اكتشفت قيادة حمس فجأة بان الأفلان والأرندي والإدارة هم شركاء في النظام وأن تغيير النظام يمر حتما عبر التخلي عن التحالف الرئاسي ودخول خندق المعارضة، وهذا الكلام بالقدر الذي ينطوي على مغالطة مفضوحة دأبت عليها هذه الحركة منذ زمن، فهي تعكس حالة من جنون العظمة الذي ابتليت به قيادة حمس وهي تتابع الإخوان المسلمين وهم يحصدون الأغلبية ويدخلون البرلمانات العربية ويديرون الحكومات، مع أنه وإلى وقت قريب كان مجرد تصور منح الإسلاميين الاعتماد والسماح لهم بالنشاط في الحقل السياسي الشرعي، في هذه البلدان، يعد ضربا من الخيال. والواقع أن ما يحدث في بعض الدول العربية كنتيجة للحركات الاحتجاجية التي حصلت بها، ونقصد هنا بطبيعة الحال النموذج التونسي والمغربي والمصري، وإن كان هذا الأخير لم تتضح معالمه بعد، هو الذي جعل أبو جرة سلطاني ينقلب على عاقبيه، ويتمرد على قناعاته السابقة، ويتحول التحالف الرئاسي لديه، والذي طالما أثنى عليه واعتبره دليلا على التعايش والرغبة في العمل السياسي المشترك بعيدا عن الإقصاء والصدام، في طرفة عين إلى إطار سياسي غير ملائم لتحقيق أهداف الإصلاح المنشود، وإلى أداة لتكريس النظام القائم. فمن يصدق زعيم حمس أو نوابه وهم يبررون كل هذا التغير بالتعديلات التي تم إدخالها على مشاريع القوانين المرتبطة بالإصلاح، ألم يكن حري بقيادات هذه الحركة الإخوانية أن تبحث عن مبررات أخرى، أو أن تفصح عن مواقفها الجديدة، وتجهر برغبتها في مغادرة التحالف الذي يبرره في الواقع سعي هذه الحركة إلى حجز مكانها في المعارضة والهدف بطبيعة الحال معروف، وهو الحصول على عذرية سياسية تتيح لها في المستقبل القريب تقديم نفسها كبديل للأحزاب الوطنية خلال العملية الانتخابية سيرا على هدى الدول العربية الأخرى التي عاشت هذا السيناريو، خاصة وأن من يسمون ب »الإسلاميين المعتدلين«، والذين يتشكلون في الغالب من الحركة الإخوانية التي التزمت بالعمل السلمي وأبدت شيئا من التسامح والليونة في التعاطي مع الشأن السياسي والتعامل مع الخصوم السياسيين حتى في ظل المنع والملاحقات البوليسية، أصبحوا المرشحين أكثر لبلوغ سدة الحكم في العديد من الأقطار العربية، ويبرر هذا التلون السياسي أيضا خوف جماعة سلطاني من أن يكون مصيرهم الخسران المبين أمام حركة الوزير السابق المنشق عن الحركة، عبد المجيد مناصرة، والخوف أيضا من تشكيلات إسلامية أخرى تحظى بمصداقية أكبر من تلك التي تحظى بها حركة الراحل نحناح بسبب مشاركتها في الحكم. هذه حقيقة لا يمكن إنكارها، مع تفادي التعميم أيضا خاصة وأن الشعوب العربية ليست على مستوى واحد من حيث الاقتناع بضرورة تمكين الإسلاميين من الحكم، خصوصا في البلدان التي خبرت هؤلاء أو عانت من الرهط المتطرف منهم، على غرار الجزائر، مع الإشارة إلى مسألة في غاية الأهمية وهي أن وصول الإسلاميين إلى الحكم ليس تكريسا للديمقراطية الحقة بالقدر الذي هو تجسيد لسيناريوهات غربية محضة ولإملاءات ظهرت واضحة من خلال تصريحات لمسؤولين في واشنطن وباريس. ما تقوم به قيادة حمس هو انعكاس لوضع غير طبيعي تمر به الكثير من التشكيلات السياسية عندنا، فعدم النضج السياسي، والارتباط ببعض السيناريوهات التي يتم نسجها هنا وهناك، يجعل بعض الأحزاب تنط من موقع إلى أخر، بدلا من أن تلتزم بشيء من المسؤولية المطلوبة خصوصا في ظل الأوضاع الخطيرة التي تمر بها المنطقة العربية جراء عملية التغيير العنيفة التي يقال بأن هدفها هو نقل المجتمعات العربية إلى مرحلة تعم فيها الديمقراطية وتتوسع فيها الحريات، ويتم التخلص خلالها من الأنظمة الاستبدادية، ومن دون شك أن سلطاني يدرك أكثر من غيره بأن الوضع في الجزائر يختلف عما هو في دول أخرى، وخروجه من التحالف لن يضر الجزائريين ولن ينفعهم، وعليه فقط أن يتذكر كيف ساهمت الأنانية والمصالح الحزبية والفئوية الضيقة في جر البلاد في بداية التسعينيات إلى مستنقع الفتنة والدم.