قسنطينة مدينة ميتة بعد الظهيرة، وتتجول بها الأشباح بدءا من الثامنة ليلا. أصحاب المحلات: الولاية طالبتنا بالعمل ولم نشترط سوى توفير الأمن. القسنطينيون صاروا يتوجهون إلى الولايات المجاورة للسهر ومدينة الخروب تلفت أنظارالعائلات بمثلجاتها وشوائها.تحولت عاصمة الشرق الجزائري هذه الأيام إلى ولاية خاوية على عروشها، ولا يعود السبب الحقيقي توجه أهلها إلى المدن الساحلية كما هو معروف، وإنما إلى كون هذه الولاية توقف بها الزمن في مؤشر القرن العشرين، حيث لم تستطع مجاراة شقيقاتها من الولايات الأخرى على غرار سطيف، جيجل وعنابة. محلات مغلقة بعد الظهيرة وابتداء من الثامنة ليلا وبدءا بالحركة التجارية والخدماتية فإن المحلات ومختلف محطات الخدمات تغلق ابتداء من الساعة الثامنة ليلا، ومن الصعب جدا إيجاد محل لبيع الألبسة أو هواتف الخدمة العمومية إلى غيرها من الأمثلة العديدة بوسط المدينة متوفر، فالكل أجمع على أن العمل بعد هذه الساعة من الليل وأي ليل يعد ضربا من المخاطرة، وهذا لانتشار الاعتداءات والسرقة، مع أن والي الولاية قرر إعادة إحياء المدينة ليلا، وطالب أصحاب المحلات بالعمل، غير أنهم اشترطوا توفير الأمن أولا، وإلى حد الساعة لا جديد يذكر. كما أن الحرارة الفصلية اللافحة التي تشهدها الولاية هذه الأيام والتي تعدت 45 درجة مئوية تدفع بأصحاب المحلات إلى الإغلاق في فترة بعد الظهر، لعدم تجهيز محلاتهم بمكيفات الهواء، مما يصعب العمل بها... والمتجول في هذا الوقت يظن أن الولاية هجرت أو اختفى أهلها إلى حين. مدينة الإمكانيات.. مدينة الأموات.. لماذا؟ ومما لا شك فيه أن الإمكانيات الطبيعية والجغرافية التي وهبها الخالق لهذه المدينة، باعتراف الخبراء الأجانب قبل المحليين، لا يثير ولو للحظة مجالا للشك. حيث تزخر بإمكانيات سياحية ضخمة على غرار درب السواح الذي محاه الزمن، وأنفاق المدينة أغلقت لدواع أمنية لكن إلى متى؟ أما قصر الباي فإن أشغال الترميم به بدأت منذ مدة تكفي لتشييد آخر أكبر وأفخم لكن لا جديد يذكر، ولا قديم يستحق الذكر. وإذا كانت جاراتانا تونس والمغرب على سبيل الذكر لا الحصر قد أعادتا إحياء تراثهما العمراني القديم ولو بلمسة جمالية حديثة، فإن السويقة أو المدينة القديمة للعرب كما تسمى في الحقيقة قد اضمحلت وزالت بفعل الإنسان والنسيان من السلطات ومن ساكنيها الذين لا يبذلون أدنى جهد في الحفاظ على ما تبقى منها، بل إن سكانها الحقيقيين استأجروا بيوتهم أو باعوها وصارت رمز الحضارة في قسنطينة رمزا للدعارة، الإهمال، الأوساخ وبقايا البيوت المهدمة والأطلال. وعلى الرغم من أن الولاية وضعت برنامجا من شأنه إعادة الاعتبار إلى العمران المحمي على امتداد درب سليمان ملاح وصولا إلى قلب المدينة القديمة. فإن تقدم الأشغال لا يكاد يرى بالعين المجردة أم أن الأشغال تتم تحت الأرض لا فوقها، مع أن الوالي شخصيا أعطى تعليمات صارمة لصاحب المقاولة القائمة بالمشروع من أجل التقدم بالأشغال والانتهاء وفق البرنامج المسطر، لكن... أما الأحياء القصديرية والبنايات الفوضوية فإنها أولى المناظر التي تفطر قلب الزائر للوهلة الأولى، وينتظر أصحابها وفاء الولاية وعلى رأسها المسؤول الأول الذي أكد القضاء على أحياء الصفائح نهاية السنة المقبلة وإسكان كل القسنطينيين في سكنات لائقة في إطار برنامج رئيس الجمهورية الذي يقول والي الولاية إنه يكنّ لها حبا خاصا، ولكن الولاية تفقد تاجها في كل مناسبة وبغيرها، وتستنجد بأهلها للنهوض بها. مدينة الخروب..القلب الثاني النابض للولاية ال 25 ومع أن العديد من الأسر والشبان القسنطينيين فضلوا ارتياد البحر والمسابح الخاصة إن وجدت فإن آخرين وجدوا في أكبر بلديات قسنطينة متنفسا جديدا، وإطلالة جميلة من زاوية مشرقة للولاية وهي مدينة الخروب الجميلة، والتي أجمع الكل على أنها المقصد الأمثل والمكان الأجمل لقضاء العائلات سهراتها، والاستمتاع بالمثلجات والمشاوي المختلفة خاصية مميزة لها، حيث لا يكاد ليل المدينة يسدل حتى تحس بحركية غير عادية للأسر والسيارات المتوافدة من كل حدب وصوب لحجز مكان بأحد المطاعم أو صالونات المثلجات والشاي، وحتى التجول بوسط هذه المدينة من أجل الاستمتاع بالنسيم العليل بعد يوم حار ومضن بالمنزل. أين قسنطينة من برنامج صيف الجزائر؟ وعلى عكس المدن والولايات الجزائرية الأخرى، فإن حظ الولاية من النشاطات الترفيهية والبرامج الثقافية منعدم تماما وكأنها لا تملك مواهب شبانية من شأنها إحياء مواتها، أو أن ميزانية الولاية لا تكفي لإحياء نشاطات وسهرات بالمسرح الجهوي أو مسرح الهواء الطلق، على غرار بعض الحفلات التي أقيمت بهذا الأخير والتي تخللتها بعض الفضائح كانقطاع الكهرباء وحضور بعض الشبان وهم مخمورون ومعاكستهم للعائلات دون أدنى حياء أو خجل.. ومهما يقل في شأن الولاية، فإنها تبقى ضحية موقعها على حد تعبير أحد الوجوه الإعلامية البارزة بالقناة الوطنية، والذي أبدى استياءه في زيارة له إليها من كون الحديث عنها لا صلة له ولا موضوع سوى بالحديث عن الترامواي أو الجسر العملاق الذي لم تقم له أية قائمة مع تأكيد المسؤولين على رأسها بواقعيته ووجوده، فيما يغرق الشبان في البطالة والفقر والتهميش، وأما من سولت له نفسه النهوض بمشروعه الخاص فإن الإكراميات و"التشيبة "مكان الرشوة هي الطريقه الأقصر إلى فتح أبواب المال ومنها إلى أبواب جهنم.