من أغرب، وأطرف، ما سمعت في الأيام الأخيرة، تصريح منسوب لرئيس حزب «سنفور»، يدعو فيه السلطة إلى التسريع بتسليم السلطة! الأمر يبدو كما لو أن اتفاقا قد جرى بين هذا الحزب السنفور وبين تلك السلطة على تسليم المهام، لكن الاختلاف واقع في التوقيت، فالسلطة تريد الاحتفاظ بالسلطة لوقت إضافي والحزب السنفور يريد التعجيل بالتسليم.. للأسف، هذا هو الوضع الكاريكاتوري لجزء هام من الطبقة السياسية في الجزائر، خاصة من يصنفون أنفسهم في المعارضة ويطرحون أنفسهم بدائل للسلطة في حال قررت الأخيرة تسليم السلطة! ولو افترضنا أن «أصحاب القرار» قرروا تسليم السلطة لجيل آخر، سواء لمبدأ انتهاء حكم الشرعية الثورية أو إذعانا لرياح التغيير في المنطقة، فمن في الساحة مؤهل لاستلام مقاليد حكم البلد؟ من هو الحزب أو المجموعة أو القوة التي بإمكانها أن تكون بديلا للسلطة القائمة في حال حدوث تغيير مبرمج، الجواب سيكون حتما بالنفي، ليس لأن السلطة الحالية فيها من العباقرة ممن لا يمكن تعويضهم أو استخلافهم، بل لأن الأحزاب ضعيفة ومهلهلة ومرتبكة وفاقدة لأي تصور جدي لمسألة الحكم.. جميع هذه الأحزاب لم تستطع التحكم في مناضليها ومنعهم من الانشطار والانشقاق فكيف لها أن تحكم بلدا بحجم الجزائر، بما فيه من تعقيدات وتحديات؟ الظاهر أن الأحزاب المعارضة تبدو على يقين تام بأنها لن تصل إلى السلطة، ولذلك فإنها تتسلى بالشعارات، ف«الهدرة باطل» إلى درجة أننا سمعنا من يقول في الحملة الانتخابية الأخيرة من يقول إنه يملك خطة للقضاء على الفقر في 365 يوما فقط، ولما سأله الصحفيون عن فحوى الخطة قال إنها سرية ولن يكشف عنها إلا إذا وصل إلى الحكم فعلا! الغريب أن جميع من في المعارضة حاليا، والإسلاميين تحديدا، يحلو لهم جميعا أن يتحدثوا عن التجربة التونسية والمغربية والمصرية والتركية، حيث وصل الإسلاميون إلى السلطة، ويقولون لم لا يحدث الأمر نفسه في الجزائر؟، لكن هؤلاء يتجاهلون أن الإخوان المسلمين في مصر مثلا، ظلوا يطرحون برامج وبدائل جادة، وإطاراتهم أثبتوا النزاهة والاقتدار في مجالات العمل الاجتماعي العام التي اقتحموها، حتى بات وصولهم إلى السلطة أمرا ممكنا ومتوقعا، وقد حدث بالفعل..! وصول الإسلاميين إلى السلطة في العالم العربي أشبه بالمسلسل السينمائي: المصريون والأتراك والتوانسة يبدأون من الحلقة الأولى ويتابعون كل التفاصيل، أما الجزائريون فيحلو لهم أن يتفرجوا على الحلقة الأخيرة فقط، حيث ينتصر «البطل» ويقضي على خصومه، ثم يبدأون في تخيل (أوتوهّم) سيناريو مماثل يقع في الجزائر! سيناريو التغيير سيقع في الجزائر، إن عاجلا أو آجلا، لكن «البطل» قد لا يكون إسلاميا، بل إن جميع الدلائل تؤكد أنه لن يكون كذلك حتما، واللبيب من يكون قد انتبه إلى هكذا وضع، فقرر قلب الطاولة، ونقل ملف التغيير إلى ساحة «الممكن»، عبر مشروع جاد، يوفر أدوات «الإقناع» لجميع المعنيين بمسألة الحكم بأن مصلحة البلد تقتضي أن نشترك جميعا في إنتاج «وصفة» جزائرية للتداول، نسبق بها غيرنا، ونبتعد بها عما يحاك من مؤامرات ضدنا جميعا!!