في شهر الصيام والقيام حيث يكون الفرد المسلم في أمس الحاجة إلى عيش أجواء إيمانية تشوبها الطاعات وحسن المعاملات وكذا أعمال الخير من إحسان وتضامن ترسم مشاهد لأسمى معاني التسامح وروح الإخوة والمودة بين المسلمين، إلا أن هذا لا تراه على أجواء عمل الجزائريين الذين يشتغلون في المؤسسات والمقاولات الأجنبية بالجزائر. فرغم مشقة العمل بهذه المؤسسات على اختلاف أنواعها في شهر الصيام على غرار باقي شهور السنة إلا أن ما يزيد الطين بلة للصائم الجزائري هوعدم احترام زملاء العمل (الأجانب) لخصوصيات الشهر الكريم إذ تجدهم يأكلون ويشربون ويدخنون في وضح النهار ودون أدنى مراعاة لمشاعر زملائهم الجزائريين الصائمين رغم أنهم ضيوف بالجزائر، فماذا لو لم يحترم الجزائريون مقدسات وخصوصيات الأجانب في بلدانهم؟ ألن تقيم حكوماتهم الدنيا وتقعدها؟ الصينيون لا يحترمون شعائرنا ويدخنون جهارا وقصد الوقوف على حقيقة أجواء وظروف عمل الجزائريين ب«الشركات الأجنبية» خلال شهر رمضان الفضيل ومعرفة المعاملة التي يلقونها من زملائهم الأجانب بالعمل وهم صائمون، قصدنا بعض الشركات الأجنبية العاملة بالجزائر لرصد مظاهر وأجواء عمل الجزائريين باستقصاء الأمر مباشرة ممن نلتقيهم، فأول زيارة ميدانية لنا كانت إلى الشركة الصينية ل«تهيئة وبناء السكك الحديدية والبناءات العمرانية» المتواجدة على مستوى منطقة براقي والمكلفة بإنجاز الملعب الدولي إذ ولحظة وصولنا إلى بوابة الشركة تقدم إلينا عون حراسة ليرى ما سبب زيارتنا، وبعد التعريف بأنفسنا كصحفيين وإطلاعنا إياه على وضوع زيارتنا وطلبنا منه إمكانية مقابلة أحد المسؤولين الجزائريين بالشركة الصينية، طلب منا العون الانتظار ثم توجه إلى مكتب الحراسة ليستعلم هاتفيا وعاد إلينا بعد فترة مبلغا إيانا عدم إمكانية مقابلة أحد المسؤولين لكونهم يتواجدون بورشات العمل ونظام عمل الشركة الداخلي لا يسمح بخروجهم إلينا، وطلب منا الرجوع في يوم آخر. وبعد أن هممنا بالرجوع متيقنين من عدم إمكانية استقبالنا من أحد مسؤولي الشركة في ذلك اليوم إذ بنا نشاهد إحدى الشاحنات التابعة للشركة الصينية وهي تخرج من البوابة كان يقودها سائق جزائري بجواره أحد العمال الصينيين يدخن سيجارة أمام السائق الجزائري بمقصورة الشاحنة دون أدنى حرج بل وبكل ارتياح دون إبدائه أدنى اعتبار أو احترام للسائق الجزائري الذي كانت علامات الإرهاق والتعب بادية على وجهه بعد أن نالت منه مشقة العمل وهو صائم، عندها أدركنا حقيقة ظروف عمل باقي زملائه الجزائريين في شهر الصيام داخل شركة الصينيين الذين لا يراعون مشاعر الجزائريين ولا يحترمون شعائرهم الدينية بالأكل والشرب والتدخين أمام أعينهم جهارا نهارا، فذلك الصيني لو كان يشرب الماء أو يأكل أمام السائق لاعتبرنا أنه كان عطشانا أو جائعا ولم يستطع أن يستغني عن إحدى حاجياته الغذائية الضرورية رغم أنه سوء تصرف وقلة أدب لكن أن يدخن سيجارة وهو يعلم أن السائق الذي أمامه مسلم وصائم فهذا يعني أنه لا يحترم لا دينا ولا إنسانا، فهل هذا راجع لثقافة الصينيين المتوافدين مع شركاتهم للعمل والاستثمار بالبلدان العربية، وهل سنشهد افتتاحا