تعتبرالزوايا في الجزائرمكسبا هاما حضاريا ، باعتبارها مركزإشعاع علمي وتاريخي نظرا للدور الريادي الذي لعبته في الحفاظ على المقومات الأساسية والثوابت الأصلية في الأمة ، حيث عملت على ترسيخ مبادئ الفضيلة ونشرالتعاليم الإسلامية السمحة ، أضف إلى ذلك ، دورها التعليمي والجهادي إبان الثورة التحريرية المظفرة ، حيث وقفت سداً منيعاً في وجه التغريب ، ومحاولات طمس الهوية الوطنية والإسلامية من طرف الاستدمار الفرنسي ... وتعد زاوية عين أقلال ببلدية بويرة الاحداب ولاية الجلفة ، واحدة من هذه الزوايا، ومعقلا من المعاقل الإسلامية الحصينة التي ذادت عن حياض الأمة في سبيل أن تبقى الجزائر واقفة أبية لا تلين ولا تحيد عن نهج أجدادنا الأوائل وسلفنا الصالح، وهي بذلك تعد من أقدم الزوايا على المستوى الوطني، حيث كانت تابعة إداريا إلى "عمالة الجزائر" . التعريف بالزاوية تقع زاوية عين أقلال ببلدية بويرة الأحداب ولاية الجلفة ويحدها من الشمال وحدات تكسير الحجارة ومن الجنوب أرض شاغرة وجبل ومن الشرق مقبرة الزاوية ومن الغرب مدرسة قديمة ومجمع صحي قديم. وهي بذلك تقع بالجنوب الشرقي لمقر البلدية على بعد كيلومتر ونصف بطريق معبد قديم وتتربع الزاوية على مساحة تقدر ب: 5632.63 م2 وتحتوي على مسجد بهندسة معمارية جميلة يتربع على مساحة 252م2 ، ومدرسة لحفظ القرآن مجهزة بمرقد ومطعم ، بالإضافة إلى مجمع صحي وعدة سكنات ، بحيث يمكن للزواية استيعاب أكثر من ثلاث مائة طالب . صورة عن موقع زاوية عين أقلال مؤسس الزاوية تأسست زاوية عين اقلال ببويرة الأحداب على يد الشيخ العلامة الرباني الحاج المختار بن خليفة بن الطاهر بن عيسى مولاي حدية الحدباوي بن عبد الرحمن الماكلي سنة 1861. والذي ولد سنة 1828م ببويرة الاحداب حيث ، درس على يد الشيخ مولاي الزيبان بطولقة ببسكرة ثم إنتقل إلى جامع الزيتونة بتونس لتلقي العلم والمعرفة، فبقي عدة سنوات ليتنقل بعدها إلى مصر أين التحق بجامع الأزهر الشريف فكان من رواد حلقة الشيخ الجليل عليش- شيخ المالكية- فتلقى عنده الفقه والتوحيد والتفسير وغيرها من العلوم الشرعية، كما التقى بالشيخ عبد الله بوصالح البنا جد الداعية حسن البنا بالإسكندرية حيث سمع منه صحيح البخاري . ليتوجه بعدها إلى مكةالمكرمة حاجاً وطالباً، فمدرّساً بمدينة الرسول ( صلى الله عليه وسلم) ، حيث قرأ عن مشايخ كثر من المشرق والمغرب منهم الشيخ الدعلمي الهندي والمحدث عبد الحي الكتاني والشيخ عبد الرحمن الجرجري الأزهري صاحب الطريقة الرحمانية والشيخ حسين بن إبراهيم المالكي وغيرهم كثر، وقد كانت له أكثر من 85 إجازة علم وتزكية من طرف جميع المشايخ الذين درس على أيديهم في مختلف الأقطار ، ثم رجع الى جامع الزيتونة ليعيّن مدرّساً ثم يعود قافلا إلى مسقط رأسه ببويرة الاحداب بعد أكثر من سنوات قضاها مفارقا لأهله وعشيرته في سبيل طلب العلم ، ويؤسس بذلك زاوية عين أقلال ليستقر بها نهائيا . ولقد أولى الشيخ اهتماما كبيراً بالزاوية ،حيث ترأسها لأكثر من 35 سنة كرّسها كلها لخدمة الإسلام والمسلمين، وقد كانت للشيخ اتصالات كثيرة بالأمير عبد القادر بن محي الدين الجزائري ، كما دخل على يده في دين الإسلام اثنان من المعمرين ، أحدهما فرنسي والآخر إسباني، سميا فيما يعد "رابح وعبد اللطيف" على التوالي، أين أقاما بالزاوية وتزوجا من أهالي المنطقة وهما الآن مدفونان بمقبرة الزاوية . وقد ترك الشيخ عدة مؤلفات مخطوطة بيده في علم الميراث والتجويد والبلاغة والنحو وغيرها من العلوم الشرعية كما ترك 05 مصاحف بخط يده على رواية ورش عن نافع . وقد توفي الشيخ صبيحة الجمعة من ذات أشهر 1898م . الشيوخ الذين تعاقبوا على مشيخة الزاوية إلى غاية اليوم : لقد تعاقب على مشيخة الزاوية منذ تأسيسها والى غاية يومنا هذا عدد من المشايخ الأفاضل هم : 1- الشيخ سي بن عزوز بن الحاج المختار بن خليفة :حيث تولى إدارة شؤون وحكمها بعد وفاة أبيه ، مؤسس الزاوية ودامت مشيخته 25 سنة إلى غاية وفاته عام 1923، وقد كان عدد الطلبة في عهده حوالي 120 طالب... 2- الشيخ سي محمد بن سي بن عزوز: تولى المشيخة بعد وفاة أبيه ودامت 41 سنة إلى غاية وفاته ويعتبر من أشهر المشايخ ، حيث بلغت الزاوية في عهده قمة عطائها وذروة شهرتها لدورها الهام أثناء الثورة التحريرية، ولقد كان الشيخ عضو بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين وكانت له لقاءات كثيرة مع الشيخ المصلح عبد الحميد بن باديس وشيوخ الجمعية في قسنطينة، كما له عدة إجازات من عدة مشايخ منهم : محمد عبد الحي الكتاني ، والشيخ محمد الصغير بن الحاج المختار الجلالي صاحب (( الأكوان )) ، وللشيخ مؤلفين في الفقه عبارة عن مخطوط بعث بهما إلى مطبعة المنار بتونس... 3- الشيخ سي المختار بن سي بن عزوز بن الحاج المختار : ولد 1898 ببويرة الأحداب حفظ القرآن الكريم وما تيسر من العلوم الشرعية والفقه والحديث بالزاوية ، وقد تولى مشيخة الزاوية 1964 بعد وفاة أخيه الشيخ سي محمد ، وكان مهتماً بشؤون طلاب الزاوية واعتنى بالأمور الإدارية والعرفية داخل تراب بلدية بويرة الأحداب ودائرة حد الصحاري وضواحيها حيث كان الشيخ الأول في المنطقة راعيا فيها لأمور القضاء ، كما كان له الفضل الكبير في الحفاظ على مكتبة الزاوية الكبيرة وعنايتها بهذا الإرث خاصة المخطوطات. توفى رحمه الله سنة 1984 بعد مسيرة حافلة بالعطاء والعمل الجاد خدمة للزاوية والعلم وإعلاء لكلمة الحق والعدل . 4- الشيخ محمد الصغير بن سي محمد: ولد 1918 اهتم به والده كثيرا حيث أرسله إلى جامع الزيتونة وبها تمكن من حفظ القرآن الكريم ومتن البيقونة والرحبية والغرة وجوهرة التوحيد ومنظومة السنوسي في علم الفلك ومنظومة مشوي في الطب وقد برع في معرفته بعلم الروحانيات وكتب الحكمة وعلوم الجبر والفلك، تولى مشيخة الزاوية بعد عمه سي المختار وقد أضاف إلى مكتبة الزاوية ووسّع فيها كي تكون مصدر إشعاع مستخدما في ذلك خبرته كمتخرج من جامع الزيتونة ، وقد كانت له علاقات ومراسلات حميمة مع بعض العلماء من المغرب وتونس، وقد توفى الشيخ يوم 31 مارس 1987. 5- الشيخ سي المصطفى بن سي محمد بن سي بن عزوز (توفي مؤخرا) : تولى المشيخة بعد وفاة أخيه 1987 إلى غاية 1997 ولكونه شيخ كبير طاعن في السن ولأسباب صحية تنازل عن المشيخة لأخيه الشيخ بولنوار المدعو عبد الرحمن 6- الشيخ بولنوار المدعو عبد الرحمن: ولد سنة 1948 تولى المشيخة في 1997إلى غاية يومنا هذا، حفظ القرآن الكريم ودرس الميراث وابن عاشر له عدة رحلات خارج الوطن إلى مكةالمكرمة والعراق وله عدة اتصالات بأعضاء الجمعية الخيرية بالمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة وهو الآن عضو الجمعية الولائية للزوايا بالجلفة وكذا رئيس جمعية الأنوار لزاوية عين أقلال . العلماء الذين درسوا في الزاوية لقد كانت زاوية عين أقلال مقصد الكثير من الزوار والعلماء والطلاب على حد سواء ومن بين العلماء الذين أقاموا ودرسوا بها العلوم الشرعية واللغة العربية وتحفيظ القرآن الكريم نذكر منهم : - الشيخ محمد الصغير بن الحاج المختار الجيلالي صاحب كتاب 'تعطير الأكوان ' - الشيخ محمد المغربي – الشيخ مسعودي الحاج بن المختار - الشيخ رحمون عبد الحميد بن سيدي لخضر العيساوي - الشيخ البشير بن ناصر العقوني الذي برع في الفقه - الشيخ عبد القادر بن سيدي عامر وكذا الشيخ محمد بن سيدي عامر وغيرهم كثيرون. الزاوية أثناء الثورة التحريرية ساهمت زاوية عين أقلال بدور كبير وفعال إبان الثورة في دفع الحركة الجهادية الثورية من أجل الدفاع عن الوطن والدين ، حيث كان مشايخها من السابقين لتعبئة أهالي