللغة إلى علمه الغزيز وبصيرته النافذة في أبحاث ودراسات علمية وأكاديمية. نبذة عن حياة الإمام العلامة بوعبدلي سي عبد الحميد ولد الشيخ سي عبد الحميد بن براهيم في 28 ديسمبر 1930 ببادية «المويلح» التي تبعد عن مدينة دار الشيوخ بحوالي 6 كلم، وتربى وترعرع بمنطقة «المبدوعة» ضواحي دار الشيوخ. حفظ الشيخ عبد الحميد القرآن الكريم على يد أبيه سي إبراهيم في سن مبكرة، حيث كان يبلغ 8 سنوات، وسافر مع أبيه في أول خروج له إلى ولاية بسكرة سنة 1945 حيث التحق بالزاوية المختارية بأولاد جلال ودرس في الزاوية إلى جانب علماء الجزائر منهم الشيخ سي محمد دكاني، الشيخ أبوبكر جابر الجزائري خطيب الحرم المدني، الشيخ سي محمد صاقي والمجاهد الشهيد أسد الصحراء زيان عاشور... وقد درس بالزاوية المختارية علوم التفسير، الفقه، علوم الحديث واللغة، وتتلمذ على يد مشائخ من أهمهم: الشيخ سي عبد الحميد مختاري، الشيخ سي محمد بن الزبير، الشيخ سي بولنوار بن حبوب. وفي سنة 1952 انتقل الشيخ إلى المعهد الباديسي بقسنطينة فكان مثالا للنجابة والذكاء، وبعد أقل من سنة لم تسمح له ظروفه الصحية بإكمال مشواره الدراسي فغادر المعهد بنية العودة بعد العلاج، وما إن تعافى حتى استحوذ الاستعمار على المعهد الباديسي ليتخذه ثكنة لجنوده فاضطر الشيخ سي عبد الحميد إذ ذاك إلى الالتحاق بالمساجد ليستفيد من الدروس الحرة وكان من أهم مشائخه في المعهد الباديسي: الشيخ أحمد حماني، الشيخ النعيم النعيمي، الشيخ البشير الإبراهيمي... ورجع الشيخ بوعبدلي إلى ولاية الجلفة سنة 1954 حيث درس في مسجد «بن معطار» إلى غاية 1956، ليغادر الجلفة مجددا إلى مدينة بوسعادة حيث عمل هناك إماما متطوعاً بمسجد «النخلة» لمدة 4 سنوات ليرجع بعدها إلى بلدة حاسي العش سنة 1961، وعمل بها مدرساً للقرآن الكريم إلى غاية تعيينه إماما مرسماً سنة 1971... فكان الإمام والخطيب والمدرس والمرجع الديني في كل ما يتعلق بأمور الشرع حيث استفاد منه الكثير من الأئمة والباحثين. كما كان له الفضل في الفصل في كثير من النزاعات داخل البلدة وخارجها. عن «جمعية التنمية المحلية لبلدية حاسي العش».