للثورة السورية ميزة تاريخية.. ولعلها الثورة الشعبية الوحيدة التي عرّت العالم برمته.. وأسقطت عنه آخر ورقة توت كان يتستر بها عن العيون. ففي مواقفه.. كما في ممارساته وتصريحاته.. تجلى هذا العالم – إلا من قلة قليلة منه – مكشوف السوأة.. متجردا من لباسه الخارجي والداخلي.. يتجول في أرصفة المدن العالمية عريانا كما ولدته أمه.. فلا يشعره ذلك بحياء.. ولا يثير في نفسه خجلا.. ولا يدعوه للاختفاء أو الاختباء. تحولت 192 دولة في الأممالمتحدة إلى ما يشبه نادي العراة العالمي.. حيث يستجم الجميع على شواطئ الفضيحة.. وينامون مطمئنين في ضيافة جزار دمشق.. ويقضون أعذب الأوقات في الاستماع لقصائد الجعفري في مجلس الأمن. لقد كسرت هذه الثورة المجيدة.. الواجهة الزجاجية لسوبر ماركت الأممالمتحدة.. وظهرت البضائع المسوقة من طرف وكلاء البيع.. من أمثال بان كي مون وكوفي عنان ونبيل العربي.. بمثابة علامات تجارية مغشوشة.. مصنوعة في الصين بالاشتراك مع روسيا.. وبضمان عرّاب الخراب العالمي إسرائيل. «دراكيلا» يرقص على جثث الشعب السوري.. مدججا بعدته من الخبث والسفالة وألوان القذارة .. وجوقة الحل السياسي يزداد إيقاعها.. والتصفيق الحار لرواد نادي العراة الساقطين يرتفع مع كل صاروخ يسقط على رأس طفل نائم في حضن أمه.. كلام ووعيد وتنديد وبيانات وعنتريات فارغة.. لم تثن حفار القبور السوري عن تكديس الموتى بالجملة.. بانتظار من يقول له (استرح الآن وللأبد.. فهذه جثة آخر سوري على وجه الأرض).. ألم يصرح آصف شوكت العلوي البعثي أنه.. (على استعداد للحكم ولو على جماجم ملايين السوريين)!!! ولعله الآن.. وقد عبر إلى الضفة الأخرى.. يجد الجماجم هذه في استقباله. ^^^ لماذا هم عراة..؟ ولماذا قبلوا الخروج إلى الشارع بغير ثياب؟ هل أصبحت الفضيحة.. عنوانا لممارسة السياسة بأسلوب الخداع والمراوغة.. أملا في تمكين الجاني من الضحية؟ يقف الشعب السوري وحيدا في مواجهة نظام القتلة المحترفين.. وليس معه أحد إلا الله.. ولهذا السبب يرددون في كل جمعة.. (ما لنا غيرك يا الله).. فكبار العالم الذين يسارعون في إدانة المجرمين الصغار.. لا يفعلون شيئا ضد أكبر مجرم في هذا القرن.. بل يحاورونه.. ويوفرون له الفرصة تلو الفرصة.. لينجوا بنفسه وآله.. ويترجونه أن يريحهم من هذا الكابوس. كم مرة طلبوا من بشار أن يرحل.. فهل رحل بشار؟.. وهل كف عن قتل السوريين وهتك أعراضهم وتدمير مدنهم وقراهم؟ إن المراقبين الدوليين مجرد تمويه عن العجز الدولي وقد يكون خيارا لدى البعض منهم وإلا.. أيعقل إرسال مراقبين عاجزين حتى عن الدفاع عن أنفسهم.. ليقيموا في فنادق خمس نجوم.. ويناموا ملء جفونهم.. وحين يستصرخهم الضحايا.. لا يفعلون شيئا.. سوى معاينة مسرح الجريمة بعد تنظيفه من أثر الجريمة. منذ أكثر من سنة.. وأسطوانة التنديد تدور في الفراغ.. وآخرها (أن واشنطن تحذر من وقوع مجزرة في حلب، لكنها لن تتدخل عسكريا..).. وأردوغان (يهدد برد عسكري، مضيفا أن الرئيس السوري بشار الأسد يوشك على فقدان السلطة وأن بعض الدول تحاول منع نظامه من السقوط).. نعم إنه يهدد.. منذ عام ونصف العام .. والجامعة العربية تجتمع لترجو السفاح (أن يتعقل ويتخذ خطوة شجاعة ينقذ بها بلده وشعبه ويوقف هذا الدم بشكل منظم)، على حد تعبير رئيس الوزراء القطري. أصدقاء الشعب السوري.. وهم قرابة المائة دولة.. أصدروا الكثير من البيانات.. وقدموا الكثير من الوعود والدعوات.. لكنهم لم يخلصوا في النهاية إلى أية نتيجة على الأرض.. بل كانوا ينفضون على أمل اللقاء مرة أخرى.. وكانوا يعتبرون (دخول السلاح إلى سوريا أمرا خطيرا عليها وعلى الدول المجاورة).. بمعنى أنهم كانوا يرفضون تسليح الثوار.. في مواجهة آلة القتل النظامية. ^^^ السوريون يقتلون ويهجرون.. وهم يشاهدون مدنهم كيف تقصف على رؤوس من فيها.. وقد كلّت حناجرهم من الصراخ (يا عالم أنقذونا.. أو دعونا ننقذ أنفسنا).. فلا العالم أنقذهم.. ولا هو تركهم يتسلحون لينقذوا أنفسهم.. وينجزوا مهمتهم بأيديهم. لا نية لدعم هذا الشعب الشريف.. الذي نكّل به الطغاة من آل الأسد وشيعته أربعين عاما.. وعندما ثار ينشد حريته.. تواطأوا مع السفاح.. ليعيدوه إلى قفص الذلة والاستعباد.. وراهنوا على الزمن ليفشل ويستسلم. إن النفاق الدولي.. سلاح فتاك وضع في يد بشار.. وورقة مناورة يستغلها للإجهاز على الثورة.. وكلما زاد منسوب وحشيته.. زاد خذلان العالم للثورة السورية. إن نظاما دمويا بصورة تفوق الوصف .. لا يجدي معه الرجاء.. ولا تنفع في ردعه العقوبات الاقتصادية.. بل يستجيب للغلظة والقوة الفاتكة.. حينها ينقلب جرذا صغيرا يختبئ تحت الأرض.. ويتنقل عبر مجاري المياه المستعملة. أما وهو يملك الطائرات وراجمات الصواريخ والدبابات والهاونات الضخمة والأسلحة الكيماوية.. يستعملها ضد شعب أعزل.. وبغير رادع دولي.. ودون خوف من ردة فعل عالمية.. فالأمر برمته بحاجة إلى إعادة تقييم.. فالعالم الذي تعرى في حضرة الطغاة.. وحرق السفاحون ثيابه.. لا يملك الشجاعة لارتدائها ثانية. ^^^ دون شك سينتصر الشعب السوري.. وسيرحل الطاغية ومن معه إلى مصيرهم المشؤوم.. وسيكتب التاريخ أن العالم وقف متفرجا على الجاني.. يذبح الضحية.. ويتلذذ بتقطيع أوصالها.. دون أن يحرك ساكنا.. والراجح أن ثمة من هو أهم من الشعب السوري.. إنها إسرائيل التي نام الأسد الأب.. ومن بعده بشار الابن.. في حضنها.. وحرس حدودها.. وضمن أمنها.. وخدمها بإخلاص.. إسرائيل هذه هي التي تعري من تشاء.. فلا تجد من يقول لها: قفي مكانك.. أنت أيضا متهمة بالقتل.