بعد أكثر من عشرية دامية بفعل الإرهاب غاب فيها ضيوف المشهد الثقافي الدولي عن المجيء إلى الجزائر بفعل الخوف، ذاك الخوف الذي لم يدم طويلا بعد الاستقرار الأمني نهاية العشرية الماضية، ما انجر عنه تحول الجزائر إلى محج لضيوف من العيار الثقيل. كانت الفنانة اللبنانية ماجدة الرومي السباقة لتنشيط المشهد الثقافي، فقد أحيت حفلا كبيرا سنة 1997بمناسبة عيد المرأة، ومنذ ذلك التاريخ وكبار المطربين يحضرون لإحياء المهرجانات الغنائية المتنوعة فمن سلطان الطرب العربي جورج وسوف إلى بلبل العراق كاظم الساهر إلى التونسي لطفي بوشناق وصاحبة الصوت الجبلي نجوى كرم. ولم يغب نجوم الشباب عن الحضور إلى الجزائر كسميرة سعيد أصالة نصري أليسا ونوال الزغبي حكيم مصطفى قمر، والطرب الشاب تامر حسني الذي ألهب القاعة البيضاوية في ليلة مجنونة بامتياز رقصت فيها المتحجبات والمتجلببات جنبا إلى جنب مع المتبرجات وطرح استفهام ''أين كانت تختفين مجنونات تامر حسني''، هذا الأخير الذي استطاع أن يوصل الجدل الذي أحدثته زيارته للجزائر إلى قبة البرلمان، وهي الزيارة ذاتها التي استطاعت أن تكشف عورات مسؤولي قطاعات الثقافة والتربية عندنا من خليدة إلى بن بوزيد مرورا بقبة غلام الله. ولم يخل الحراك الثقافي في السنوات العشر الأخيرة من وجوه الدراما والسينما وخشبة المسرح، وكان الزعيم عادل إمام الذي قدم مسرحيته ''بودي غارد'' نجما بلا منازع بين ثلة من أقدر الممثلين المصريين والسوريين، نذكر منهم نور الشريف يسرا ليلى علوي إلهام شاهين فردوس عبد الحميد محمود ياسين، ومن نجوم سوريا حضر إلى الجزائر جهاد سعد، أسعد فضة سلوم حداد منى واصف. وبين نجوم الغناء والطرب وفنانين الشاشة الصغيرة والكبيرة ركح الخشبة، كان من الطبيعي أن يحضر أعلام الأدب والشعر والفكر. وكانت عكاظية الجزائر للشعر العربي لثلاث مواسم متتالية محجا للشعراء من كل أنحاء الأمصار تتسابق نحوه أسماء شعرية عربية مهمة كسوسن الأبطح وسامي كليب وبيار أبي صعب من لبنان وأحمد الوحيدي من الأردن وأم الخير الباروني من ليبيا وسلمى الخضراء الجيوسي من فلسطين، ولم يفوت القائمون على المشهد الثقافي أن يستدعوا الظاهرة الشعرية الشعبية المصري فؤاد نجم الذي أبدع وأمتع الحضور عند زيارته للجزائر، إلى جانب الوجه الإعلامي والشاعرة بروين حبيب والمفكر الكبير المصري حسن حنفي. وسجل صاحب فيلم ''عمارة يعقوبيان'' علاء الأسواني الذي أثار موجة من الجدل والنقد في الساحة الفنية والإعلامية، حضوره هوالآخر للمشاركة في مواعيد الدراما والفن السابع بالجزائر. وبقدر ما أعطاه زوار الجزائر من غذاء دفع جديد في الحركية الثقافية بالجزائر، فإنها حملت معها الكثير من المواقف والذكريات التي تأبى نسيان ما أحدثته زيارة الشاعر السوري أدونيس الذي ألقى محاضرة في المكتبة الوطنية، تحدث فيها عن الممنوعان ''الدين والجنس''، كانت كافية لتهز الأرض الذي استقبلته مثلما هو الحال في كل بلد نزل فيه وأعلن فيها قناعاته المتعلقة بقضايا التراث والدين والحداثة وشروط النهضة وواقع المرأة في البلدان الإسلامية، وهي آراء نشرها من قبل في كتبه واستدعت كثيرا من الردود بسبب تطرفها وإغراقها في نزع التقديس عن المقدسات الإسلامية، إلى درجة جعلت كثيرا من المفكرين الإسلاميين يحكمون عليه بالكفر والردة، وفي الجزائر انبرت جمعية العلماء المسلمين له وقال حينها رئيس الجمعية الشيخ شيبان ''يا للهوان والصغار، شاعر إباحي ملحد يُدعى بغير اسمه ولقبه، شعره بلا روح ولا نغم، يتطاول على الإسلام وعلماء الإسلام في أرض الجهاد والاجتهاد، أرض المليون ونصف المليون شهيد''. المحاضرة تلك كانت برأي الكثير كفيلة بإقالة مدير المكتبية الوطنية الدكتور أمين الزاوي رغم نفي هذه الأخير لذلك لتبقى بذلك المكتبة الوطنية مذ ذاك التاريخ من دون مدير.