كلما ازدادت درجة التطوّر الفكري و الحضاري للإنسان ، فإن نظرته للمرأة لا تبقى من بعد واحد ، كأن ينظر لها من جهة جمالها أو أخلاقها، و إنما تصبح نظرته إليها تكاملية من مختلف زوايا التقييم ، العقل، الأخلاق ،الثقافة ، الجمال و غير ذلك، وتظهر تلك النظرة بوضوح لما نراه عند أغلب الناس . و هذا ما نلاحظه في مجتمعاتنا التي حكمت على المرأة الماكثة في البيت على أنها امرأة جاهلة و غير متفتحة، فقد اعتبرت عالة على المجتمع وعائلتها بمجرد قبولها أن تكون ربة بيت وتبتعد عن التفاعل الإيجابي بالاحتكاك بالمجتمع، عن طريق العمل إلى أن تصبح عضوا منتجا فيه . يوجد الكثير من ربات البيوت منهن النساء المتعلمات وخريجات الجامعة، وبعضهن متفوقات في مجال تخصصهن ، مما يؤهلهن للعمل بمراكز راقية، ولكنهن اخترن التضحية بكل وقتهن لمن يستحق الرعاية بالدرجة الأولى و لكن دون السماح لأنفسهن بتراجع مستواهن الثقافي و التعليمي. في جولة قادتنا بالعاصمة، قابلنا سيدة من السيدات اللواتي استطعن رفع علم النجاح، هي أم لأربعة أطفال دعتنا إلى منزلها المتواضع للدردشة حول نشاطاتها و مسؤولياتها كامرأة مكثت في البيت لمدة 25 سنة، حيث قالت إن المرأة مرشدة اجتماعية و نفسية في آن واحد، فهي مدرسة لجيل ناشئ، حيث أكدت أن المستوى التعليمي لا علاقة له بالمستوى الثقافي، فليس هناك ما يمنع المرأة من تعلم الحاسوب و التعامل مع الأجهزة و التكنولوجيا ، فكثير ما وجد من نساء مجتمعاتنا من استطعن التوفيق بين العمل أو العلم و تدبير أمور بيوتهن ، من يعمل في هذه التكنولوجيا فوجد من هن من يعمل في البرمجة و الطب و المحاماة و التعليم، ولم يقف ذلك عائق أمام نجاحهن في أعمالهن و إدارة أمورهن من تربية و إدارة شؤون منازلهن في جميع المجالات ، و ليست المرأة المثالية هي التي رمت بكل القيم الدينية و العادات و التقاليد الفاضلة التي لا تتعارض مع الدين عرض الحائط ، و انطوت تحت عباءة المرأة الغربية التي تعاني من مشاكل اجتماعية عديدة أو تأثرت بتلك الدعايات التي ينعق بها دعاة الشر و أذيالهم في مجتمعاتنا ، من دعاة التهتك و التخلي عن القيم الإسلامية الفاضلة وخلع الحشمة و الحياء و جعل المرأة كالدمى، مشيرة إلى أنها قد أتمت دراستها الجامعية في هذه السنة بعد أن أمضت سنوات دون التفكير في ذلك، و على حد قولها ليس للعلم حدود و لا سن. و أشارت إلى أن المرأة الغير عاملة لها عدة ايجابيات أهمها أنها حرة في وقتها أي أنها ليست مرتبطة بوظيفة تحد من إمكانية قضاء أوقات طيبة مع عائلتها، على عكس المرأة الماكثة في البيت التي تشهد كل مراحل نمو أطفالها، حيث تستطيع السفر معهم و القيام برحلات مع عائلتها في أي وقت تشاء. كما تحدثت السيدة نورة عن نقطة هامة جدا موضحة أنها أصبحت تنافس أبناءها في الكمبيوتر، حيث أنها تعمل ككاتبة مقالات مع مجلة، الأمر الذي أثار إعجابنا، قائلة إننا في هذا الزمن السريع، زمن التكنولوجيا الرقمية و الانترنت، يمكن للمرء أن يقوم بعدة أمور في أن واحد، فقد استغلت وقت فراغها في الكتابة. و لكن تبقى ضالة المرأة دائما هي الحرية كونها تنتمي إلى مجتمع متحفظ إذ عليها المكوث بالبيت لأداء الواجبات من طبخ، غسيل و تربية أولاد، فليس هذا هو المانع لأن الوطن الأم للمرأة هو المنزل فهي منه و إليه ترجع دائما لكن الظلم يكمن في افتقادها لحقها من علم و عمل الذي غطاه الواجب إذ قمعه البعض و ضرب به عرض الحائط، حيث أصبح أكثرهم لا يرى المرأة صالحة لغير شقاء البيت و طاعة الرجل سواء كان أب،أخ أو زوج... إن أكثر شباب العصر يختار شاملة الثقافة، ذات الشخصية الناضجة التي تصدر أفكارا في سلوكها عن وعي، متحضرة لا تتصرف على ضوء ما تمليه عليها أفكار و سلوك والدتها وجدتها، تلك التى بإمكانها تصليح أخطاء أبنائها علميا و أخلاقيا ليس كالتي لا توجد سوى الطهي و الغسيل و لا تجيد المحاورة. في حديث مع المواطنين، أعرب لنا س.م عن تفضيله لمكوث زوجته بالبيت، قائلا "كل رجل يشاطرني الرأي، فكل رجل يتمنى أن تكون زوجته غير عاملة و لكن تبقى الظروف لتحكم". و أكد الشاب م.ك على احترامه للمرأة الماكثة بالبيت لتقديسها لعائلتها و تفضيلها لها، مبينا أنها امرأة مثقفة و ذات مستوى. و في نفس الحديث أيدت السيدة حسينة أن المرأة الغير عاملة هو الخيار الأنسب لعائلتها، قائلة أنها سافرت إلى كندا و شاهدت نشاء ناجحات و لكن المرأة تبقى مرآة، مشيرة إلى أنها لا تستطيع التوفيق بين عائلتها و عملها، فالتقصير يكون عنصرا دخيلا هنا. و ووضح لنا السيد م.ح عن رأيه الذي يؤيد ضرورية الدخل المزدوج بحكمة أن الواقع هو الذي صار يفرضه، مع غلاء المعيشة. أيد السيد "ح.ن" جلوس المرأة في البيت، مادامت تمتلك الدخل المادي الذي يعيلها على الحياة ويكفي أن تكون المرأة متعلمة ومثقفة وعلى إطلاع مستمر بمجريات الأحداث ، وتمتلك المقدرة على الحوار والنقاش ومتجددة ذهنياً ولها اهتمامات متعددة . و على عكس الآراء السابقة قال السيد "ك.ت " بالتأكيد المرأة تترك فراغا في البيت إذا لم تتواجد به بصفة مستمرة، لكن المرأة المثالية تعرف جيدا كيف تنظم أوقاتها وتغطي عدم تواجدها بالبيت ، كما أن على الزوج أن يكون مساعدا لها ومقدرا للظروف "، و شاطره الرأي "أمين.م" مقدرا استقلالية المرأة و حريتها في اختيارها لعملها و اعتباره ، لأن المرأة التي تتنازل عن عملها من أجل الزواج، امرأة قد حطت من قيمتها. كما نلاحظ مشاريع لتأسيس جمعيات خاصة بالمرأة الريفية و الماكثة بالبيت لتوعية المرأة بضرورة التعلم و التثقف، باعتبارها البذرة الأولى لتنشئة المجتمع و صلاحه في صلاحها، و لكونها المربي الأول للنشء، فهي كشجرة الرمان في خضرة ورقها وفي جمال زهرها وطيب ثمرها.