عادت مشاهد التشنج خلال الأسبوع الماضي من ملعب محمد الخامس بالدار البيضاء إلى مدينة بنغازي الليبية حيث تعرض السفير الأمريكي إلى القتل على الطريقة الليبية التي ابع فيها الليبيون كثيرا منذ مقتل العقيد معمر القذافي في سرت. مقابلة كروية أشعلت فتنة بين الجزائريين ونظرائهم الليبيين سرعان ما وأدتها فتنة أخرى من نوع آخر مست مشاعر كافة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وجعلت الولاياتالمتحدةالأمريكية في فوهة بركان. لم تمر الدقائق الأخيرة من الشوط الثاني للقاء الجزائر ليبيا بالدار البيضاء كباقي الدقائق الطويلة، حتى كانت هناك تشنجات ومحاولات بائسة من الطرف اللبي للتعادل، تعادل لم يأت لكنه أتى بمعركة رهيبة عاشها موقع التواصل الاجتماعي (الفايسبوك) وكادت الأمور تنزلق إلى أسوأ مما عرفته العلاقات بين الجزائر ومصر عقب مقابلة القاهرة ثم مقابلة أم درمان والتي انتهت بتأهل المنتخب الوطني الجزائري إلى نهائيات كأس العالم بجنوب إفريقيا، تأهل فتح باب الجحيم على العلاقات الثنائية بين البلدين، هذه الصورة عادت في نهاية المقابلة الكروية بين الفريق الليبي ونظيره الجزائري. وبصرف النظر عن المسؤولية في هذا التشنج فقد أظهر الخلاف هشاشة العلاقات العربية العربية ليست الرسمية فحسب وإنما الشعبية أيضا، الشعوب التي كانت تنادي بمغرب الشعوب مثلا ضاق صدرها ولم تعد تتحمل تلك الشعارات التي تبنتها الأنظمة التي أسقطها الربيع العربي. ولكن لسوء الحظ فقد عادت مظاهرة التشنج في العالم الإسلامي وفتح فيلم لهواة غير محترفين يسيء للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، هذا الفيلم الذي حمل عنوان «براءة المسلمين» كان تعديا صارخا على كل القيم، ليس تعديا على الدين الإسلامي فحسب وإنما تعدٍّ على قيم الإنسانية التي تحكم العلاقات بين البشر وبين الديانات نفسها وبين مؤطريها وعقلائها، كل هذه القيم غابت وعوّضتها الرعونة الأمريكية وهي في هذه الحالة خليط من المسيحية المتعصبة واليهودية الممزوجة بالصهيونية. فقد ألهب الفيلم المسيء للرسول العالم الإسلامي برمته وأدى ذلك إلى اندلاع موجة من الاحتجاجات التي شملت ليبيا وتونس ومصر والسودان واليمن والجزائر والمغرب والعديد من البلدان العربية الأخرى. الرد كان في غير محلّه من قبل بعض البنغازيين الذين ألقوا بالسفير الأمريكي إلى خارج مقر القنصلية وكانت نهايته أشبه بنهاية القذافي، لكن لا أحد قال لنا إن كان السفير الأمريكي مر في مسار مقتله بنفس المراحل التي مر بها العقيد القذافي قبل أن يلقى حتفه؟ بعيدا ردود الفعل التي شجبت الفيلم من أمريكا وأوروبا وكل دول العالم، لايزال أطفال سوريا يموتون في ظل صمت عربي ودولي أما أطفالنا في الجزائر فقد عادوا مطلع الأسبوع إلى مقاعد الدراسة رغم حالات الاكتظاظ الناتجة عن النظام المدرسي الجديد الذي خلق أزمة في السنة أولى ثانوي. عاد التلاميذ لكن بن بوزيد ولأول مرة منذ ما يقارب العقدين لم يعد مع التلاميذ كما كان متوقعا..