المحكمة أو كما يطلق عليها الجزائريون "دار الشرع"، هو المكان الذي يحتكم فيه المتخاصمون، حيث تقوم هيئة المحكمة المتكونة من القاضي ووكيل الجمهورية في المحاكم الابتدائية ويضاف لهما لجنة المحلفين في المحاكم الجنائية إضافة إلى كتاب الضبطية، تقوم هذه الهيئة بمعالجة القضايا والفصل فيها، وتتصف المحكمة غالبا بالوقار، باعتبارها مكانا لتطبيق القانون ومعاقبة الظالم وإنصاف المظلوم، ولكن في الكثير من الأحيان يخرج البعض عن هذا النطاق، وكثيرا ما تصدر تصرفات طريفة وأخرى مشينة تخدش بالحياء وتقلل من احترام هيئة المحكمة ، تصدر من المتهمين والضحايا ، وحتى من ذويهم الذين يحضرون الجلسات . سارة.ب متهمون يشتمون القضاة احتجاجا على الأحكام يحاول دائما المتهمون مراوغة قضاة الجلسة للتهرب من الأحكام الجزائية، وبعد ثبوت تورطهم تتم إدانتهم بأحكام حسب التهم التي ارتكبوها، و لا يروق للكثيرين ذلك خاصة المسبوقين قضائيا ، الذين قضوا سنوات عديدة في السجن، بحيث يكون وقع الصدمة عليهم كبيرا، وأول رد فعل يبدونه هو شتم القاضي بأقبح الألفاظ ، بحيث يحملونه مسؤولية حبسهم، متناسين أن أفعالهم هي السبب، وشهدت محكمة بئر مراد رايس عدة حوادث مشابهة ، أين تعرض قاضيين وقاضية للسب والشتم بعبارات مخلة بالحياء ، استدعت توقيف الجلسة وتقديم المتهمين لوكيل الجمهورية ، لتتم محاكمتهم مرة أخرى عن جنحة إهانة هيئة قضائية أثناء تأدية مهامها . حالات إغماء ونوبات هستيرية تحوّل المحكمة إلى مصلحة استعجالات ليس السجناء وحدهم من يتأثرون بالأحكام القضائية التي تدينهم بالسجن ، وإنما لأقاربهم نصيب من التأثر، خاصة الأولياء الذين يتعرضون لنوبات هستيرية وحالات الإغماء التي تصيبهم فور نطق القاضي بالأحكام، والبعض منهم يعترض على القرارات بصفة غير محترمة، تقتضي تدخل الشرطة للسيطرة على الوضع، حيث تشهد محكمة بئر مراد رايس يوميا حالات مثيرة تنتهي في بعض الحالات بمتابعة المتسببين في الفوضى ، على غرار شابة حضرت جلسة محاكمة شقيقها، وبعد أن سمعت الحكم الذي أدانه ب 3 سنوات حبسا نافذا ، حتى انفجرت غضبا وقالت للقاضية "واش نتي شيكورة تحكمي كيما تحبي" ، مما أثار ذهول الحاضرين بمن فيهم القاضية ، وطلب وكيل الجمهورية بتوقيفها وتقديمها أمامه ، غير أن القاضية عفت عنها لأنها فتاة وقدرت انفعالها بسبب شقيقها، وفي قضية أخرى ذرفت لها دموع كل الحاضرين وتأثرت بها هيئة المحكمة ، محاكمة شيخ طاعن في السن و عجوز حضرا الجلسة التي تمت فيها محاكمة ابنهما الوحيد الذي لم يفارقهما يوما ، حتى ارتكب جنحة المشاجرة وتم حبسه ، وفور إدانته بالحكم انفجر العجوزان بالبكاء ، وكان صعبا على القاضية رؤية دموع ذلك الشيخ الذي كان يبكي بحرقة على فلذة كبده، وما كان منها إلا أن استدعتهما وتحدثت إليهما ، وطلبت منهما اتخاذ إجراءات أخرى كالمعارضة، أما الصراخ والبكاء والعويل فهو مشهد روتيني داخل قاعات المحاكم . الصفح من شيم الجزائريين في أغلب القضايا يتنازل الضحايا عن شكواهم أمام القاضي رأفة بالمتهمين أو رأفة بأهلهم، ومن بين هذه القضايا "التعدي على الأصول" ، فليس