لمطاعم صينية خلال شهر رمضان في المستقبل إن تواصل اعتداء الصينيين على شعائرنا الدينية وكسرهم ضوابط مجتمعنا من الإفطار نهارا وأمام أعيننا في شهر الصيام دون حرج. اليابانيون يشربون «الكوكا كولا» أمامنا أما الشاب محمد فارس أحد الملتحقين الجدد للعمل بالشركة اليابانية (جي جي سي) التابعة لأحد فروع الشركات الأجنبية العاملة مع مجمع سوناطراك في حقول الغاز بعين أميناس، إذ حدثنا عن ظروف عملهم مع زملائهم اليابانيين في الشركة خلال رمضان يقول: «نحن نعمل 8 ساعات في اليوم من الخامسة صباحا وحتى الواحدة زوالا في أجواء عمل تمتاز بالجدية». وبخصوص احترام اليابانيين لمشاعر الجزائريين خلال رمضان بعدم الأكل أمامهم أثناء العمل قال المتحدث: «زملاؤنا اليابانيون لا يفطرون أمامنا خلال رمضان ربما لأنهم يقصدون مطعم الشركة المتواجد بالطابق السفلي» لكنه صارحنا بمشاهدته حالات فردية لبعض اليابانيين الذين يمرون عليهم بمكاتب العمل وهم يحملون عبوات لمشروبات غازية فلا يجدون أي حرج في شرب (كوكا كولا) والتحدث معهم وهم صائمون. وأضاف المتحدث: «ليس كل اليابانيين يفعلون ذلك فمنهم من يحترم شعائرنا الدينية خلال رمضان، يأكلون ويشربون بعيدا عن أعين زملائهم الجزائريين»، ويقول محمد: «رغم ظروف العمل وارتفاع درجة الحرارة هنا بالصحراء ورغم العطش الشديد نتحلى بالصبر طوال اليوم لمواصلة الصيام، حتى موعد الإفطار حيث توفر لنا الشركة على مائدة الإفطار كل ما كنا نحظى به في المنزل من محليات وشوربة إضافة إلى الطبق الأساسي (طجين الزيتون أو كباب أو المثوم واللحم لحلو) مع السلاطة. لكن أجواء الإفطار بعيدا عن المنزل مختلفة عنها مع العائلة إذ تشعر أنك مغترب ببلدك خصوصا بعملك مع الأجانب الذين لا يحترم ولا يقدر جميعهم شعائرنا.» معظم الأتراك مسلمون يصومون معنا وبعضهم لا يحترموننا أما محمد حسين احد الموظفين بشركة «حياة» لإنتاج مواد التنظيف الذي التقيناه بالبليدة أمام المجمع التركي وكان يلبس قميصا عليه أحد أوسمة مواد التنظيف «تاست»، سألناه عن أجواء عملهم مع الأتراك خلال شهر رمضان فقال: «أوقات العمل خلال رمضان هي نفسها في غيره فالعمل يبدأ من الساعة الثامنة صباحا إلى غاية الرابعة مساء إذ ليس هناك اختلاف في طريقة العمل أو كثافة النشاط في رمضان عن باقي أيام السنة» وعن احترام الأتراك لشعائرنا الدينية في رمضان يقول محمد: «العديد من زملائنا الأتراك في العمل هم مسلمون ويصومون معنا بشكل عادي مندمجين معنا في العمل في أجواء أخوية إيمانية رمضانية حقيقية إذ يفطرون معهم أما البعض الآخر من الأتراك فغير مسلمين فكانوا في السنوات الأولى من عملهم معنا يشربون ويأكلون بعيدا عن أعيننا في شهر رمضان وذلك احتراما لمشاعرنا ونحن صائمون، أما في السنوات الأخيرة فأصبح هؤلاء الأتراك من غير المسلمين يأكلون ويشربون أمامنا». واستغرب محمد سبب هذا التغير الكبير في سلوك الأتراك غير المسلمين أمام زملائهم الجزائريين بعد قضائهم سنوات عديدة معهم في العمل محترمين مشاعرهم وغير مخلين بأجواء صيامهم حتى ينقلبوا 180درجة في السنوات الأخيرة غير مبالين بشعائر وضوابط المجتمع الجزائري.