توجت جبهة التحرير الوطني بثقة الشعب الجزائري وفق النتائج الرسمية المعلنة، وتحقق حلم قائدها «الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية» في الظفر بالمرتبة الأولى، وبفارق كبير عن منافسيه، بنتيجة ربما لم تخطر على باله حتى في المنام، وهو الملاحق من طرف فريقه المقرب، قبل أن ينقلب عليه في ساعات قليلة، بعد كشف قوائم المرشحين لاستحقاق 10 ماي، تمرد زاد من متاعب الرجل الذي قاوم طيلة سنة كاملة، مناوشات معسكر ما سمي بجماعة «التأصيل والتقويم»، لكن شاء القدر و«حكمت الإرادات» في نهاية المطاف، أن يمنح الأغلبية البرلمانية بمجموع 220 مقعدا، وسط دهشة المراقبين وصدمة المشاركين وذهول الجبهويين أنفسهم. اليوم صارت المسؤولية كبيرة والأمانة ثقيلة على عاتق الحزب العتيد في تلبية انشغالات من «بايعوه» على الحكم مجددا بعد خمسين سنة من الاستقلال، ولن ينفع حزب «الجهاز» بعد اليوم تقديم الأعذار، بهدف تبرير الفشل في تحقيق وعوده أمام الناخبين، بعدما حاز الأغلبية شبه المريحة التي تؤهله لإدارة الحكومة، بما فيها رئاسة الوزراء، رغم محاولة عبد العزيز بلخادم أول أمس تحاشي الخوض في هذا الموضوع، من خلال حديثه عن صلاحيات عبد العزيز بوتفليقة الذي يحق له أن يختار من يشاء لتبوؤ المنصب المذكور، خوفا من انزعاج الرئيس الشرفي للجبهة، بخلاف المنطق الذي يلزم الأمين العام بطلب رئاسة الوزراء كاستحقاق موضوعي لفوز حزبه بالأغلبية. نتائج الصندوق وضعت الأفلان في موقع أكثر قوة فيما يتعلق بتشكيل الحكومة المرتقبة، التي يفترض أن يهيمن عليها، ليجسد بذلك تطلعات المواطنين الذين تعددت مطالبهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، من خلال البرنامج الطموح الذي عبر عنه في غضون الحملة الانتخابية، وشرحته قيادات الحزب في مختلف المحطات الدعائية. يدرك الجميع أن المعركة الانتخابية كانت قد وضعت أوزارها على وقع الاحتجاجات المطلبية التي مست الكثير من القطاعات الحساسة، على غرار التربية والصحة والعدالة والجماعات المحلية، ورفعت الأسعار في السوق الوطنية من لهيب الجبهة الاجتماعية المنهكة أصلا بضعف القدرة الشرائية. فهل ينجح حزب جبهة التحرير الوطني في أن يلعب دور رجال المطافئ، أم أن مصيره في مواجهة هذه التركة المتراكمة سيكون كمن تلقى هدية مسمومة؟ في مقابل هذا التحدي الذي فرضته نتائج الاقتراع على قيادة الحزب التاريخي في البلاد، فإن معطى الصناديق الانتخابية، سيفتح من دون شك فصلا جديدا ويرسم مرحلة مغايرة في مسار الأفلان، إذ إن خصوم عبد العزيز بلخادم توعدوه قبيل محطة البرلمانيات بالويل والثبور وعظائم الأمور، وحددوا تاريخ 19 ماي الجاري موعدا لمحاكمة مركزية، تنهي مشواره على رأس الحزب، بعدما اتهموه بالانحراف عن خطه المذهبي بتعبير كبيرهم الذي علمهم الفلسفة، هيشور بوجمعة، في حين تعهد الأمين العام على مرأى ومسمع من الملأ أجمع بأنه سيرحل إن فشل في نجاح الأفلان. عبد العزيز بلخادم كسر شوكة مناوئيه الذين جزموا بسقوط قوائمه الهزيلة وفق وصفهم، وأثبت أنه جدير بالتربع على عرش الحزب العتيد، فماذا عسى هؤلاء أن يفعلوا بعدما قطع الشعب قول كل خطيب، هل يستمرون في مناطحة الجبل الشامخ، أم أنهم سيلجأون للبحث عن منافذ تعيدهم «لواذا» إلى بيت الطاعة صاغرين.