المنطقة لمحاربة الإحتلال إعلان الجهاد ضده ، وقد قدمت الزاوية في ذلك الكثير، فقد استشهد إثنين من طلابها كانا قد التحقا بصفوف جيش التحرير بالمنطقة بالإضافة إلى طلبة آخرون شاركوا في الثورة نذكر منهم على سبيل المثال : - بوزيدي بن عزوز بن مطبر – مجاهد - ميساوي علي بن تونس – مجاهد (متوفي ) - عثماني بحوص بن امحمد – مجاهد (متوفي ) - بختي يحي بن مسعود – مجاهد ، وهو شاعر شعبي مشهور على عدة مشاركات على المستوى الوطني ولقد لعبت الزاوية في هذه المرحلة دوراً كبيراً في إنقاذ أهالي المنطقة من الجوع الذي ضربها، حيث شكلت جماعات من الحطابة والسقاة لتزويد الأهالي بالغذاء، وقد كانت للزاوية أراضي فلاحية خصبة شاسعة تدر وموارد هامة كما تكفلت باليتامى والفقراء خلال تلك الفترة . مكتبة الزاوية لقد كانت زاوية عين أقلال تملك و إلى وقت قريب مكتبة ضخمة تضم أمّهات الكتب وكذا مخطوطات هامة جيء بها من المشرق كمصر والعراق ومكة والمدينة المنورة وهذا ما أكده الجاسوس الفرنسي بيجي أندري والذي كان برفقة الحملات العسكرية ، حيث ذكر في كتابه (( الطرق الدينية والزوايا في الجزائر )) أنه زار زاوية عين أقلال 1870 وتحدث عن مكتبها وقال أن بها ألف مجلد ومائة وستون مخطوطا . الصحفي محمد صالح رفقة شيخ الزاوية كما يوجد بالمكتبة شهادة بيد الأمير عبد القادر الجزائري مكتوبة إلى شيخ الزاوية تكن الخير والتقدير والشكر لهم على ما قدموه من زكاة الإبل والبقر والغنم لفائدة المجاهدين ، كما تملك حاليا مصحف من 06 أجزاء مكتوبة بطريقة (( براي )) خاصة بالمكفوفين ، أحضر من مكةالمكرمة...إلا أنها تعيش الآن حالة من الإهمال . آفاق وأهداف لقد عمل شيخ الزاوية الحالي – خليفة بولنوار – كل ما في وسعه لإخراج الزاوية من عزلتها وفك الحصار المضروب عليها جراء التهميش والإهمال فعقد خلال شهر أوت 2000 ملتقى بها بحضور شيوخ الزوايا على مستوى ولاية الجلفة ومدير الشؤون الدينية بالولاية وبعض إطاراتها ، جاء للوقوف على وضعيتها وأشغال الترميم الجارية فيها وكذا التطرق إلى الدور الريادي الذي لعبته في المحافظة على الشخصية الوطنية والإسلامية بالمنطقة . بالإضافة إلى ذلك قام بتأسيس جمعية الأنوار لزاوية عين أقلال بتاريخ 31/10/2000 مشاكل تعيق عمل الزاوية تعيش الزاوية حاليا بالرغم من أن بها عدد محدود من الطلبة يزاولون بها الدراسة حالة أشغال تسير بصورة متباطئة والتي تم من خلالها ترميم مسجد الزاوية ومسكن وبعض غرف إيواء الطلبة في انتظار باقي الأجزاء الأخرى. وفي هذا تعاني الزاوية الإهمال وعدم الإهتمام بها في ظل نقص الإعتمادات المالية ، على الرغم من الوعود المستمرة لمختلف السلطات المحلية والولائية للمساهمة في إعادة بعث الروح في هذا المكسب الحضاري ولكنها بقيت مجرد وعود لا غير... ومن بين مشاكل الزاوية الأخرى بالإضافة إلى الإهتراءات التي اعترتها من كل النواحي نجد عدم تعبيد الطريق الذي يربط الزاوية بالبلدية والذي يجعلها في عزلة تامة مما يخلق صعوبات جمة في حالة التنقل إليها بالرغم من كون المسافة لا تتعدى الكيلومتر والنصف فقط باعتبار أن هذا الطريق يعتبر حيويا لسكان المنطقة ورواد الزاوية بالنظر الى الحركة الكثيفة والمتواصلة التي يشهدها خاصة في الأعياد والمناسبات الدينية ، وكذا الزيارات المستمرة لمقبرة الزاوية ، على الرغم من برمجته كمشروع من قبل دون أن يرى النور والذي يعلق عليه الكثير، خاصة وأن إمكانية إنجازه في القريب العاجل في الوقت الراهن حسب الوعود المقدمة تبدو كبيرة جدا قاب قوسين أو أدنى. وبين هذا وذاك وفي إنتظار تحقيق ذلك تبقى زاوية عين أقلال ببويرة الأحداب تعاني العزلة والنسيان والحرمان في انتظار من يأخذ بها لتكون كسابق عهدها قبلة لطالبي العلم ورواد المعرفة ومنهلا عذباً لحملة القرآن الكريم.