اعتبر الأمين الوطني لجبهة القوى الاشتراكية كريم طابو أن تنظيم المسيرات ليس أفضل الخيارات للتغيير، وهو ما يضعف الجهات التي دعت إلى تنظيم مسيرة السبت في العاصمة والتي رفضت السلطات المحلية الترخيص لها مع اقتراح منحهم القاعة البيضاوية لتنظيم تجمع شعبي . موقف الأفافاس لا يقوم على رفض المسيرات من حيث المبدأ ولا على احترام قرار حظر المسيرات في العاصمة بل انطلاقا من القناعة بأن السير والتظاهر ليس وسيلة للتغيير في الفترة الحالية فضلا عن كون دعاة المسيرة ليسوا من الشركاء المفضلين لدى الأفافاس حسب طابو الذي يشيد برئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان مصطفى بوشاشي، أما البديل بالنسبة للأفافاس فيكمن في تنظيم تجمعات خاصة بعد أن أصدر الرئيس توجيهاته بمنح القاعات مجانا للأحزاب التي تريد أن تنظم تجمعات. المسيرة التي أراد لها منظموها أن تكون بداية لتحرك أكبر من أجل التغيير كما يقولون تحولت إلى امتحان عسير للمعارضة التي تبدو مهلهلة وضعيفة وغير منسجمة، فالدعوة إلى المسيرة لم تلق أي استجابة من جانب الأحزاب والجمعيات المعتمدة وأكثر منظميها هم من الجمعيات التي لم تحصل إلى حد الآن على اعتماد رسمي، وتطرح أسئلة جادة حول مدى قدرة هذه الأطراف على تجنيد الشارع خاصة وأن التجربة الأخيرة لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية لا تزال ماثلة في الأذهان وهو الذي فشل في تنظيم مسيرة بالعاصمة يوم 22 جانفي الماضي، محاولا استغلال الاحتجاجات الأخيرة والتحول الذي شهدته تونس بسقوط نظام زين العابدين بن علي في تونس. الفراغ السياسي وابتعاد المعارضة عن المجتمع ليس سمة مقتصرة على الجزائر، ففي تونس ومصر أثبتت الأحداث أن الأحزاب السياسية أصبحت غير قادرة على مواكبة إيقاع الشارع أو تمثل مطالبه السياسية، وهي أقل قدرة على تنسيق مواقفها وإعلان موقف موحد منسجم مع تطلعات المواطنين، وقد تم تسجيل اعتراف صريح من جانب المعارضة في تونس وفي مصر لاحقا بأنها لا تقف وراء الأحداث التي أدت إلى الانتفاضة الشعبية وأنها لا تدعي أنها تمثل الشارع، وأقصى ما أرادت أن تفعله هو أن تعلن تأييدها لمطالب الشارع واستعدادها للدفاع عن حقوق المتظاهرين، وفي الحالة المصرية كان الالتحاق بالحوار الذي دعا إليه نظام مبارك سببا آخر في انقسام المعارضة على نفسها ومسارعة بعض المشاركين في الحوار إلى إعلان انسحابهم أو التبرؤ مما صدر في أعقابه من تصريحات رسمية. الحديث يتركز اليوم حول مخاطر هذا الفراغ السياسي الذي تقر به المعارضة، وقبل هذا كانت الجهات الرسمية في الجزائر سباقة إلى تسجيل ضعف الأحزاب وعدم قدرتها على تجنيد الشارع، وكانت تلك هي الخلاصة التي وصل إليها وزير الداخلية السابق ونائب الوزير الأول الحالي يزيد زرهوني عندما تم تسجيل أضعف نسبة مشاركة في الانتخابات التشريعية في ماي 2007 وتم تسجيل نسبة ضعيفة في الانتخابات المحلية التي نظمت بعد ذلك. وتحمل المعارضة مسؤولية ضعفها للسلطة التي تتهمها بغلق الساحة السياسية وكبت الحريات، غير أن تراجع اهتمام المجتمع بالسياسة له أسباب أعمق من ذلك، فالتجربة المريرة التي مرت بها الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي جعلت التعددية السياسية ترتبط في أذهان كثيرين بالمآسي، وقد تحولت الأحزاب في نظر عامة الناس إلى رمز للأنانية والسعي إلى خدمة المصالح الشخصية، وكانت الصراعات بين هذه الأحزاب قد عززت صورتها كعامل من عوامل انقسام المجتمع في وقت كان الجزائريون يبحثون فيه عن أسباب الوحدة والتضامن من أجل تجاوز الأزمة التي كدت تقضي على الدولة الجزائرية بصفة نهائية. الأمر الآخر الذي أضعف أحزاب المعارضة هو بقاء القيادات في مكانها لسنوات طويلة وانعدام الممارسة الديمقراطية داخل هذه الأحزاب، وهو ما جعلها تبدو متناقضة تماما مع المبادئ التي تدعو إليها وتقول إنها تناضل من أجلها، وأكثر من هذا فإن عدم تولي جيل الشباب القيادة في تلك الأحزاب جعلها تبتعد عن تصورات وأفكار الغالبية العظمى من المجتمع والتي يمثلها الشباب، ومن هنا فإن التطورات التكنولوجية التي فرضت أنماط تفكير جديدة، وأزاحت الإيديولوجيات التقليدية من الساحة خلطت أوراق هذه الأحزاب وجعلتها تبدو غريبة عن المجتمعات التي تنشط فيها ويفترض أن تقودها من أجل تحقيق مطالبها. هذه العوامل مجتمعة تجعل الدعوات المتكررة إلى تنظيم مسيرات تبدو بعيدة عن مطالب المجتمع، في حين تزيد الإجراءات التي تتخذها الحكومة من أجل تصحيح بعض مواطن الخلل على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، في عزل هذه الأحزاب وإسقاط الأوراق من يدها كما حدث من خلال القرارات التي تم الإعلان عنها في الاجتماع الأخير الذي عقده مجلس الوزراء يوم الخميس الماضي، غير أن الاتفاق حاصل ضمنيا بين السلطة والمعارضة على أنه لا بد من العمل على تنشيط الساحة السياسية من أجل تأطير الشارع ودفع قوته في اتجاه إيجابي قبل أن تتكرر تجارب الآخرين عندنا، وقد يكون التوافق على هذا التشخيص بداية مرحلة جديدة في العلاقة بين الطرفين توفر هامشا أوسع للحركة أمام القوى الحية في المجتمع.