" ليل الجنوب" عرض مسرحي احتضنته أول أمس قاعة الموقار، يندرج عرضه ضمن العروض المقدمة خارج المنافسة في إطار الطبعة الثامنة للمهرجان الوطني للمسرح المحترف، و هي من إنتاج فرقة الغد لبيت الفني للمسرح التابع لوزارة الثقافة المصرية، والتي تعمل تحت إشراف الممثل المسرحي عبد الرحيم حسن، و من إخراج ناصر عبد المنعم عن نص من تأليف فرح شاذلي. تناولت المسرحية الوضع الاجتماعي المزري الذي طبع سكان جنوب مصر، مشيرا إلى تلك العادات والتقاليد البالية التي جعلت من هذه الجغرافية القاسية في تخلف مستمر نتيجة تعنت الفكر وتقديس العصبية القبلية، وتغليب الرأي، وقضية الثأر التي لا حدود لها والتي تعبر في نظرهم ردا للاعتبار الأسرة التي أغتيل أحد أفرادها على يد أحدهم شعارهم الدم لا يغسل إلا بالدم. في ديكور مميز يخص البيئة الصعيدية وبطبيعته الساحرة يصف نمط معين من الحياة الاجتماعية لهذه المنطقة التي لا تتجزأ من أرض مصر، دارت أحداث هذه المسرحية التي حرك خيوطها ثلة من الممثلين وعلى رأسهم دعاء طعمية في دور نخلة، وجسد دور العانة الممثلة وفاء الحكيم وسامية عاطف في دور نور، وفي دور شوق الممثلة شريهان شهين، وشخصية عموش جسدها معتز السويفي ، الراوي محمد نصر ، زوج شوق محمد دياب، نائل علي زوج نخلة وكل واحد من هؤلاء الممثلين أدى دور من اثنين إلى ثلاث شخصيات، ومن جملة المشاهد التي استمتع بها جمهور قاعة الموقار الذي حضر بقوة لمتابعة هذا العرض قضية تشجيع الزواج بين أبناء القبيلة الواحدة حتى لا يختلط دمائهم بدماء الغرباء وذلك لحتمية الإبقاء السلالة على نسق واحد، طبقا لما يفرضه قانون الصعيدين، الذي تنص مواده الجائرة كما أشارت إليه أحداث هذا العرض إلى إلزامية الأبناء بالتقيد به وعدم الخروج عنه، ومن تجرأ على القيام بذلك تسلط عليه أقصى أنواع العقوبة، أدناها حرمناه من الميراث، لكن ما استشفناه من هذا العرض أن أرباب العائلات الصعيدية الذي يقطنون نجوع الجنوب المصري أبنائهم إن لم نقل كلهم متخرج من مختلف المعاهد والجامعات، وهي ما استنتجتاه من خلال قصة " نور" التي أكملت دراستها الجامعية، تشاء الأقدار أن وقعت هذه البنت في قصة حب زميل لها بالجامعة، وتوعدا على الزواج، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث وبعد التخرج هذين المحبين توجه الشاب إلى بيت حبيبته ينوي خطبتها ليقابله رفض والدها له بحجة تزويجها من ابن عمها طبقا لعادات وتقاليد الأسرة الصعيدية والتي تكرس الزواج من أبناء العمومة حتى وإن كان الخاطب شيطانا، حفاظا على أواصر العلائق الاجتماعية ضمن قبيلة واحدة، هذا وتناولت هذه المسرحية كذلك مسألة عدم توريث الأنثى وطمس حقوقها المشروعة التي كفلها إياها الإسلام الحنيف، وأكل مالها بالباطل، كما تطرق ذات العرض إلى قضايا أخرى أشدا تعقيدا وخطرا يتعلق الأمر بذهنية متخلفة التي تكرس عملية ختان البنات، وكذا الغربة التي فرضت على سكان هذه المعمورة جراء الحياة الصعبة وتجريدهم من أراضيهم عنوة باعتبار أهل الجنوب المصري متيمين بأرضهم إذ يعتبرونها جزء من عرضهم.