كالعادة سألته عن يومه في المدرسة، فأجابني ببراءته عما درس وعما لعب وعن نصيحة المعلمة له ولرفاقه عن ضرورة الهروب اذا أحسوا بخطر الاختطاف، ورغم أنه لا زال في القسم التحضيري الا أنه استوعب النصيحة بدون صعوبة لأن ظاهرة اختطاف الأطفال لم تعد تؤرق الأولياء فقط، فالأطفال هم الآخرون أدركوا أنهم صاروا مستهدفين من طرف الوحوش الآدمية، وعليهم الاستعداد لأي خطر يداهمهم. والمشكلة لا تكمن في سرعة التكيف مع الظاهرة، بقدر ما تكمن في هذا الانحراف الخطير في المجتمع، فبعدما كنا في الثمانينيات نصاب بالذهول لمجرد سماع وفاة شخص في عمر الشباب، رأينا كل أصناف الموت والتنكيل في التسعينيات، وبعدما كان الأطفال أمانة لا نقاش فيها، صرنا نختطفهم ونقتلهم بكل برودة أعصاب. والثابت أن من قتل ونكل واختطف هو جزائري يعيش بين ظهرانينا، وليس مخلوق قدم من المريخ، ولما وصل بنا الأمر الى هذه الدرجة من الانحراف، ورغم هول الصدمة لا بد أن نعترف بالمسؤولية جميعا. فالفرد اذا تجرأ على القتل أو الاختطاف أو الاعتداء مرة، سيقتل وسيختطف وسيعتدي مرات أخرى، وبالتالي فان الانفعال لا يجدي نفعا، ولا بد للعودة الى ما قبل حدوث الجريمة، وكيف نزلت آدمية هذا الجزائري الى الحضيض، والأجدر بنا أن نبحث عن الحيلولة دون تعلم او التفكير في القتل أو الاختطاف لدى المجتمع، واما اذا سمحنا بذلك وبعدها نقيم الدنيا ولا نقعدها فعند ذاك المجرم مسؤول على جرمه والمجتمع مسؤول عن ذلك المجرم. فهل سألنا أنفسنا عن أي وعظ يقدمه المسجد للناس، والامام لا يتعدى صوته جدران المسجد الذي يخطب فيه، عن أي تربية تقدمها المدرسة للتلاميذ، وجحافل تتسرب سنويا تبدع في تصفيف الشعر وخفض السروال الى أسفل الدبر لا غير، وعن أي خدمات تقدمها السلط العمومية للشارع، والمتجول في مدننا وأريافنا يخال نفسه في شوارع افريقيا المتخلفة وليس الجزائر، وهل سألنا أنفسنا عن أي مضمون تقدمه وسائل الاعلام للعموم، ومضمون يتيمتنا وشقيقاها ضحل وهزيل في زمن الصراع على احتلال الفضاء التلفزي والأثيري، وعن أي أمن يقرأ الجريمة قبل وقوعها، وأمننا يرى الجرم ويغمض عينه، وعن أي قضاء يضرب بيد من حديد كل أشكال الاجرام؟، والصرامة تطبق على سارق البيضة ومتسامح مع البارونات. اذا أجبنا بأمانة ونزاهة عن مثل هذه الأسئلة سندرك لماذا صرنا نتفنن في القتل والاختطاف، وتبقى نصيحة المعلمة لتلاميذها مجرد صيحة في واد لا غير.