50 سنة تمر على استقلال الجزائر لكن رغم ذلك فإنه بات من المسلم به أن حرب «التاريخ والذاكرة» بين البلدين لن تنتهي فصولها، حيث يقر مجاهدون وخبراء في ندوة «البلاد» أنه لا يمكن أن ينتهي دون وضع النقاط على الحروف خصوصا بعدما سنت فرنسا في سنة 2005 قانون تمجيد الاستعمار الذي صب الزيت على النار بين الجزائر وباريس. المؤرخ محمد القورصو «الفرصة مواتية لفتح الملف وعدم السكوت عنه» يعتقد الرئيس السابق لجمعية الثامن ماي 1945 التاريخية المؤرخ محمد القورصو في تصريح ل«البلاد» أنه مع حلول كل ذكرى تاريخية، يجد ملف تجريم الاستعمار نفسه مطروحا على ساحة النقاش، وفرصة مناسبة للمطالبة بفتح نقاش جماهيري ووطني حول ظاهرة تجريم الاستعمار وتجديد مطالبة فرنسا بالاعتراف بما ارتكبته من جرائم في حق الشعب الجزائري. ويشير القورصو إلى أن هذا النقاش الوطني يجب أن يكون ردا على إصرار فرنسا على تمجيد الاستعمار، مؤكدا أن إنشاء مؤسسة فرنسية تاريخية لكتابة تاريخ حرب الجزائر وتونس والمغرب، تهدف إلى طمس الذاكرة وتحريف التاريخ وتقديم الاستعمار الفرنسي لهذه البلدان على أنه جهد لنقل الحضارة إلى شعوب المنطقة. ويشدد المتحدث على أن «كل الجزائريين دفعوا ثمن ما ننعم به اليوم وللأسف ضيعنا فرصة فتح ملف تجريم الاستعمار لكن فرنسا الاستعمارية لم تفوت أية فرصة تأكيد التزامها بتمجيد الاستعمار». ويعتقد القورصو أن البرلمان الحالي مطالب بالتراجع عن قرار البرلمان المنتهية عهدته والمخيب للآمال بشأن تجميد مشروع قانون تجريم الاستعمار، وإصدار هذا القانون ردا على قانون تمجيد الاستعمار الذي صادق عليه البرلمان الفرنسي في فبراير 2005، معتبرا أن قرارا كهذا يعد تراجعا عن المطالب السيادية للدولة الجزائرية تجاه فرنسا فيما يتعلق بالاعتذار والتعويض عن جرائم الاستعمار الفرنسي للجزائر (18301962). كما دعا القورصو إلى انتهاز الخمسينية لإلزام الحكومة الفرنسية بإزالة الألغام وتنظيف مناطق التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية عام 1956 من التلوث الإشعاعي، ومحاكمة مجرمي الحرب الفرنسيين في محاكم جنائية يتم إنشاؤها في الجزائر. كما رجع القورصو إلى الوراء ليقول إن أهم الجرائم التي كان يتباهى بها الضباط الفرنسيون هي تصفية قبيلة العوفي عن بكرة أبيها وإبادة قبيلتي العكرمة وأولاد مسعود بتيارت والتي لم يتوان السفاح بيجو عن قتل وحرق يوم 7 ديسمبر 1864 حوالي 200 رجل وسجن 500 من هاتين القبيلتين حيث تم ترحيل الأسرى قسريا من أراضيهم بأبشع الطرق افتخارا بإنجازاتهم وطمعا في الحصول على الترقيات والأوسمة مقابل جرائمهم. كما لا يمكن السكوت أيضا عما عمدت إليه السلطات الاستعمارية عندما قامت بعمليات تهجير الجزائريين ل«منح أراضي الجزائريين للمعمرين» الذين جلبتهم فرنسا من كل أنحاء أوروبا لطمس الهوية الجزائرية. المحلل السياسي الأستاذ : بوحنية عبد القوي المشروع يحتاج إلى إرادة سياسية يرى المحلل السياسي الأستاذ بوحنية عبد القوي أن سن قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر يحتاج إلى إرادة سياسية كبرى لأنه رغم مرور 50 سنة من الاستقلال، مازالت بعض المناطق في الجزائر تعاني من آثار ومخلفات الاستعمار الفرنسي، حيث مازلت الألغام التي زرعها المستعمر تنفجر بين الحين والآخر مخلفة قتلى وجرحى والتجارب النووية في الجنوب الجزائري تحدث إصابات بالأمراض الخطيرة وخاصة السرطان والتشوهات الخلقية. وأضاف المتحدث أن هناك العديد من المناطق الصحراوية التي أجرت فيها فرنسا تجاربها النووية تعاني من أعراض هذه التجارب، حيث تسببت في عدد كبير من الإصابات المتوارثة بأنواع من السرطانات، بسبب الإشعاعات