للمرة الألف يجروننا نحو معركة تقع خارج الأحداث.. ويفرضون علينا أن نقاتل عدوا وهميا.. يناوشنا من بعيد.. ثم لا يلبث أن يختفي.. تاركا وراءه دخانا يتلاشى بسرعة. بعض المسلمين.. ينشغلون كثيرا بأمثال هذه المعارك.. ويستنفدون قواهم في خوضها.. حيث كان يجب الاحتفاظ بها لمواجهات أهم.. وهذا ما يجعلنا جميعا نخسر أكثر مما نربح.. ونتراجع أكثر مما نتقدم.. ونبتعد عن الحق أكثر مما نقترب منه. يبدو أننا لا نعرف الغرب.. ولا نفهمه.. وفي كل مرة نسيء فهمه.. ننخرط ضده في معارك.. لا نكسب منها شيئا.. من ذلك أن البعض يتصور هذا الغرب مسيحيا بالمعنى الذي يجعله منتميا إلى تعاليم المسيح عليه السلام .. وهذا في اعتقادي تصور خاطئ.. فهؤلاء الناس لا دين لهم على الإطلاق.. ولا يؤمنون إلا بالدنيا وما فيها من متع وشهوات.. وأكثرهم ملحدون.. والكنيسة التي تتنمر علينا.. وتحاول التمدد في بلادنا.. لم تعد أكثر من هيكل فارغ.. لا يلتفت إليه أحد.. ألا يكفي أن بلدا كفرنسا مثلا.. قد قننت زواج المثليين قبل أيام.. إذن ماذا بقي من هؤلاء.. ليكونوا أصحاب دين.. أو أهل كتاب.. أو تكون لديهم محرمات.. لقد قالوا في المسيح وأمه ما لا يليق.. وأفلامهم عنه.. تنضح بالخسة وقلة الأدب.. فهل ننتظر منهم نحن المسلمين أن يحترموا ديننا؟ ^^^ إذا قلنا إن الغرب منافق.. فهذا صحيح تماما.. وهو منافق على المكشوف.. فعندما يتعلق الأمر بازدراء الأديان.. والتعدي على المقدسات.. يشهرون في وجوهنا لافتات حرية التعبير.. وحقوق الإنسان.. ويشبعوننا دروسا في التسامح والقيم العالمية.. فإذا كان الأمر كما يدعون.. فلماذا لا يتجرؤون على إنكار المحرقة..؟ ولماذا لا يردعون إسرائيل التي سرقت وطنا.. وشردت شعبا.. وعاثت فسادا في الأرض؟ وهل تحريم معاداة السامية ينطبق على اليهود فقط؟ أم إن السامية تعني كل من ينتمي إلى الأديان السماوية؟ ولماذا يزداد اللغط الغربي من أجل المسيحيين العرب.. في حين ينكل بالشعب الفلسطيني.. ولا يفعلون شيئا؟! قد يقتل يهودي واحد فيثور الغرب كله ولا يهدأ.. ويتدخل مجلس الأمن.. ويتوافد المعزون على إسرائيل وسفاراتها.. ويعد ذلك عدوانا على قيم الحياة.. في المقابل.. يباد الشعب السوري.. فيكتفي الغرب بالصمت والنفاق. ^^^ أشك في الطريقة التي يعبر بها بعض العرب والمسلمين عن استيائهم من الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم .. فحيث يدعي البعض أن التعبير عن مشاعر الغضب والرفض يفيض بمواقف لا يمكن التحكم فيها.. ينزل الناس إلى الشارع.. ويهاجمون السفارات.. ويدمرون ويحرقون.. ويطلقون النار على أشخاص أبرياء.. أو على الأقل لم يثبت ارتكابهم جرما يقتضي عقابهم.. مقابل هذا التبرير الذي لا سند له من دين أو عقل أو سياسة.. نتساءل: لماذا لا ينتبه الناس إلى أن رواد الشوارع هؤلاء.. أغلبهم غوغاء.. ينضم إليهم فضوليون ولصوص.. فيتحول الشارع إلى مآبة للعبث بالأمن العام.. وممارسة هواية التخريب.. والإساءة لصورة الإسلام والمسلمين. وعندما تتزامن هذه الأحداث مع سقوط أعتى الديكتاتوريات العربية.. حيث لا تزال بقاياها متغلغلة في جسم الدولة.. ألا نتوقع أن تتسلل هذه الفلول لتغتنم الفرصة.. وتضرب ضربتها.. إن الصورة واضحة تماما من خلال ما وقع في بنغازي الليبية.. حي استخدمت أسلحة فتاكة.. لقصف القنصلية وقتل المدافعين عنها .. وإشعال الحرائق.. وتخريب الممتلكات. يخطئ من يعتقد أن قتل سفير.. أو حرق سفارة.. أو إشعال إطارات مطاطية.. طريقة يقرها الشرع.. أو أسلوب يكف الغرب عن إساءاته وفسوقه.. ماذا ربح ابن لادن.. الذي ضرب في قلب أمريكا؟ هل غير من الصلف الأمريكي شيئا؟ وهل ألحق خسائر بالأعداء الحقيقيين.. أعني الصهاينة وأشياعهم.. أم إن الضحايا كانوا أبرياء؟ أقدر أن صراع القيم والأفكار.. ليس معركة شارع.. أو مواجهة تخاض بالغوغاء.. بل هوصراع إن وقع من النوع الذي يخاض في المحاكم.. وتشمله مبادرات الحكومات.. وتتصدى فيه أقلام العلماء والمفكرين.. فالمواجهة مستمرة.. ولا تنتهي بعام أوألف عام كما يقول الشاعر. ^^^ إن الغرب ليس مجرد أفلام سينمائية مقززة.. أوكاريكاتير فاسق.. أو حتى روايات فاجرة تطعن في ديننا.. الغرب منظومة فكرية وقيمية لا تنفك عناصرها عن بعضها.. منها ما هو شاذ ومنحرف.. ومنها ما هو صحيح بالخبرة.. وهو أيضا صهاينة يتحكمون في رقاب الساسة والمال والإعلام.. ومصالح تخاض من أجلها الحروب.. والأصل هو البحث عن نمط صحيح من التعايش مع هذا الغرب.. فالكوكب للجميع.. ولا يوجد مريخ تمكن الهجرة إليه.. والأهم من كل هذا هو: كيف نجعل هذا الغرب يحترمنا ويحترم ديننا؟ من هنا يجب أن نبدأ.. أما أن نستنزف طاقاتنا في الشوارع.. فأعتقد أنها معركة خاسرة.. بحكم أننا نحن العرب تحديدا ننسى بسهولة.. فغدا أو بعد غد.. سنصافح هؤلاء.. ونجلس إليهم.. ونشتري منهم الدواء والغذاء والسلاح.. وكأن شيئا لم يقع!! وتبقى نصرة النبي (صلى الله عليه وسلم).. مطلوبة بيننا في الداخل.. ومطلوبة بداخلنا أيضا…. فأخلاقنا المتردية تنافي خلقه العظيم.. والإساءة إليه من بعض أبناء جلدتنا لا تخفى على أحد.. وتخلفنا الفاضح لا يشرف رسالته العالمية.. بل ويجرؤ الغير علينا.. ومن الحكمة في هذا الظرف بالذات.. أن ننتفض من أجل الشعب السوري الذي استباحه نظام دموي فاجر وشيطاني.. من أن نخرج إلى الشارع في فعل غوغائي لا طائل من ورائه.