أكد مجموعة من الباحثين أن صعود التيارات الإسلامية إلى الحكم في الدول التي مستها رياح الربيع العربي يعود إلى فقدان الثقة في الحكام السابقين ذوي التوجه الديمقراطي، وربطوا ذلك بما تعرفه التيارات الإسلامية في العالم من تنفس للصعداء خصوصا مع تراجع الهيمنة الأمريكية. وعن الأحزاب الإسلامية في الجزائر، يرى المتدخلون في الندوة التي عقدت أول أمس في إطار فضاء ألف "نيوز ونيوز" المنظم من طرف يومية "الجزائر نيوز" أنها لا تختلف عن الأحزاب الأخرى، ولها من المصائب ما لنظيراتها من المحسوبية ، والرشوة ، والفساد الأمر الذي يجعل ممارساتها لا تحمل أي جديد يذكر رغم عدم نكران تأثيرها في الرأي العام الجزائري المتأثر هو الآخر بالرأي العام العربي الذي عرفت أغلب دوله صعود الإسلامويين إلى السلطة.
ينطلق الباحث في علم الاجتماع والمختص في الجماعات الإسلامية زبير عروس في حديثه عن الموضوع من كون القانون الجزائري يمنع تأسيس أي حزب سياسي في إطار ديني، في إرادة من الدولة الجزائري تجنب الفتنة بالنظر إلى التركيبة الجزائرية الخاصة جدا على حد تعبيره وكذلك بالنظر إلى موضوع اللغة الذي لا يزال معقدا. ويقول عروس في هذا الإطار :" يجب أن نفرق بين الأحزاب الإسلامية الموجهة للجماهير أو الجماهير الموجهة للأحزاب الإسلامية"، ملمحا إلى احتمال عدم تقبل هؤلاء الإسلاميين للرأي الآخر المختلف، ويضيف " هل يمكن أن نسقط فيما وقعنا فيه في التسعينات ؟ لأن الحزب السياسي يجب أن يكون جامعا لكل التوجهات الجماهيرية الدينية واللغوية وفق قاعدة سياسية ونضال سلمي، وهو إجراء أيضا يسلم بالتداول على السلطة، ولهذا يجب أن نحل المشكل بتبصر وحذر رغم أن هذه الأحزاب الإسلاموية لا تخيفني وأستبعد وصولها إلى السلطة لأنها ستدخل المتحف قريبا"، ويدعو بالمقابل إلى ضرورة عدم النظر إلى المسألة من زاوية واحدة بل من زوايا متعددة لأنه لا يوجد فقط التيار الإسلامي، فهناك أيضا التيار الديمقراطي الذي يجب ألا ننكر قوته". وفي حديثه عن الأحزاب السياسية في الجزائر يؤكد المتحدث أنها تيارات سياسية تعمل الآن على تفريخ الأحزاب، وأعطى مثلا بحركة مجتمع السلم التي مرت بحالة انشطارية ثنائية وممكن أن تكون ثلاثية، ونفس الأمر حسبه حدث مع حركة الإصلاح، ولهذا يرى المتحدث أنه حتى في الأحزاب الإسلامية هناك تعددية، ولها من المصائب ما للأحزاب الأخرى من الفساد والرشوة والمحسوبية، وقال في هذا الإطار: " الأحزاب العشر التي أعطي لها التسريح بالترشح للانتخابات التشريعية سواء ذات التوجهات الإسلامية أو الديمقراطية ممارساتها لا تختلف عن بعضها"، مضيفا في ذات السياق " حركة حمس لا تزال في التحالف الرئاسي ووزراؤها لا يزالون في الحكومة وهي حركات سياسية مغازلة السلطة". وفي حديثه عن دول الربيع العربي شدد المتحدث على عدم الثقة الكاملة بالتيارات الإسلامية التي وصلت إلى الحكم، وخاصة في مصر ممثلة بالخصوص في حركة "الجهاد" التي اغتالت ذات يوم أنور السادات، وكفرت قبل أشهر الثورة المصرية لتنقلب 180 درجة بعد سقوط نظام حسني مبارك وتتحصل على نسبة كبيرة في البرلمان محذرا من توجهها الإسلامي المتشدد إذ يقول: "السلفيون المصريون يرفضون التوافق ويريدون أمير المؤمنين الذي يطبق شرع الله"، وهو ما سيدخل الدولة المصرية في حالة جديدة تلوح خلالها فتنة كبيرة في الأفق داخل البرلمان المصري.
يجب ألا يُستعمل الدين للغايات السياسية
تحدث الباحث السياسي محمد شفيق مصباح في كلمته بنبرة تعاطف مع التيارات الإسلامية التي صعدت إلى السلطة خاصة ما تعلق منها بالقضية التونسية، ووصول حزب النهضة إلى الحكم، وعبر عن ذلك بالقول: "أنا معجب بالمستوى الثقافي والفكري لحركة النهضة، والحكومة التونسية الجديدة لديها مستوى فكري عالي وكل رجالاتها أناس مكونون ومحنكون"، وربط ذلك بتجربة السجن التي عاشها هؤلاء، واستفادتهم من التجربة الجزائرية خلال العشرية السوداء الأمر حسبه الذي سيجنب الشعب التونسي ما عشناه في الجزائر، وعن الحالة الجزائرية فيستغرب المتحدث عن الخوف الكبير الذي يعتري الجزائريين وكأنهم يربطون ذلك مباشرة بما حدث في التسعينات بالرغم من اختلاف الأوضاع، وازدياد الوعي لدى الجزائريين، داعيا في ذات السياق إلى ضرورة وضع الأمور في إطارها الطبيعي ،وداخل المجتمع لأن الأوضاع السائدة على المستوى الدولي تفرض هذا التحول الجيو سياسي". وبخصوص إمكانية صعود التيار الإسلامي في التشريعيات المقبلة فيؤكد شفيق مصباح أن الدين الإسلامي يجب أن يبق في إطاره الديني المقدس، وألا يصبح كوسيلة في يد السياسيين تدخل البلاد في مغبة العشرية السوداء، وهي نفسها المغبة التي وقع فيها السلف الصالح بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مع قضية الخوارج والتي انجر عنها ظهور ما يسمى بالشيعة والسنة فيما بعد، ولهذا يشدد المتحدث على ضرورة عدم التستر بستار الدين لتحقيق الغايات السياسية.
تراجع خطاب التخويف سبب وصل الإسلاميين للسلطة
أما الباحث محمد بغداد فيرى أن ظاهرة الإسلام السياسي ملف واسع جدا، حيث أرجع الكاتب وصول التيار الإسلامي إلى السلطة إلى تراجع خطاب التخويف الذي لم يجد له مرجعية في الخطاب السياسي الحالي وربط كل ذلك بما يمر به العالم ككل الآن، وانتعاش الإسلاميين على حد تعبيره بعدما حضيت به حركة حماس من نجاح في مساعيها وعدم قدرة إسرائيل بمعية الأمريكان من إيقافها، وكدا تراجع الهيمنة الأمريكية خصوصا بعد خروجها من العراق، وكل ذلك ساهم في بروز إسلام سياسي ترى فيه الشعوب العربية منقذها.