من المتعارف عليه نفسيا، أن تمني وقوع البلاء في أحيان كثيرة أرحم من انتظاره، فعقوبة الترقب والانتظار وشد الأنفاس، فاتورة إضافية تضاهي مرارتها تكلفة البلاء وقد تفوقه إذا كان ثابتا كحالة وحال الوضع الذي تعيشه حكومة بطاقم وزاري، بدأ عدها العكسي منذ زمن لتنتهي صلاحية تمديد رصيدها مع ظهور نتائج التشريعيات، حيث الشامي شامي والبغدادي «قطري». وفي انتظار إعلان أحدهم على طريقة رآه شاهد عيان من وادي سوف، فإن الأبصار مشدودة اليوم من طرف كثير من المستوزرين لتقصي هلال «البيان» الرئاسي، الذي سيفصل في «نحب» هذا، كما سيمدد في «نخب» ذاك.. هم كثر وأغلبهم أيديهم على قلوبهم وعلى «جباههم»، في وضع الجالس في الطابور لاستباق خبره واستراق السمع ومشهدهم بوضعه «الباكي» والمتمسكن، حيث الترقب سيد المكان، يدعو إلى الشفقة والرأفة والعطف بمن أذاقتهم أحلامهم ومخاوفهم وضع «الطابور»، حيث من نفس الكأس شربوا وهاهم ينتظرون ويصطفون وأيديهم وراء ظهورهم في انتظار كلمة فصل و«فاصل» أحسن إذلال من كانوا يعتقدون لعشريات كاملة أنهم هم «الطابور»، فإذا بالطابور يغير موقعه وإذا بوزراء من وزن جمال ولد عباس وبن بوزيد وخالدي وخليدة تومي وكذا بركات، بالإضافة إلى كبيرهم الذي علمهم السحر أحمد أويحيى، يقفون مشدوهين في وضع ليس فيه من الدعاء إلا دعوة «اللهم لا شماتة».. فإنهم حقا مساكين بعد أن كانوا «سكاكين».. مع التذكير أن وضع انتظار هلال التغيير، أفرز لنا ثلاثة أنماط من المنتظرين، نوعية وزراء مترشحون دفعوا كفّارة الرجوع بعودتهم عن طريق الصندوق، ووزراء صائمون، ينتظرون آذان المغرب، لعلهم يحظون بفرصة إفطار جماعي مع المستوزرين الجدد وذلك في إطار قفة المساكين. أما ثالث الاثنين فإنهم وزراء يعلمون أن سفرهم أضحى ضرورة سلطوية لمحاصرة كوابيس الربيع العربي وذلك بتقديم بعض قرابين التغيير، حتى يتنفس الناس ويتنفس النظام من شبح أن يأتي عليه «ربيعه» في صيف، بدأ باتهامات التزوير البرلماني، وانتهى إلى تحول «نخبة» من الطلبة الجامعين المتفوقين، إلى «كاشير» بمطعم بجامعة تلمسان.. فئة وزراء دفعوا الكفّارة؟ على عكس الوزراء الذين تحصنوا بخيار، رحم الله امرئ ، ولو كان وزير، عرف قدر نفسه، فلم يضع اسمه في الميزان الانتخابي، فإن ثلة من الوزراء وعددهم لا يتجاوز أصابع اليد، غامروا بالدخول في المعترك الانتخابي في رهان، إما أن يكسبوا أو يفقدوا كل شيء، والجماعة إياهم، على رأسهم رشيد حراوبية ولوح وعمار غول وشريف رحماني وعمار تو، قد دفعوا ثمن الانتظار والترقب والخوف مسبقا، بعدما رموا بأنفسهم إلى الشارع، وعلى طريقة مادام البلاء قائما قائما، فإن أحسن حل أن يذهبوا إليه، حتى ينالوا حظهم في التفرج على من يليهم من منتظرين، ومتأخرين، وتنطبق مغامرة الوزراء الذين دفعوا الكفّارة مسبقا، على مشهد العقوبة الجماعية، التي كان يطبقها بعض المعلمين لقسم كامل، حيث الأذكياء من التلاميذ كانوا يتنافسون على الدور الأول لأخذ العقوبة، وذلك حتى ينالوا فرصتهم في التفرج على «المضروبين» بعدهم، وهو حال رحماني ولوح وعمار