التي أفرزتها تلك التجارب قبل نصف قرن. وشدد المتحدث على أن تماطل فرنسا في تقديم الاعتذار والتعويض عن جرائمها المقترفة وتنكرها لماضيها الاستعماري، ورفضها الاعتراف بمسؤوليتها في هذا الشأن، دفع إلى مزيد من التوتر السياسي بين الجزائر وباريس رغم جهود هذه الأخيرة في تسوية خلافاتها التاريخية مع الجزائر. كما يرى المحلل السياسي وعميد جامعة العلوم السياسية والعلاقات الدولية بورڤلة، أنه عندما أعلنت فرنسا إنشاء مؤسسة لتمجيد الاستعمار للجزائر وتونس والمغرب، كان ذلك إيذانا بعودة التوتر إلى العلاقات الجزائرية الفرنسية ومطالب جزائرية بفتح نقاش حول تجريم الاستعمار، وكان الوقت مناسبا لعدد من الفعاليات الجزائرية لمطالبة الحكومة والبرلمان إلى التراجع عن قرار تجميد مشروع قانون تجريم الاستعمار الذي بادر به 125 نائبا في البرلمان، كما طالبت هذه الهيئات بفتح نقاش وطني حول مشروع قانون تجريم الاستعمار. وطالب بوحنية المعنيين بانتهاز فرصة مرور خمسين سنة من الاستقلال لفتح الموضوع من جديد لإنهاء شوط كبير من تضميد ذاكرة الجزائريين. المجاهدة زهرة ظريف بيطاط: معركة تجريم الاستعمار معركة المجتمع تعتبر المجاهدة زهرة ظريف بيطاط أن فرنسا مجبرة على الاعتراف بجرائمها التي ارتكبتها في الجزائر. وقالت بيطاط إن عددا من المؤرخين والسياسيين الفرنسيين والناشطين هم الأكثر مطالبة لحكومة بلادهم للاعتراف بمسؤوليتها الأخلاقية على جرائمها الدموية طيلة فترة استعمارها للجزائر. وأكدت بيطاط أنه من الخطأ الاعتقاد أن الجرائم الفرنسية يقصد بها فترة الثورة التحريرية فقط، لكنها امتدت منذ دخول فرنسا الى الجزائر منذ عام 1830. وتشدد بطلة معركة الجزائر أنها لاحظت خلال زيارتها الأخيرة الى فرنسا أن المتطرفين الفرنسيين والأقدام السوداء مازالوا يكنون أحقادا كبيرة للمجاهدين والثوار في الجزائر ودعت المجتمع المدني في الجزائر إلى أن يكون في مقدمة القوى التي تؤسس للوعي الوطني وتعمل في مجال التاريخ وكشف الحقائق ودعوة الشباب إلى الاهتمام بالثورة وبالتاريخ، لمنع محاولات التشويه والتزييف التي تقوم بها فرنسا، والتي تستفيد من وسائل الإعلام تستغل قصد تزييف الحقائق التاريخية وتجميل الماضي الاستعماري والإجرامي لفرنسا في الجزائر، ومن حراك قوي للجمعيات والمنظمات التي تدور في فلك خيار «الجزائر فرنسية»، لدرجة سعيهم لتجريم المجاهدين الجزائريين ومحاكمتهم على ما قاموا به إبان الثورة، مشيرة إلى أنها كانت ضحية لهذه المحاولات. المجاهدة لويزة إغيل أحريز : اعتراف فرنسا بجرائم الاستعمار مسألة أخلاقية أكدت المجاهدة لويزة إغيل أحريز أحريز في تصريح خاص ل«البلاد» أنها كانت تنتظر وتتطلع بشغف كبير إلى ما سيقوم به الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند بشأن تصحيح مسار العلاقات بين فرنساوالجزائر والأقدام على خطوة جريئة تتضمن اعتراف فرنسا بجرائمها ومسؤولياتها الأخلاقية على ما ارتكبته قوات الاستعمار في الجزائر. وأكدت أحريز أنها مازالت تأمل في أن يقدم الرئيس هولاند اعتذارا صريحا من بلده يوجه للجزائريين، مشددة على أن العلاقات بين الجزائروفرنسا تبنى بالاعتراف بالذاكرة الاستعمارية لفرنسا التي بقيت آثارها إلى حد اليوم. وقالت المجاهدة أحريز التي تعرضت الى التعذيب الشديد بعد انطلاق الثورة أن الذاكرة الجزائرية لن تمحى بجرة قلم أو بالتوقيع على معاهدة ولكن بتصريح صريح واعتراف بما فعلته فرنسا فينا قبل الاستقلال وخلال 130 سنة. وشددت على رفضها التام فكرة إبرام أية معاهدة أو ميثاق الصداقة بين الجزائروفرنسا في ظل التعنت الفرنسي الرافض للاعتذار عن الجرائم التي اقترفتها القوات الاستعمارية