من السهل على أي أم أو أب رؤية فلذات أكبادهم في السجن، ولكن الجرم كبير والذنب لا يغتفر، ولولا الظلم الذي يطالهما لما اضطرا لمواجهة أبنائهم، وفي جميع قضايا التعدّي على الأصول يمثل الأولياء وهم يذرفون الدموع وقلوبهم تحترق ألما لما آلوا إليه ، ثم يتنازلون عن الشكوى التي قاموا أنفسهم بإيداعها، وفي كل مرة يعلمون الحضور درسا ، وهو أن حب الوالدين والرحمة التي قذفها الله في قلوبهم لا مثيل لها ، فحتى العاق هو في نظر أمه ولدها وفلذة كبدها، كما يستفيد العديد من المتهمين من صفح الضحايا ، ومن بين العبارات التي يبررون بها ذلك هي "شباب صغار و أخطأوا ونتمنى أن لا يعيدوا الكرّة" ، كما يرفض العديد المطالبة بالتعويض المادي رأفة بحالة المتهمين وذويهم، و شعارهم "الصلح خير" . أفارقة لا يتحدثون أية لغة ويحرجون هيئة المحكمة يمثل بصفة دائمة أفارقة من جنسيات مختلفة أمام المحاكم ، و غالبا ما تكون جرائمهم متعلقة بالهجرة السرية أو التزوير أو النصب و الاحتيال ، وفي مثل هذه الحالات يطلب القاضي من المترجم المعتمد لدى المحكمة تولي عملية الترجمة إلى الفرنسية أو الإنجليزية ، وفي حالة غياب مترجم يتولى ذلك المحامون، ولكن بعض الأفارقة يدعون أمام القاضي أنهم لا يتحدثون العربية أو الفرنسية أو الإنجليزية ويحسنون فقط لغتهم المحلية التي لا يفهمها إلا هم، وهو ما يضع هيئة المحكمة في حرج ، وبصعوبة كبيرة يستنطقونهم استنطاقا، لمعرفة هويتهم فقط، ولكن كثيرا ما يقع هؤلاء في الخطأ ويتحدثون الفرنسية ، مما يكشف مكرهم وخداعهم، أما البعض الآخر فيجيبون على الأسئلة بصفة عادية ، و عندما لا يعجبهم سؤال و يتحاشون الردّ عليهم يدّعون أنهم لم يفهموا . قضاة ينعتون ب "خويا" "صحيبي"" حبيبنا" "الشيخ" وغيرها لا يبدي العديد من المحبوسين أي احترام ولا التزام لهيئة المحكمة ، فيقفون وكأنهم متكئين على حائط، وبعضهم يتحدث بصوت عال، وآخرون يوجهون أسئلة للقضاة بدل العكس، ومنهم من ينعت القاضي بأسماء وكأنه يتحدث لصديق له في الشارع ، وهو ما يغضب القضاة ، بحيث يوجهون لهم إنذارات ويؤكدون لهم أنهم قضاة وليسوا أصدقاءهم ، ومن بين هؤلاء شاب كان يقول لقاضي الجلسة في كل مرة "يا خويا أنا ما درت والوا" وتارة أخرى يقول له "فهمت صحيبي" أو حبيبنا" ، و لم يسلم وكيل الجمهورية هو الآخر من العبارات التي تقلل من احترامه ، حيث قال أحد المتهمين في إشارة منه لممثل الحق العام "هاذاك راه يقول أنا سرقت" وهي عبارات توحي بقلة الاحترام . محامون يحوّلون قاعة المحكمة إلى حلبة للصراع ليس فقط الضحايا والمتهمون وحدهم من يتشاجرون في المحكمة، بل حتى من يوكلونهم للدفاع عنهم ، ونقصد بذلك المحامون، ففي بعض القضايا يدافعون جنبا إلى جنب ويتحدون للدفاع عن موكلهم ، وفي قضايا أخرى يقفون ضد بعضهم، ويحاول كل واحد منهما إثبات حق موكله، وغالبا ما تخرج الأمور عن السيطرة ، ويتحول الأمر من دفاع إلى صراع ، يوجهون فيه لبعضهم عبارات مشينة ، وينسحب البعض بسبب تطاول زملائهم ، وكثيرا ما يضطر القاضي إلى تهدئة الوضع ، ويطلب من الطرفين احترام هيئة المحكمة .