غول وحراوبية، حيث عاش هؤلاء ضغطهم النفسي في الشارع ودفعوا فاتورة العقوبة مسبقا لينالوا الآن فرصتهم في التفرج على زملائهم الخوافين، وهم يقضون عقوبة الانتظار، وذلك لأن الوزراء المترشحون، وعقب فوزهم الانتخابي، ضمنوا على الأقل الحد الأدنى من البقاء في المسؤولية، ولو كنواب، أما ما يمكن أن يأتي من «استوزار» مرتقب فهو من «الفائدة».. يعني رأس المال مضمون عند رحماني ولوح وغول وعمار تو.. أما الفايدة فإنها بيد الرئيس يهبها لمن شاء منهم.. فئة وزراء صائمون.. هذه الفئة تجسدها نوعية من وزراء «راڤدة واتمونجي»، حيث كاد المواطن أن ينساهم، كونهم لعشريات من الاستوزار، لم يسمع بهم أحد، أولا لأن قطاعاتهم لا تعني سوى مؤسسات فئوية، يحتاج البحث عن مقراتها إلى مرشد سياحي، وثانيا، أنهم لم يسجلوا حضورهم إلا من خلال ندوات تذكر المواطن بين الحين والحين بأنهم وزراء في حكومة بها 23 وزيرا، أكثر من نصفهم لا يذكر وجوههم كما لا يعرف اسمائهم إلا مقربيهم، ومن تلك العينات ، نوارة جعفر، الهادي خالدي، حميد تمار، عبدالله خنافو، اسماعين ميمون ، محمد عباس، بن بادة، رشيد بن عيسى، وغيرهم من وزراء، لم يأت عليهم ذكرا إلا في مناسبات متلفزة معدودة، وهم ما يمكن أن نطلق عليهم لقب وزراء صائمون، جاءوا في صمت وعملوا في صمت، وهاهم ينتظرون رحيلهم أو تثبيتهم عبر نشرة الثامنة طبعا، في صمت، فهم صائمون بالوارثة.. فئة وزراء مسافرون؟ هذه الفئة، أكثر الوزراء خوفا وترقبا وانتظارا وذلك لما فعلوه ولما لم يفعلوه حتى الآن من نكبات خلال مرورهم غير المريح على القطاعات، ولنبدأ من وزير التربية بن بوزيد، عميد الصامدين أمام كل تغيير وهلال رمضاني، فالرجل رغم مساوئه التي محت كل حسنة تربوية، إلا أنه يظل المعني الأول بالتغيير كعربون يفترض أن يقدمه النظام لعمال قطاع أضحى ربيعهم التربوي متجدد في كل حين، وهي الحالة والوضع الذي يعرفه بن بوزيد عن قرب، لذلك فيد الرجل على قلبه، وعلى قلب ربع قرن من أنا الوزير، وبين أن يسافر أو يتم «تسفيره» غصبا، فإن انتظار الرجل لمصيره أضحى أمرا محتوما، وهو نفس حال ولد عباس، الرجل الضجة، الذي ترك أزماته في التضامن، حيث قفة المشاكل والمتناقضات فوق أن تحصى، ليكمل مشواره بقطاع صحة شهد بدلا من زلزال زلازل، الواحدة تلو الأخرى، وهو ما يعرفه وزير صحة «السانسور طاح في السبيطار».. في الجهة الآخرى، فإن سفر خليدة تومي إلى عاصمة غير عاصمة الثقافة، يحكمه «ربيع» ثقافي، تعلم الوزيرة أنه لم يكن إلا في نكتة «ألف كتاب» وألف عنوان، والف «أف» من ثقافة الرقص التي انتهى وقتها ووقت الوزيرة.. بالإضافة إلى خليدة، فإن «بركات» وزير التضامن الذي خلف بن عيسى في الفلاحة، وزارة دون فلاح ولا فلاحين، يعتبر واحد من المسافرين الذين يجلسون أمام التلفزة الوطنية في انتظار إشعار بنهاية زمن التعيين الوزاري عبر «التضامن» الذي كان سيد التعيينات والتوزير في بلاد اعترف رئيسها بأن «جنان حكامها طاب».. ورغم ذلك لايزال بعض الوزراء أمام التلفاز ينتظرون فرصة جديدة عنوانها «الجنان طاب.. أرواحو كولو».