طيلة 130 سنة في حق الجزائريين. وتساءلت أحريز التي كان لها الفضل الكبير في فتح ملف تعذيب المجاهدات الجزائريات «كيف يمكن أن نمسح حزنا دفينا وجرحا عميقا لم يندمل بع، وأن الجزائريين عرفوا أشد العذاب في 584 مركزا للتعذيب باسم العلاقات والصداقة بين البلدين». الخبير في القانون الدولي فوزي أوصديق : البرلمان الجديد يتحمل مسؤولية بعث قانون تجريم الاستعمار يحمّل الخبير القانوني الدكتور فوزي أوصديق البرلمان الجديد مسؤولية إعادة نفض الغبار عن مشروع قانون تجريم الاستعمار الذي وضع في الدرج في العهدة التشريعية المنقضية، والذي طرحه 120 نائبا في فيفري 2010. وقال أوصديق في تصريح ل«البلاد» إن العلاقات الجزائرية الفرنسية تطبعها العاطفة التي تخفي الكثير من الأشياء العقلانية. وطالب المتحدث في ندوة «البلاد» بضرورة رؤية هذه القضية بعين «عقلانية» بعيدا عن العواطف التي تحجب الحقائق أحيانا، مشيرا إلى أن نسيان الماضي والتحدث عن المستقبل في العلاقات الجزائرية الفرنسية يجب أن يمر عبر سن قانون لتجريم الاستعمار واعتراف فرنسا بجرائمها التي ارتكبتها في الجزائر، مشيرا الى أنه ما دون ذلك فإن العلاقات بين البلدين ستبقى بين مد وجزر. ^ هناك قناعة لدى الرأي العام، أن البرلمان فشل في سن قانون يجرم الاستعمار، لماذا؟ القول إن البرلمان لم يوفق في سن قانون لتجريم الاستعمار هو كلام مجانب للصواب، وباعتباري مندوب أصحاب مقترح مشروع تجريم الاستعمار، يمكن أن أقول وببال مرتاح أن البرلمان السابق وفق في مسعاه، بعد أن أوصل المشروع إلى الحكومة، لكن المشروع اصطدم بظروف إقليمية ودولية عرقلت المضي فيه. ^ ما هي هذه الظروف على وجه التحديد؟ المشروع اصطدم بظروف إقليمية ودولية عرقلته نوعا، ومن بين ما عرقل المشروع اصطدامه بالربيع العربي المفتعل، مشروع من هذا النوع وبتلك الأهمية، يستلزم أجواء سياسية ودبلوماسية مواتية. ورغم ذلك، يجب التأكيد أن المشروع نجح في تحقيق أهداف منها تلطيف الأجواء بين فرنساوالجزائر. ^ في اعتقادك، ماذا حقق المشروع أو المبادرة، إن صحح التعبير؟ أهم نتيجة حققها مشروعنا، هي المساهمة في صعود التيار الاشتراكي في فرنسا بعدما حقق فوزا كبير للمرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند، وبعد هيمنة المعسكر الاشتراكي على البرلمان الفرنسي، وبالمقابل هزيمة اليمين الفرنسي المتطرف بقيادة نيكولا ساكوزي. ثاني نقطة حققها المشروع انه قد تحول إلى مطلب شعبي لكل الجزائريين، رغم اختلاف توجهاتهم الفكرية والاديولوجية. ^ ماذا يمكن أن يتحقق بوصول هولاند إلى الرئاسة؟ أعتقد أنه من الممكن للسياسة الفرنسية أن تنسجم مع السياسة الجزائرية، وهذا لن يتحقق دون إقرار واعتراف فرنسا بجرائمها الاستعمارية، لأن توطيد العلاقات بين الدولتين يجب أن يمر بتصفية ترسبات الماضي، فلا يمكن أن نخطو خطوة إلى الأمام دون أن ننظر بعين الماضي إلى السلبيات والإيجابيات. فلا يمكن لأي كان أن يناور في قضية التاريخ والذاكرة وعن عمق الأمة ومستقبل الأجيال. ^ ألا زلت متمسكا بالمشروع؟ نعم، ففي اعتقادي أن الأجواء والظروف السياسية جد مواتية، ونحن نسعى من خلال طرح الأمين العام للأفلان الذي انتمي إليه، إلى المضي في هذا المسعى. ^ المشروع تتجاذبه عدة أطراف تدعي أنها السباقة إلى تبنيه، ما ردكم؟ كلامي أوجهه صراحة إلى تكتل الجزائر الخضراء، وأقول لهم إن المشروع لنواب البرلمان ككل ولكل الجزائريين، ولتعلم كل الأحزاب السياسية أن المناورة على المشروع ستكون فاشلة. أما أملي أن تتواصل كل التيارات في البرلمان، مع الأفلان باعتباره صاحب الأغلبية في المجلس الشعبي الوطني إلى وضع المشروع على السكة الصحيحة.