من يستمع اليوم إلى بعض من اعتلوا العمل الحزبي عندنا يكاد يصاب بالغثيان من المستوى المتدني الذي وصل إليه الخطاب السياسي خلال هذه الحملة الانتخابية، والتي قاربت على نهايتها دون أن يستطيع الناخب الجزائري أن يلمس شيئاً من المعقول فيما يقوله هؤلاء، فضلاً عن فك طلاسم هؤلاء المتطفلين على هذا الميدان، فلله في خلقه شؤون. ويحضرني هنا وصف أطلقه عملاق الفن الشعبي في الجزائر الحاج امحمد العنقاء حين رأى تهافت الكثير من المتطفلين على الفن دون أن تكون لهم الملكة لذلك فقال: «يحسبوا كل شي خطيف... غير آجي وازدم!». فمن هؤلاء... الفيلسوف، الغارق في الأوهام والوعود المعسولة إلى حد الثمالة، فتراه أطلق العنان لخياله حتى صار يطاول الغمام ويبشر بما لا يرى إلا في الأحلام أو الأفلام. ومنهم... الانتهازي المحترف الذي رأى في الانتخابات الفرصة التي لا تعوض للاحتيال، وذلك بفرض الجزية على بعض الطمّاعين في مراتب الترشيح. ومنهم... المنتقم الذي حاله أبلغ من مقاله، شعاره «عليه وعلى أعدائه»، فليس مهماً عنده أن يفوز، بل المهم أن لا يفوز الآخر بأي خير. ومنهم... مريض القلب والسريرة الذي لا يحسن إلا نشر ثقافة الحقد والبغضاء بين الجزائريين، فلا يحلو له عيش إلا إذا بث سموم الفرقة والعداوة بين أبناء الوطن الواحد، وراح يقابل هذا ضد هذا ويخوف هذا من هذا ويستعدي هذا ضد هذا، حتى يتسنى له الظفر بغنيمة الحرب كما كان ديدانه في كل مرة. ومنهم... الواهم الذي يعيش خارج الزمان والمكان، فتراه يهرف بما لا يعرف. فإذا سمعته خيل إليك أنه يخاطب قوما آخرين، وبلغة عصية على فهم العاقلين، يردد في كل إطلالة تعاويذ لا يفقه كنهها إلا هو. ومنهم... صاحب الأنا المغلظة، الغارق في أوحالها إلى الأذقان، الواقع في عشق حاله، المتيم بحسن مقاله، الذي يعتقد أن الحقيقة ملك يمينه، فلا قول مثل قوله، ولا فكر يرقى إلى رشد فكره. ومنهم... «البوعريفو» الذي ضمّن في برنامجه الشاردة والواردة التي تخطر على البال والتي لا تخطر، غير مكترث ببرنامج يتعاظم مع مرور الزمن، لحظة بعد لحظة، فقد تعرف له بداية ولكن لن تعرف له نهاية. ومنهم... الأمي في جميع لغات الدنيا، الذي تحول عنده البرلمان «برنمان» والقوانين «قانونات»، ولو خلا له المجال لكان كفيلاً بأن يجعل القوم يلعنون كلمة «انتخب» بجميع اشتقاقاتها، فينجز بذلك لبلد المعجزات معجزة أخرى في العزوف الانتخابي. ومنهم الظاهرة الصوتية الذي لا صخب يعلو على صخبه، ولا صراخ يضاهي صراخه، وهو القادر أن يفوز على أي «براح» محترف «بالعيطة» القاضية التي تصم الآذان. ومنهم «السكّوتي» «ومنهُ موتي»، الذي تراه يتمتم بتعويذات وطقوس سرية لا شأن للناس بها، فقد يغدو من أمامك ويروح، ويحل ويرتحل طوال «هملته» دون أن يثير انتباهك أو تحس له من أثر. لكن عزاؤنا من كل هذا وذاك، في القلة القلية، والبقية الباقية من أصحاب المشاريع النافعة، الذين يحترمون قومهم وعقولهم، فلا يتكلمون ب«ما يطلبه المستمعون»، ولا يخوضون في الترهات، ولا يستخفون بعقول الناس. بل يبشرون ولا ينفرون، ويجمعون ولا يفرقون، يدعون إلى الخير والمعروف ويعينون عليه، وينهون عن المنكر ويحذرون منه.