تعد قسنطينة همزة وصل بين العديد من الولاياتالشرقية، مما جعلها محط توقف العديد من المسافرين الذين يزورونها أو حتى يمرون بها، ولعل أبرز ما يتوقف عنده زائر هذه المدينة بالإضافة الى سحرها وجمالها الطبيعي، هو الأكلات التقليدية المميزة لعاصمة الشرق الجزائري، والتي يشهد عليها الغريب قبل القريب، والتي تستمد لذة ذوقها وسحرها من التراث التقليدي العريق. وما يميز الأكل التقليدي القسنطيني وإضافة الى الأطباق التي تطهى بالأعراس على غرار الشخشوخة، المحور، طاجين العين وشباح الصفرة، هو طبق الحمص دوبل زيت، فلا أحد ينكر على قسنطينة اختصاصها في هذه الأكلة التي أقل ما يقال عنها إنها أكلة المواطن البسيط، رغم أنها تجلب حتى أصحاب الثروة والمال، فلا أحد يزور قسنطينة ولا يرغب في أكل صحن من الحمص دوبل زيت. أكلة الحمص بقسنطينة في السنوات الفارطة كانت تقتصر على مناطق محددة فقط بوسط المدينة القديمة، وبالضبط برحبة الجمال، حيث كانت تقدم داخل محلات مميزة بمجرد رؤيتها تعرف أنها مختصة في تقديم أكلة الحمص، وهي محلات تتميز بحجمها الصغير وتعرف من مدخلها الذي ترى فيه القدر الكبير للحمص الذي يطهى على الجمر طيلة الليل ليقدم في أولى ساعات الفجر. محلات الحمص برحبة الجمال والتي تلقى في الآونة الاخيرة منافسة كبيرة حتى من طرف المطاعم الكبيرة بقسنطينة، ما زالت تحافظ على زبائنها، خاصة مع طريقة الترحيب المميزة والتي يسهر عليها أصحاب المحلات وعمالهم، حيث يصطف بعض الشباب داخل المطاعم المتجاورة التي تتميز بصغر مساحتها أمام أبواب محلاتهم وبكلمات بسيطة يستطيعون كسب ود المارة، فعندما تمر بجانب المحلات ترن في أذنك كلمات بسيطة مع ابتسامة عريضة: »مرحبا بك تفضل حمص مطهو على الجمر في انتظارك«... وغيرها من العبارات التي تصطاد الزبائن خاصة وأن سعر هذه الوجبة الكاملة لا يتعدى ال 80 دج. مطاعم الحمص الصغيرة برحبة الجمال حافظت على ديكورها التقليدي القديم وهي منظمة بشكل خاص، وعند ولوجك المحل بصعوبة لضيق المكان تجد مجوعة من الكراسي مرتبة باتجاه جدران على شكل الحجرة حتى لا يهتم الزبون بأي شخص آخر سوى صحن حمصه الذي يوضع فوق رفوف خشبية في العادة تضم أقداحا معدنية أو بلاستيكية للماء. وعن طريقة تقديم الحمص داخل المحل، فهي نفسها بأغلب المحلات، حيث تقدم الوجبة في مدخل المحل ليحمل الزبون صحنه ويتوجه الى مكانه حاملا معه نصف قطعة خبز، وفي حالة أراد المزيد من الخبز ما عليه إلا مناداة الخادم. بعض عشاق هذه الأكلة من تجار وحرفيين كانوا يتوجهون مباشرة بعد أداء صلاة الفجر لتناول هذا الطبق الذي يمكنهم من قطع الطريق أمام الجوع الى غاية ساعات متأخرة من الزوال. ويعد هذا الطبق وجبة كاملة، فإضافة الى غناه بالمواد النشوية والبروتينات النباتية، فهو يحتوي على مواد دسمة تتمثل في زيت الزيتون، حيث يقدم بكيلة واحدة (مقدار واحد من الزيت) أو بكيلتين (مقدارين من الزيت) ولذلك يسمى بالحمص دوبل زيت، ويستحب في تناوله إضافة بعض البهارات التي لا يجب التفريط فيها للحصول على ذوق لذيذ. وعلى رأسها الكمون، لكونه يساعد في عملية الهضم وطرد الغازات. وللقضاء على الدسم الموجود بالحمص يفضل إضافة شريحة من الليمون أو القليل من مادة الخل، دون التفريط في الخلطة المعروفة باسم الحشيش، وهي خلطة مكونة من البصل المفروم و»الدبشة« المقطعة قطعا صغيرة، والهريسة لمن يحب كما يضاف للحمص بعض قطع اللحم المشوي لمن استطاع إليه سبيلا. ورغم أن الأكلة أخذت تسمية الحمص القسنطيني وعرفت انتشارا كبيرا بمدينة الجسور المعلقة، إلا أن مصدرها حسب تأكيد العارفين كان من المناطق المجاورة لقسنطينة، حيث يظهر ذلك جليا من خلال أصول المختصين في تحضير هذا الطبق، فجل أصحاب محلات الحمص بقسنطينة كانوا من النازحين من مدينة جيجل والمناطق المجاورة لها في العقود الفارطة، والتي تمتد حتى الى عهد الباي أحمد، حيث حملوا معهم هذه الوصفة السحرية لتحضير الحمص، والتي لقيت نجاحا كبيرا بقسنطينة، إلا أنه وفي الآونة الأخيرة دخل منافس جديد للحمص القسنطيني ألا وهو الدوبارة البسكرية التي أخذت حيزا داخل العديد من محلات الأطعمة بوسط المدينة، والتي أصبحت تتخصص في تحضير هذا الطبق الذي يشهد بعض الإقبال خاصة من طرف الفضوليين الذين يريدون تذوق هذا الطبق لمقارنته بطبق الحمص.