انتقد مهتمون بقضايا التاريخ والذاكرة مواقف السلطة إزاء تجريم الاستعمار الفرنسي، واتهموا الدولة ''بكامل مؤسساتها بالتواطؤ وإدارة ظهرها للقضية التاريخية، وتوظيف التاريخ بشكل سياسي، ووفقا للمتغيرات المرحلية، وحسب الظروف التي تكون فيها العلاقات مع فرنسا'' . قال أستاذ التاريخ محمد القورصو، في اتصال مع ''الخبر''، حول فشل السلطات الجزائرية في الحصول على أي اعتراف من فرنسا، بشأن جرائم الاستعمار، أن الخطاب السياسي للدولة الجزائرية، الذي يطالب الدولة الفرنسية بالاعتراف بجرائمها ''لا يجد له على أرض الواقع ما يفسره''، مشيرا إلى التناقض الكبير في هذا الموقف مع تعطيل قانون تجريم الاستعمار الذي اقترحه نواب في البرلمان ''الذي حاربته السلطات العليا، وأفشلت كل محاولة لوضع آلية قانونية تجرم الاستعمار الفرنسي، بسبب التخوف من الحساسيات التي يثيرها الملف الذاكرة، في العلاقة مع فرنسا'' . وأكد القورصو عشية الاحتفال بالذكرى 56 لمجازر الثامن ماي 1945، أن السلطات ''توظف التاريخ وفقا للعلاقة المرحلية التي تربطنا بالمستعمِر السابق، ولا تستفيد منه، كورقة هامة في علاقاتها مع فرنسا''. وأضاف ''لغة المصالح والاقتصاد، ألغت التاريخ، وأحسن دليل ما وصلت إليه العلاقات الفرنسية الجزائرية من فتح السوق الوطنية للمنتجات والمستثمرين الفرنسيين، دون أن يحضر أو يستدعى التاريخ''، وشدّد على أن فشل الجزائر على الأرض، في الحصول على أي التزامات من فرنسا، بخصوص الاعتراف بحق الجزائريين، وتعويضهم، والاعتراف بجرائمها الاستعمارية، ''يعود إلى وضع التاريخ رهين يد السلطة والحسابات السياسية، وهو ما سمح بحدوث انزلاقات خطيرة، تتمثل في الاتهامات المتبادلة بين أطراف ساهمت في الثورة التحريرية على اختلاف مستوياتها''. في إشارة إلى التراشق اللفظي بين ياسف سعدي ولويزة إيغيل احريز. واعتبر ما أسماه ''التوظيف السياسي قد قادنا إلى مرحلة صار فيها تاريخ الثورة التحريرية مهددا في الداخل، ومن طرف أولئك الذين قاموا بالثورة، ودخلنا في حرب أهلية ضد الذاكرة الوطنية، والجزائر الرسمية تدير ظهرها للتاريخ''. وشدّد محمد القورصو على أن الرئيس بوتفليقة يتحمل وضع الأدوات، التي تعيد الحق الجزائري في الحصول على اعتراف بجرم المستعمر، على اعتبار أن الملف له علاقة بالسياسة الخارجية والدبلوماسية''. وتطرق القورصو إلى قضية عدم تنصيب مجلس الذاكرة الذي نصّ عليه قانون المجاهد والشهيد، الصادر في أفريل 1999، في مقابل إسراع فرنسا في تنصيب مجلس، توكّل بكتابة تاريخ حرب الجزائر والمغرب، وفقا لما نص عليه قانون 2005، وأسندت له ميزانية ثقيلة. من جانبه قال رئيس جمعية الثامن ماي 1945، خير الدين بوخريصة، أن فشل الجزائر في تحصيل الحقوق المادية والمعنوية، ووضع نص قانوني يجرّم الاستعمار ''مشكل دولة''، وفسّر ذلك بأنه ''الدولة بكل مستوياتها، هي تتحمل هذا الفشل، بسبب أنها لا تريد اتخاذ موقف صريح وواضح بشأن قضية الحقوق التاريخية والسياسية للجزائريين''، مشيرا إلى أن أطراف المجتمع المدني، والمهتمون بقضايا التاريخ في الجزائر، لم يفهموا سبب إصرار السلطات الجزائرية على وضع مقترح قانون تجريم الاستعمار في الدرج، ومنع نواب البرلمان من المصادقة عليه.